آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

الذين يغيظهم ذكر الرسول


قاسم حسين ..

احتفلت البحرين على جاري عادتها السنوية المحمودة، يوم أمس الأحد، الحادي عشر من ربيع الأول، بذكرى المولد النبوي الشريف.

البحرين ليست استثناءً، فهي تشارك أغلب البلدان العربية والإسلامية التي تتشرّف بإحياء هذه المناسبة العطرة، حيث تقام الاحتفالات وتنشد الأشعار وتسترجع نفحات من حياة خاتم الأنبياء والمرسلين، عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.

لا أعلم شخصياً متى بدأ المسلمون بإحياء هذه المناسبة، واستنوا بهذه السنّة الجميلة التي تذكّرهم بسيرة النبي المصطفى (ص) وتسترجع قطوفاً من حياته الشريفة. وهي لا تتعارض مع عقلٍ ولا نقلٍ، فكل عاقل، وكل محب للنبي، لن يجد في نفسه غضاضةً من المشاركة في مثل هذا الاحتفال. وهو ما ينطبق على تسعين، بل وخمسة وتسعين من المسلمين، الذين يعيشون بين المغرب وموريتانيا غرباً، وإندونيسيا وماليزيا شرقاً، انتهاءً بالمسلمين في الصين والهند وروسيا.

صبيحة يوم المولد النبوي الشريف، يتبرّع أحد المتنطعين، بنشر مقطع فيديو قصير، من أجل «هداية» كل هؤلاء المسلمين الضالين عن الجادة، فيخاطبهم قائلاً: أجيبوني على هذا السؤال: هل الاحتفال بالمولد طاعة أم معصية؟ وهل علم بها النبي أم جهلها؟ فإن قلتم جهلها فإنه انحراف، وإن قلتم علم بها فأسألكم هل بلّغها للأمة أم لا؟ فإن قلتم لم يبلغها فهذا اتهام له بكتمان الرسالة، وإن قلتم بلّغها فهاتوا دليلاً واحداً أمر فيه النبي بالاحتفال بالمولد!

ويخلص من كل هذه الفذلكة، إلى النتيجة التي كان يؤمن بها سلفاً، وهي ضلال المسلمين كافةً إلا جماعته ومن يحملون فكره! ويقول في نهاية سفسطته مستنكراً: «هذي إهي العبادة التي ما فعلها الرسول ولا الصحابة»؟ ثم يختم بالدعاء للأمة الإسلامية الضالة بالهداية!

لغةٌ فوقيةٌ متعجرفة، وخطابٌ فيه الكثير من الإدعاء والغرور والعجب الزائد بالنفس، فمن الذي نصّب هذا الشخص وصياً على المسلمين، يحدّد لهم معالم دينهم. وتأتي تعليقات المغردين، بين مؤيد بقوله: «صح إلسانك يا شيخ»، وبين معارض وصاحب رأي، فأحدهم عمل مخططاً استبدل فيه كلمة المولد بكلمة «إغلاق المحلات التجارية في غير صلاة الجمعة»، وطبّق عليها نفس المعايير المتشدّدة ليخلص إلى أنها بدعة، واتهام للرسول (ص) بأنه ما بلّغ رسالته! وطبّق آخر نفس المعايير حين تساءل عن دعاء ختم القرآن في صلاة الجماعة ليلة 29 رمضان، ليفتح أفقاً للنقاش والرد على أمورٍ تراها أنت عبادات، ويراها غيرك بدعاً وضلالات، أو ممارسات مقبولة ومباحات، اجتهد المسلمون بإتيانها بعد وفاة الرسول (ص)، قياساً أو من باب الحب أو الاستحسان.

من يحتفلون بهذه المناسبة التي ترتبط بمولد منقذ البشرية من الضلال، لا يقولون إنها عبادة، فبالتالي تسقط هذه الفذلكة من الأساس. وكل هؤلاء المسلمين، سنة كانوا أو شيعة، عرباً أو عجماً، إنّما يُحيونها حبّاً في رسول الله، وإحياءً لذكره، واستذكاراً لسيرته وسجاياه، وغالباً ما يكون لشعر المديح النبوي الدور الأكبر في هذه الاحتفالات. وهو ليس بدعةً ولا أمراً طارئاً في القرون اللاحقة، وإنّما كان أمراً ثابتاً منذ أيام الرسول (ص)، حيث كان يستقبل الوفود ويستمع للشعراء الذي يمدحونه. وتحفل كتب السيرة، كابن هشام مثلاً، بالكثير من هذه الأشعار، ومن أشهرها قصيدة كعب بن زهير:
بانت سعادٌ فقبلي اليومَ متبولُ... متيّمٌ إثرها لم يُفد مكبولُ.
وهي قصيدةٌ تبدأ بالغزل بسعاد، على جاري عادة الشعراء في تلك العصور، والتي يختمها بقوله:
إن الرسولَ لنورٌ يُستضاء به... مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
أُنبِئتُ أن رسولَ اللهِ أوعدني... والعفوُ عند رسولِ اللهِ مأمولُ.
فأجازه الرسول (ص) وألقى عليه بردته، وظلت تلك البردة تنتقل بين أيدي حكام المسلمين يشترونها بأغلى الأثمان؛ بينما أخذ شعراء المسلمين يقتفون أثرها، كما في «بردة» البوصيري (ق 7 هـ/13م) «الكواكب الدريّة في مدح خير البرية»، و»نهج البردة» لأحمد شوقي قبل مئة عام.

ماذا يغيظ هذا الشخص وأمثاله أن يجتمع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على إحياء ذكر سيد المرسلين؟

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/12/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد