خط الفقر التعليمي
د. عبدالرحمن الطريري ..
نقرأ ونسمع كثيرا بشأن خط الفقر في دولة أو أخرى، وعندما يطرق هذا الموضوع تدرج المؤشرات الدالة عليه، كمتوسط دخل الفرد، ومتوسط المعيشة، والقوة الشرائية لعملة البلد، وتذكر نسب تبين كم من الشعب وصلوا إلى مستوى خط الفقر، وما المتوقع بشأن نسبة الفقراء؟ هل ستزيد أم تنقص وذلك حسب مؤشرات وبيانات اقتصادية يعرفها المتخصصون؟ ونظرا لأهمية التربية لكونها اللبنة الأساس في أي مجتمع، فهي محرك التنمية، ورافدها، وهي محرك الاقتصاد، لذا جاءت فكرة هذا المقال، بهدف تسليط الضوء على التعليم في جودته، أو ضعفه، وإمكانية وضع مؤشرات تشكل لنا في نهاية الأمر الخط الذي يمكن أن تطلق عليه خط الفقر التعليمي، حيث لو وجدت مؤشرات الفقر التعليمي في نظام تعليمي لكان ذلك مؤشرا على رداءة ذلك النظام، وإن لم توجد هذه المؤشرات أو وجدت بعض العناصر التي لا تؤثر إلا بشكل محدود قلنا إن النظام التعليمي لتلك الدولة فوق خط الفقر، وتعليمها يبشر بالخير.
ترى ما المؤشرات الممكن وضعها لتشكل لنا خط الفقر التعليمي؟ أول المؤشرات يتمثل في وجود، أو عدم وجود فلسفة تربوية وتعليمية، واضحة، ومحددة، تبرز الغايات، والأهداف الاستراتيجية للتعليم، على أن تكون الفلسفة مدركة ومستوعبة من الهيئة التعليمية بكاملها، إدارة، ومعلمين، وفنيين، حتى لا يكون لبسا يؤثر في العملية التعليمية، وفي حال انتفاء هذه الفلسفة، أو عدم وضوحها تسجل نقطة سلبية في حق النظام التعليمي. البيئة التعليمية، ذات القبة التربوية، مؤشر آخر، فكما أن افتقاد السكن الملائم يمثل مؤشرا من مؤشرات خط الفقر المعيشي، فكذلك افتقاد البيئة المدرسية المناسبة يمثل مؤشرا لخط الفقر التعليمي، لما ينجم عن رداءة البيئة من ملل، ونفور من المكان، وكره لعملية التعلم. ويمكن التمثيل على البيئة المدرسية غير المناسبة بالمدارس المستأجرة التي تفتقد أبسط خصائص المدرسة.
تنوع النشاطات، ووجود عملية ترويح خفيفة تتخلل العملية التعليمية يمثل أحد محفزات العقل، ومنشطاته التي تجعل الطالب يقدم على العملية التعليمية بهمة، ودافعية عالية، لتجنب الضجر، والشعور بالنفور من مواقف التعلم، وهذا ما يشكل تحديا كبيرا لأي نظام تعليمي يتوقع منه أن يكون المحرك الأساس في المجتمع، إن الرتابة، والروتين في العملية التعليمية متى ما وجدت شكلت أحد العوائق، وأصبحت مؤشرا للفقر التعليمي.
يضاف لما سبق من مؤشرات الفقر التعليمي افتقاد المدرسة إمكانات التعلم ووسائطه المتعددة، خاصة في زمن التقنية، كما أن الاعتماد على الطرح التنظيري المجرد يفقد العملية التعليمية قيمتها الحياتية، فانفصال المدرسة عن محيطها الاجتماعي، وعدم ربط المعرفة بالتطبيق يخرج أفرادا فاقدي المهارات ما يضعف إنتاجيتهم في مواقع العمل.
كثرة عدد الطلاب في الفصل الدراسي تجعل من المستحيل على المعلم إدارته، كما تفقده القدرة على بذل الجهد المناسب، والتفاعل مع الطلاب، خاصة من يحتاج منهم إلى رعاية، واهتمام. العبء الدراسي المرتفع للمعلم يمثل أحد مؤشرات الفقر التعليمي، فمع العبء المرتفع لا يمكن للمعلم أن يؤدي مهمته بالشكل الصحيح، فتقل الواجبات، وتقل التغذية الراجعة المناسبة التي تعين الطلاب على معرفة إيجابياتهم وسلبياتهم، كما أن المعلم يفتقد فرصة معرفة الحاجات التعليمية، كما أن كثرة العبء الدراسي تشتت ذهن المعلم، وتصيبه بالإرهاق، والاحتراق النفسي.
القيمة الاجتماعية التي تعطى للمعلم، ذات أهمية بالغة في قائمة مؤشرات النزول لخط الفقر التعليمي، فالاحترام والتقدير الذي يحظى به المعلم له أثر بالغ في رفع معنوياته، ومن ثم بذل الجهد اللازم لنجاح العملية التعليمية، والقيمة تستمد، وتؤسس في النظام التعليمي، وتجدر الإشارة إلى أن النظام التعليمي في فنلندا يتعمد اختيار أفضل 10 في المائة من الخريجين، كما يتم اختيار أفضل 10 في المائة من المتقدمين المتميزين، ويحظى المعلم بمنزلة اجتماعية عالية، إضافة إلى الراتب السخي الذي يفوق راتب الأطباء، والمهندسين، بل إنه في منزلة الوزير، كما ذكر أحد أساتذة الجامعات الفنلندية في ندوة عقدتها كلية التربية في جامعة الملك سعود.
الاهتمام بالبحث العلمي، وإيجاد الباحثين المتمكنين في جميع المجالات المعرفية من قبل الجامعات، ومراكز البحث يعتبر مؤشرا من المؤشرات، كما أن رصد الميزانيات الكافية للبحوث يمثل أساسا من أسس الحكم على النظام التعليمي، وهذا ما يميز الدول المتقدمة صناعيا، وتقنيا عن تلك التي وصلت خط الفقر التعليمي.
المؤشرات السابقة تمثل ما له علاقة ببنية النظام التعليمي إلا أن هناك مؤشرات ذات علاقة بالمخرجات تظهر في الإنتاجية العامة اقتصاديا، ومعرفيا على شكل براءات اختراع، وجوائز عالمية، وبحوث متميزة، وحلول لمشكلات المجتمع، إضافة إلى سلوك الناس العام في الشارع، والسوق، والعمل، والالتزام بالأنظمة.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/03/23