آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سطام المقرن
عن الكاتب :
كاتب سعودي

القطاع الخاص وإدارة التنمية


سطام المقرن ..

أثبتت التجربة في أوروبا وأميركا واليابان أن النهوض بالإدارة أهم عناصر النجاح، وأن العلاقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص علاقة تكاملية، وليست علاقة تنافسية

شهدت السنوات الأخيرة شعوراً متزايداً بضرورة تعظيم الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في عملية التنمية، وهو ما انعكس بالفعل على برنامج التحول الوطني الذي يهدف إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وإلى رفع مساهمته في إجمالي الناتج المحلي، وذلك باعتبار القطاع الخاص شريكاً أساسياً في تحقيق رؤية المملكة 2030، وعلى هذا الأساس، فإن التوجه في هذه المرحلة هو دور متعاظم للقطاع الخاص في إدارة التنمية.

يرى البعض أن القطاع الخاص لا يمكن أن يلعب الدور الذي لعبه في الدول المتقدمة، وأنه من الخطورة بمكان تسليم زمام التنمية الاقتصادية له، فالشركات والمؤسسات في هذا القطاع تعتمد بشكل رئيسي على عقود ومناقصات المشاريع الحكومية، ويخلو من روح المبادرة والإقدام والإبداع، وهناك العديد من هذه المشاريع نفذت بشكل سيئ وبجودة متدنية، ناهيك عن تعثر بعضها، وذلك بسبب قصور التجربة والكفاءة لدى القطاع الخاص، ولهذا فإن تكاليف التنفيذ عادةً ما تكون كبيرة وباهظة الثمن، ويضاعف من ذلك الشعور السائد بأهمية اغتنام الفرص لتحقيق أكبر قسط من الكسب السريع، وبالتالي فإن الشركات والمؤسسات لا تختلف كثيراً عن الجهات الحكومية في إدارة التنمية!.

في بعض المشاريع الحكومية، لوحظ بالفعل تدني مستوى بعض الشركات المنفذة لتلك المشاريع، وهذا التدني يظهر جلياً في توريد مواد غير مطابقة للشروط أو المواصفات، بالإضافة إلى وجود عمالة غير مدربة وغير متخصصة تعمل في كافة المجالات سواء في مشاريع التشييد والبناء أو مشاريع السفلتة والطرق وكافة مشاريع البنية التحتية، ويتم اللجوء إليها بطرق مخالفة وغير نظامية، ويتم كل هذا في ظل إشراف ورقابة حكومية ضعيفة تفتقر إلى المساءلة والمحاسبة.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك صعوبات ومعوقات تواجه القطاع الخاص نفسه، تتمثل في تسلط بعض الجهات الحكومية، وطبيعة عقود المشاريع التي تتجه إلى الإذعان، وهيمنة العمالة الوافدة، بالإضافة إلى تعقيد الإجراءات البيروقراطية، جمعيها تسهم في عرقلة القطاع الخاص للقيام بدوره المطلوب منه.

إن أخطر المشاكل التي تواجه التنمية هي مشكلة النهوض بالإدارة، تستوي في ذلك الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات في القطاع الخاص على حد سواء، فقد أثبتت التجربة في كل من أوروبا وأميركا واليابان أن النهوض بالإدارة هو أهم عناصر النجاح، وأن العلاقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص هي علاقة تكاملية، وليست علاقة تنافسية، والفرق في الكفاءة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لا يعود بالضرورة إلى الاختلاف في طبيعة الملكية، وإنما في كفاءة الإدارة نفسها.

كنت قد تحدثت في مقالات عديدة عن مشكلة الإدارة الحكومية في القطاع العام وما تعانيه من خلل وصعوبات، أما الإدارة في القطاع الخاص فقد يشرف عليها اختصاصيون ذوو خبرة فنية عالية، ولكنهم ليسوا على دراية إدارية كافية، فالبعض منهم يفتقر إلى المعرفة الإدارية والتقنية والتسويقية، وتقويم الهياكل المالية للمشاريع، ويغلب على إدارة هذه الشركات الطابع غير المنظم أو ما يسمى بالفوضى الإدارية.

إن اتجاه المملكة في هذه المرحلة يهدف إلى التوفيق بين قدرات الجهات الحكومية والبرامج والمشاريع التي توكل إليها، بحيث تؤدي الجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص أدوارا متفاوتة في تنفيذ أو الإشراف على تنفيذ برامج ومشاريع التنمية، فتقوم الجهات الحكومية بدورها التقليدي في إصدار السجلات والتصاريح وتطبيق التشريعات والقوانين والإشراف والرقابة فقط، بدلاً من إرهاق هذه الأجهزة تحت وطأة العديد من البرامج والمشاريع التي تمثل أعباء أكثر بكثير من قدرتها على الاضطلاع بها بكفاية وفاعلية على أن يقوم القطاع الخاص بتنفيذ مشاريع التنمية، وهذا يعتمد على القدرة الإدارية والفنية والتقنية للقطاع الخاص، وهذا هو النموذج الإداري الأنسب في هذه المرحلة.

لا شك أن ثمة مخاوف من ألا يؤدي القطاع الخاص دوره كما يجب مثلما حدث في بعض البلدان العربية، ومع ذلك يبقى هذا الخيار هو النموذج الإداري الأنسب، ويتطلب منا أن نتلمس كل السبل لتحسين القدرة الإدارية للشركات والمؤسسات في القطاع الخاص حتى تستطيع استثمار مواردها استثماراً يخدم حاضرها ومستقبلها، كما أن على هذه الشركات الاستعداد لهذه المرحلة بإعادة النظر في مقوماتها الإدارية وتطبيق الحوكمة وإلا فربما يتم الاعتماد على ما يسمى بعقود «تسليم المفتاح» من خلال الاعتماد الكلي على الشركات الأجنبية تصميماً وإدارة وتشغيلاً وصيانة.

كما أن المساهمة البناءة للقطاع الخاص في التنمية تتطلب تحسين المناخ الاستثماري وبنية إدارة الأعمال، ومساعدة القطاع الخاص من خلال تقديم الدراسات وإتاحة المعلومات عن الفرص الاستثمارية المتاحة ومصادر التمويل الممكنة، والتسهيلات الأخرى التي توفرها الدولة مع تفعيل أنظمة ولوائح حماية المنافسة، وتفعيل المحاكم التجارية، وتسهيل الإجراءات البيروقراطية.

وأخيراً، إذا كانت الدولة مطالبة بدعم القطاع الخاص، فإن على هذا القطاع الالتزام بالتشريعات والقوانين التي تهدف إلى حماية الموظفين والعمال وصيانة حقوقهم، وحماية المستهلكين من الغش والاستغلال، وحماية البيئة من أضرار الأنشطة الصناعية، ودفع ما يستحق عليه من ضرائب أو زكاة دون مماطلة أو تحايل أو تهرب، وبالتالي يكون للقطاع الخاص دور مهم في تكوين قاعدة إنتاجية معطاء تعتمد على القدرات الذاتية.  

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/03/21