الموهبة والإبداع بين الاهتمام والضياع
باسم القليطي ..
الإنسان في إتقانه وإجادته للأمور بين ثلاث مستويات, إما أن يكون سيئاً ضائعاً, أو أن يكون مُبدعاً بارعاً, أو أن يكون بين الاثنين, فيقوم بعمل الأمور بصورة عاديّة لا طعم لها ولا لون, وهذا حال أكثر الناس, الموهبة: هي العطيّة أو الهديّة, فيهبها الوهاب عز وجل لمن شاء من خلقه, والإبداع: هو الابتكار أو ايجاد شيءٍ غير مسبوق, وأكثر الناس إذا لم يكن جميعهم موهوبون, ولكن قليلٌ منهم من تُكتشفُ موهبته وترى النور, وبالذات المواهب العظيمة لذلك قال الفيلسوف (أفلاطون): غالباً ما تكون الموهبة العظيمة مدفونة.
أثبت (هوارد جاردنر) صاحب نظرية (الذكاءات المُتعددة) أن جميع الأطفال يولدون وهم يمتلكون مواهب مُتعددة ومتنوعة, منها القوي ومنها الضعيف, ولذلك يقع العبء الأكبر على التربية السليمة لاكتشاف هذه المواهب وصقلها كما يُصقل الألماس, ويتم التركيز على المواهب القويّة البارزة, وإهمال المواهب الضعيفة الباهتة, ومن الأمور المُهمة في هذه النظرية أنها نقضت الفكرة الخاطئة والسائدة بوجود علاقة بين العوامل الوراثية والموهبة والإبداع.
ومن المعايير المهمة التي تُبيّن حجم امتلاك الشعوب للموهبة والإبداع هو مقدار ما تسجله من براءات اختراع, فعندما تجد مجموع ما سجلته الدول العربية من براءات اختراع هو (491) يقابلها لذات العام (1377) براءة اختراع للكيان الصهيوني ستعلم حجم الفجوة الإبداعية بيننا وبينهم, وعصرنا الحالي يعتمد في تقدُمه اعتماداً كبيراً على الموهبة والإبداع, إذن لماذا هذا الإخفاق والضياع؟ هل هو لنقصٍ في العقول, أم لقصورٍ في الذكاء, بالطبع لا لأننا نمتلك عقولاً مثل الآخرين متفاوتة الذكاء, من الغباء إلى متوسطي الذكاء ثم العباقرة والأذكياء, والموهبة والإبداع لا تقتصر على حادّي الذكاء فحسب بل إنه بمقدور متوسطي الذكاء بشيء من الإرادة والصبر والتحفيز والعلم أن يكونوا مُبدعين عُظماء, إذن أين يقع الخلل؟ يقع بسبب عدد من المعوقات, أهمها (البيئة المُحيطة) والتي تكون إما جاهلة أو فقيرة أو مُحبطة أو كثيرة الانتقاد لأبنائها أو أنها لا تثق بهم وبإمكانياتهم بل إنها قد تترقب فشلهم على سبيل السخرية والتهكم, يقول (جوته): تنمو الموهبة في جو هادئ مُسالم.
صحيح أن الموهبة شيء جميل ورائع ولكنها بالطبع لن تكفي وحدها, يقول المخترع الكبير (أديسون): العبقرية 1% موهبة و 99% عرق جبين. مثال على ذلك: اللاعبان (مارادونا) و(ميسي) يُجمع الكل على امتلاكهما موهبة كروية نادرة, لكن هذه الموهبة لا تكفي لوحدها بل تعتمد على عوامل أخرى, كالمواظبة المُستمرة على التمارين والاهتمام بالصحة واللياقة والبُعد عن الأمور الضارة كالتدخين والمخدرات, وعندما أغفل (مارادونا) هذه العوامل انتهت حياته الكروية بسرعة, وعندما اهتم بها (ميسي) تطورت مهاراته واستمرت إبداعاته.
كما ذكرت في بداية المقال أن الموهبة تكون غالباً مدفونة وعلى الأسرة والمدرسة دور كبير لاكتشافها وتنميتها, لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد, فمن قال أن الموهوب والمبدع سيجد طريقاً مفروشاً بالورود, ومن قال أنه بمجرد اكتشافه لموهبته سيصبح مُبدعاً ونجماً لامعاً, بل إنها بداية لطريق مليء بالعثرات والتحديات, فمن تجاوزها بالعزيمة والصمود واصل الصعود, ومن اعتمد على الموهبة وتعامل معها ببرودٍ وشرود ظل حبيساً مكانه المحدود.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2017/03/06