خريجو التمريض... أزمة بلد
قاسم حسين ..
الإحصائية التي أنجزتها مجموعة من الممرضين الخريجين العاطلين عن واقع البطالة المفروضة عليهم، تتعدّى واقع فئة صغيرة إلى أزمة بلدٍ في التعاطي مع قضية التوظيف وجيل الشباب.
البحرين من البلدان الخليجية القليلة التي تتميز تقليدياً بوفرة العنصر الوطني لشغل أغلب الوظائف والأعمال. وحين اكتشف النفط مطلع الثلاثينيات تحوّل قسم كبير من المهنيين والمزارعين والبحَّارة والغواصين للعمل في صناعة النفط. وحين أنشئت الشركات الصناعية بعد الاستقلال كان للعنصر البحريني دور كبير في إدارتها وتشغيلها. ودخل البحرينيون مبكراً للعمل في مجالي التعليم والصحة، حتى أوشكنا على تحقيق الاكتفاء الذاتي منتصف الثمانينيات، حسبما كانت تشهد الأرقام الرسمية في تلك الفترة.
اليوم نسجّل تراجعاً فاضحاً في مجال التوظيف، حيث تميل السياسة العامة لفتح الباب أمام العمالة الأجنبية، حتى تراجعت مساهمة البحريني في سوق العمل إلى حدود الـ20 في المئة، بعدما كان يشكّل نسبة 70 في المئة قبل ثلاثة عقودٍ فحسب. ولأول مرةٍ في التاريخ تراجعت نسبة المواطنين إلى أقل من 48 في المئة من التعداد السكاني، وانقلبت النسبة لصالح الأجانب، على رغم كل ما يُقال ويُشاع لأكثر من عشر سنوات، عن إصلاح سوق العمل وجعل البحريني الخيار الأول.
إن كون 56 في المئة من خريجي التمريض عاطلين عن العمل، بحد ذاته رقم خطير، فكيف إذا اقترن ذلك بسياسة تفضيل الأجنبي على المواطن في وزارة الصحة نفسها، وهي الجهة الأولى بتوظيف خريجي التمريض الشباب.
«الصحة» كلما انتقدنا سياستها المدمّرة، ردّت بجوابٍ مطوّل بتنا نحفظه عن ظهر قلب: الأولوية عندنا للبحريني، الموازنة، عدم وجود شواغر، وديوان الخدمة المدنية.
الواقع يكذّب كل ما تدّعيه وزارة الصحة في ردودها الجاهزة، فهناك مئات الخريجين من قسم التمريض، ومن مختلف التخصصات، يقبعون في منازلهم بسبب سياستها الخاطئة باستقدام ممرضين وأطباء أجانب، لا يزيدون كفاءةً ولا خبرةً ولا تأهيلاً عن البحرينيين. والوزارة تعرف تماماً تكلفة هذه السياسة اقتصادياً، وتأثيراتها سلبياً على تراجع خدماتها الصحية.
ثم إنَّ الموازنة لا تكون متوافرةً حين الحديث عن توظيف الشباب البحرينيين الخريجين، بينما تفتح حنفيتها بسخاء لاستقدام وتوظيف الأجانب. وهو عملٌ يتناقض تماماً مع المصلحة الوطنية العليا، لأن الأجنبي يكلّفها أكثر من الضعف، بسبب ما تقدّمه له من بدل سكن وغربة وسفر سنوي وتعليم وتطبيب مجاني وتأمين صحي، بينما لا تصرف للبحريني غير راتبه الشهري. وهي الخطيئة نفسها التي ترتكبها وزارة التربية والتعليم عند استقدام معلمين من الخارج بينما يتوافر لديها آلاف الخريجين البحرينيين المؤهلين ينتظرون فرصتهم للعمل وخدمة البلد.
خريجو التمريض بعضهم أنهى جميع إجراءات التوظيف، وبعضهم وقّع على عقد العمل، وبينما ظل ينتظر اتصالاً من وزارة الصحة لسنوات، يُفاجَأ بنشر إعلانات توظيف في عدة دول آسيوية، لتوظيف ممرضين وممرضات من الخارج، حتى باتت نسبتهم كبيرةً في مختلف المراكز الصحية.
إنَّ الكرة اليوم، بل ومنذ سنوات، في ملعب وزارة الصحة، لتصحيح سياساتها الخاطئة، والعودة للمعايير الوطنية في التوظيف، وعدم التعلّل بديوان الخدمة المدنية الذي يشاركها الخطأ حتماً إذا برّر ومرّر ودعم إجراءاتها باستبعاد المواطنين. فليس هناك بلدٌ في العالم يستقدم مئات الأجانب للعمل في سلك الطب والتمريض والتعليم، متحملاً كلفتهم الباهظة أضعافاً، بينما لديه فائضٌ من الخريجين في هذه المجالات والتخصصات نفسها، وبما يوفّر خياراً أفضل حتى من الناحية الاقتصادية البحتة، في فترةٍ أعلنت الدولة سياسة التقشف في جميع المرافق الرسمية والوزارات.
إنه خيارٌ خاطئ بلاشك، والإصرار عليه خطيئة، لأنه يصطدم بمصلحة الوطن وأبنائه، وهو خيارٌ أكثر من خاطئ وخصوصاً في أزمنة العسرة والتقشفات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/01