«داعش» لا يمثّل السنّة ولا الإسلام
قاسم حسين ..
التطورات التي يشهدها قلب المنطقة العربية، في العراق والشام، تشير إلى أن تنظيم «داعش» يعيش المرحلة الأخيرة من مغامرته الدامية.
ومع تصاعد العمليات العسكرية ضد التنظيم الإرهابي، وانقلاب أغلب الدول ضده، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، أخذ الخناق يشتد حوله.
«داعش» بدأ بأكذوبةٍ كبرى، وسايره عليها الكثيرون، دولاً وبعض الشعوب، لأسبابٍ تتداخل فيها الألاعيب السياسية والمصالح الاقتصادية والحسابات والأحقاد الطائفية، ما خلق كل هذا التواطؤ والتغرير بالناس، حتى دافع البعض عن هذه الهجمة البربرية المدمرة، وحاول البعض تغطيتها بالقول إنها ثورة عشائر عربية، في محاولة لاستحمار العقل العربي. ولم يمر وقت طويل حتى انكشفت اللعبة، حيث وجّه التنظيم تهديداته إلى الدول العربية الأخرى كالسعودية والأردن ومصر.
«داعش» اليوم أصبح ورقةً مكشوفةً للجميع، فهذا التنظيم الذي تشكّل من تحالف بقايا حزب البعث الحاكم سابقاً في العراق، مع قوى «جهادية» وحركات تكفيرية وخيوط مخابرات دولية، اعتمد سياسة إشاعة الفوضى وتدمير النسيج الاجتماعي في البلدان التي استهدفها، والعمل على تأجيج الصراعات الطائفية. وإذا كان قد وجد تركيبةً دينيةً فسيفسائيةً في العراق وسورية للعبث بها، إلا أنه اصطدم في البلدان الأخرى بنسيج أقل تنوعاً وأكثر تآلفاً دينياً، حيث لا يوجد شيعة أو سنة، فعمل على استهداف الأقباط في مصر، واللعب على التناقضات القبلية في ليبيا، في صراع مفتوح ليس له أفق ولا حد.
لم تعد أنشودة عودة الخلافة الإسلامية تستثير الشعوب، وخصوصاً تلك التي جرّبت هذه الحركات، واكتوت بنيران تسلّطها وضيق أفقها؛ حيث حاولت استنساخ تجربة «طالبان» في أفغانستان، في تربةٍ حضريةٍ كانت هي مهد الحضارات، على ضفاف الأنهار الكبرى في العالم، في سورية والعراق ومصر. وكانت هذه التجربة محكومةً سلفاً بالفشل المؤكد وحتمية الانهيار، لأنها تخالف طبيعة الحياة والمزاج الشعبي العام.
منذ مطلع هذا العام، أصبح واضحاً أن مشروع «داعش» إلى زوال، فمصالح كل الدول أصبحت تلتقي في هذا الاتجاه، فقد أدرك الجميع خطر اللعب بالنار. واليوم يجري الحديث عن «ما بعد داعش»، وهو أمرٌ كان مطروحاً منذ الأيام الأولى لإعلان دولته، متمثلاً في ثلاثة سيناريوهات:
الأول إذا استمر «داعش» فسيتمدد من سورية والعراق، ليفرض سيطرته على الدول المجاورة الأخرى، وصولاً إلى الخليج شرقاً، وإلى تونس والجزائر غرباً، ليعيد كل هذه المنطقة وشعوبها إلى القرون الوسطى. والسيناريو الثاني أن يجري كبحه ومحاصرته في منطقة جغرافية محدودة، ليسهل تصفيته والقضاء عليه نهائياً، أو -وهذا هو السيناريو الثالث- تُفتح له منافذ للهرب إلى البلدان المجاورة، وفي هذه الحالة سيشكّل خطراً كبيراً يهدّد أمن واستقرار الدول العربية من المحيط إلى الخليج، بالإضافة إلى تركيا التي ستدفع أكبر الأثمان، نتيجة الرهان طويلاً على سياسة تربية الثعابين. فهي اليوم تضم آلافاً من المقاتلين في صفوف التنظيم المتطرف، وآلافاً من الخلايا النائمة، من المؤمنين بفكر «داعش» الذي عشعش خلال سنواتٍ من التورط في الحرب الأهلية السورية.
الدولتان المعنيتان، سورية والعراق، تبدوان أكثر حرصاً على عدم تكرار أخطائها السابقة، لكي لا يفلت «داعش» من المصيدة هذه المرة، فيعود مجدداً للظهور داخل أراضيها، أو يتمدّد إلى دول أخرى، كما حدث في ليبيا ومصر.
المنطقة اليوم تشهد ما يشبه الصحوة العامة في النظر إلى «داعش»، فهو تنظيمٌ متطرفٌ، لا يمثل الإسلام ولا السنّة، وهو لم يوفّر فاحشةً أخلاقيةً أو جريمةً غير إنسانية إلا ارتكبها. ومع ذلك مازالت هناك بعض الجيوب الجاهلية المتعصّبة التي مازالت متعاطفة معه وتدعو له في الخفاء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/12