حمَّامات مدارسنا ومساجدنا خياس وهدر مياه
إدريس الدريس ..
يبدأ غرس الإهمال واللامبالاة في الممتلكات العامة عندنا منذ الصغر ومنذ النشأة المبكرة في المراحل الدراسية الابتدائية ويمتد هذا الإحساس المنغرس في نفوسنا لبقية أعمارنا فينشأ لدى الإنسان السعودي تمييز حاد بين الملكية الخاصة والمقتنى الحصري والملكية العامة التي هي حق مشاع للانتفاع بين الجميع.
يبدأ استزراع قصة «التطنيش» من حمامات المدارس التي تعج بالقذارة وانعدام النظافة إلى الحد الذي يضطر بعض الطلاب إلى «حصر» احتياجاتهم الغريزية إلى حين عودتهم إلى منازلهم.
هذا عهدي - قبل عقود – بحمامات المدارس لكنني سألت عن الوضع حالياً فوجدت أن ردود من سألتهم ممتعضة ومستقرفة.
ولهذا أرى أن المسؤولية في هذا الإطار تقع على كاهل وزارة التعليم التي تحشد عقول الطلاب وتحشر كتبهم بالعديد من المواد والمعلومات الكثيفة والتي يمكن الاستغناء عن كثير منها وكان أحرى بها أن تخفض هذا الكم لتترك مساحة كافية لتدريب الطلاب على الخدمة العامة وتعويدهم على الانتظام والانخراط في مجاميع يتم إنشاؤها للعمل المشترك في تنظيف أحواش وردهات المدرسة وحماماتها وجميع مرافقها على أن يشترك في ذلك الطلاب بصحبة معلميهم ليكون ذلك نواة لتعويد أبنائنا على العمل المشترك بما يؤسس لاحقاً لمنظمات المجتمع المدني ولينطلق ذلك كسلوك حضاري وإسلامي في التعامل مع حمامات المساجد والجوامع والتي هي الأخرى انعكاس رديء وسلبي للمسلم النظيف الذي حثه دينه عبر الآيات والأحاديث الشريفة للتزين والاغتسال والتوضي والتسوك في خمس صلوات يومية كما ندبه لأخذ الزينة عند كل صلاة إلى جانب تحبيذه للاستحمام والتعطر قبل صلاة الجمعة فهل ترى دعوة وتحبيباً على النظافة بأكثر من ذلك؟! لا أظن أن ذلك موجود في أي شريعة أخرى سماوية كانت أو أرضية لكن الأسف يعلو عندما نجد أن المسلم (السعودي) نظيف في نفسه لكنه غير مكترث بما يخص الآخر ولا يعتني -كما يفترض - بكل ما يخص الاستخدام الجمعي المشترك لذلك تجده لا يعير بالاً لنظافة الحديقة العامة التي يرتادها أو حمامات المدارس والمساجد والمتنزهات البرية والمقتنيات العامة باعتبارها (حلال الحكومة) وبعض العامة عندنا يقولون (حلال مهوب حلالك جره على الشجر).
ورغم أن تمدننا قد زاد وأن دراهمنا سخية في الصرف على المرافق العامة ورغم أننا نسافر كثيراً وفي كل الاتجاهات ونرى فعالية المجتمع المدني وإسهام الناس في رعاية المشتركات العامة إلا أننا نعود وننكفئ على أنفسنا لنحصر غايتنا واهتمامنا بأشيائنا الخاصة جداً في أنانية مفرطة وهذا بالتأكيد لا يتسق وفكرة المجتمع المدني المتكافل الذي يشد بعضه بعضاً.
ليتنا نعيد نظراً في كثير من ضخامة مناهجنا وقلة فائدتها وبركتها وأن ندع للأعمال التطوعية والمشاركات المجتمعية قدراً وافراً من الحصص الدراسية الميدانية التي تخرج إلى الميدان وتجعل أطفالنا وشبابنا تروسا فاعلة في رعاية ممتلكات المجتمع ومشتركاته وأن يكون لهذه الدروس التربوية التطبيقية الجهد المعلىّ والنصيب الأكبر في تقييم الطلاب وتحديد مساراتهم في سلم النجاح وأن تكون درجات الخدمة هي القياس والقدرات وسنكتشف أننا بهكذا مناهج قد خلقنا جيلاً فاعلاً ومتفاعلاً وأننا في هذه الدورات نؤسس لقياديين ومديرين في رعاية الشأن العام وفي العموم سننتج جيلاً مخلصاً يؤثر وطنه ومجتمعه على نفسه وسيتخلق لدينا مسلمون متحضرون يطبقون تعاليم الإسلام الحقيقية ظاهراً وباطناً يرعون هذه السلوكيات الإسلامية في خاصة أنفسهم وكذلك في ما يخص غيرهم، وما يسري على وزارة التعليم من استحقاق فإنه يسري بالمثل على وزارة الشؤون الإسلامية التي ترعى بيوت الله وما يعنيها من خدمات وأخص ذلك هو حماماتها والتي تعج – في معظمها – بالوساخة وهدر المياه وضعف الصيانة.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/01/23