«حرب عالمية ثالثة» أم «حرب باردة ثانية»؟
هاني الفردان ..
أصبح الحديث «إعلاميّاً» عن قرب اندلاع الحرب العالمية الثالثة، مألوفاً في تصريحات السياسيين، وذلك في ظل تطور الأوضاع وتعقِّدها، ودخول ما يعرف بـ«الحرب الباردة» مرحلة حرجة تزامناً مع تصعيد دولي واضح في المنطقة العربية.
وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في حوار صحافي يعود تاريخه إلى العام 2011، قال: «من لم يسمع طبول الحرب تدقّ فهو أصم»، وإنه «عندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون (الانفجار الكبير)».
انشغل العالم حاليّاً بمراقبة الإعلام الروسي، الذي بدوره «دقَّ طبول الحرب»، وبات الحديث عن تصعيد كلامي روسي - أميركي، وعن تزايد الحديث عن ضربات لإسقاط طائرات أميركية أو تجهيز ملاجئ تحسباً لقصف نووي لموسكو.
تلك الحالة الإعلامية الملاحظة في الإعلام الروسي، انتقلت إلى العالم العربي، كونه واقعاً تحت تأثير السياسات الروسية - الأميركية، والصراع الدائر بينهما في مركز التوتر العربي (سورية)، فقد تحدث كتاب «عرب» عن ثمة بوادر لـ«حرب عالمية ثالثة» تلوح في الأفق، وذلك على خلفية تطور الصراع السوري، وما يجري حاليّاً في منطقة حلب.
من أبرز ملامح ما يمكن أن يطلق عليه «الحرب العالمية الثالثة»، هو تدني العلاقة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وحلفائها، هذه التداعيات التي يمكن أن تجر المنطقة برمتها (العربية) إلى تحولات كبيرة جدّاً، لم تكن متوقعة من قبل قد يكون بينها تقسيم دول، أو تغيير أنظمة.
ما هو واضح أنَّ الحرب التي يتم الحديث عنها حاليّاً «إعلاميّاً» لن تصل بالعالم إلى شن حرب عالمية ثالثة، بالمفهوم التقليدي العسكري للحروب بين البلدان الكبرى، بل سيتم تعزيز حالة «الحرب بالوكالة» في مناطق التوتر.
العالم يواجه حرباً باردة محتملة خطيرة ومدمرة، وفق المحلل في صحيفة «ذي إندبندنت» شين أوغرادي، الذي يضيف في تحليل حمل عنوان: «روسيا، الصين، الولايات المتحدة، هل هي حرب عالمية ثالثة أم حرب باردة ثانية».
«الحرب الباردة» هو مصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت موجودة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما من منتصف الأربعينات حتى مطلع التسعينات، عندما أعلن رسميّاً تفكك الاتحاد السوفياتي.
التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة دليل على أن الحرب العالمية الثالثة باتت قريبة بالفعل، لكن لن تكون بالطريقة التي توقعها الكثير من علماء المستقبليات في الماضي، على شكل اشتباك بين القوى العظمى، ومطاردة دباباتهم لبعضهم بعضاً، بل عبر مجاميع من «الحروب الصغيرة» التي يمكن أن تتحول في الواقع إلى صراع حقيقي بين القوى العظمى، يضم على الأقل الولايات المتحدة وحلفائها وروسيا وحلفائها.
اقترح بعض الباحثين والمؤرخين اعتبار الحرب الباردة أنّها «حرب عالميةً ثالثة»؛ لأنها كانت قتالاً على مستوى عالمي من قبل متحاربين بالوكالة. وفي مقابلة تلفزيونية في 2006 وصف الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب بأنها «حرب عالمية ثالثة».
وسواء كنا مقبلين على «حرب عالمية ثالثة» أم «حرب باردة ثانية» فإن المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي لن تكون في منأى من ذلك، بل ستكون في صلب تلك المعركة، ومحاورها، وقواعد الاشتباك فيها، بل ستكون مسرحاً واقعاً لنتائجها غير المعروفة بعد.
لا خلاف في أن «طبول الحرب» تدقُّ وسط ما يوصف بـ«حالة اللانظام» التي يعيش على وقعها العالم اليوم، ولا خلاف في أن روسيا نجحت إلى حد ما في قلب معادلات صاغتها الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة الأولى.
المشهد الواضح هو أن ما يحدث في العالم حاليّاً هو «صراع هيمنة»، فالهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو الحفاظ على هيمنتها على العالم دون أن يكون لها شريك في الساحة السياسية أو الدولية، بينما تسعى روسيا إلى إعادة أمجادها عبر تحالفاتها، لكسر تلك الهيمنة الأميركية وإعادة العالم إلى توازن القطبين بدلاً من القطب الأوحد.
الكل يعلم أن للولايات المتحدة الأميركية وروسيا أبواباً خلفية كثيرة للخروج من المآزق السياسية والعسكرية الحالية، فيما لن تكون هذه الأبواب موجودة أصلاً للدول العربية التي تورطت في حروب ونزاعات باهظة الثمن اقتصاديّاً وسياسيّاً وحتى اجتماعيّاً.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/26