نحو التعليم الرقمي
لمياء باعشن ..
من غيرِ المنطقيِّ أنْ نعتبرَ قرارَ وزارةِ التَّعليم بالتحوُّل نحو التَّعليم الرقميِّ خطأً كارثيًّا، فالعالم كلّه يتَّجه نحو تطبيقِ التقنيات الحديثة كوسائل تعليميَّة متطوِّرة ونافعة. أيّ معارضة لهذا المشروع الضخم، تقعُ في تناقضٍ شديدٍ مع حركة التقدُّم من حولنا، فكما استبدلنا قلم الحبر بالقلم الجاف، وكما استغنينا عن السبورة السوداء والطباشير، ثمَّ عن السبورة البيضاء، وأقلام الفلوماستر، ووصلنا إلى السبورة الذكيَّة المضيئة، فإنَّ دخول الحواسب الرقميَّة إلى الفصول الدراسيَّة هو أمرٌ محسومٌ.
لا مانع من أن ندخل في نقاشاتٍ عميقةٍ ومطوَّلةٍ نتحقق فيها من حسنات ومساوئ هذا التحوُّل، فمن الواضح أنَّ للأمر إيجابياتٍ لا يمكن إغفالها، أهمّها إزاحة أعباء حمل الكتب الثقيلة عن كواهل صغارنا في المراحل الابتدائيَّة على وجه الخصوص، وغيرها من الصفوف العُليا على وجه العموم. أمَّا عن تكلفة طباعة هذه الأحمال الثقيلة، فإنَّ مئات الملايين من الريالات تُهدر سنويًّا في طباعة كتبٍ فاخرة تجد طريقها إلى سلال المهملات في نهاية العام الدراسي. ويتساوى مع الهدر المالي، ذلك الهدر الورقي المجحف في حقِّ الطبيعة، وقطع الأشجار، والتأثير البيئي الخطير.
ولابدَّ أن نعترفَ أنَّ هذه الأجهزة الإلكترونيَّة جذَّابة جدًّا للطلاب من جميع الأعمار، فالكلُّ متعلِّقٌ بها، ومقبلٌ على ما يظهر على شاشاتها، لذا فإنَّ العلاقة بين الطلاب والتقنية أمرٌ مسلَّمٌ به، ولابدَّ من استغلاله. يوفِّر جهازُ الآيباد السرعةَ والسهولةَ في التَّعامل معه، فهو صديقٌ للمستخدم، أيّ أنَّ التدريب على استخدامه لن يستغرق وقتًا، ولا جهدًا طويلاً، وكون الجهاز مرتبطًا بالإنترنت، فإنَّ تعليم الطلاب سيرتكز على عددٍ وافرٍ من البرامج التعليميَّة، والكتب الإلكترونيَّة، والمواقع التدريبيَّة. أمَّا ما يميِّز هذا الجهاز، كونه يحفِّز الطالب على التعلُّم بالأنشطة التفاعليَّة الفرديَّة، وعلى البحث عن المعلومات بأشكال مكتوبة، ومصوَّرة، وصوتيَّة، ومتحرِّكة، بدلاً عن جمود الكتاب وقيوده.
وفي نقاشاتنا حول التحوُّل إلى النظام الرقميِّ، لابدَّ أن نأخذَ السلبيَّات في الاعتبار، فالأجهزةُ الجاذبةُ تشتت الانتباه، وتقلل القدرة على التركيز، ولا يمكن للمدرس أن يمنع الطالب قسرًا من التنقل بين صفحات الإنترنت ليقرأ ويشاهد ما يشاء، أو يدخل إلى مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، أو غيرها من المتاح له، بعيدًا عن صفحة الدرس المطلوب. أضف إلى ذلك أنَّ اعتماد التَّعليم على جهازٍ متَّصلٍ بالإنترنت يتطلَّب اشتراكًا لا ينقطع في المدرسة، وفي البيت، لذا فإنَّ المتطلَّبات التقنيَّة كالواي فاي، والكهرباء، والصيانة للأجهزة ضروريَّة جدًّا؛ لعدم تعطيل العمليَّة التعليميَّة.
وإذا كانت طباعة الكتب تكلِّف المئات من الملايين، فإن توفير أجهزة الآيباد لكلِّ الطلبة كلَّ عامٍ ستكون أكثر كلفةً، لذلك فإنَّ التخوَّفَ من عدم توفّر الميزانيَّة الكافية هي إحدى السلبيَّات المتوقَّعة. كذلك فإنَّ مسألة تدريب القائمين على العمليَّة التعليميَّة في جميع مرافقها على التعامل مع الأجهزة بسلاسة وتمكُّن، هو أمرٌ حيويٌّ؛ لذا فإنَّ الميزانيَّة يجبُ أن تغطِّي تلك التكاليف أيضًا.
أمَّا مخاطر التصاق الطلبة بالشاشات لساعات طويلة، وتأثير ذلك على النظر، والرقبة، والأعصاب، فإنَّها مخاطر قائمة في كل الأحوال: هو عصر التقنية الإلكترونيَّة، واستخدام أجهزتها لن يقلَّ، ولن يخفَّ بإبعادها عن المدارس. هو عصر التقنية الرقميَّة، ومستقبل هؤلاء الطلاب سيواجههم بها في كلِّ منعطف من حياتهم.
لنناقش ونستعد للمرحلة المقبلة، لنكن مسلَّحين بالحلول للمتوقَّع؛ حتَّى لا تعيقنا المفاجآت. لتكن خططنا واضحةً ونحن نسأل: ما الذي نريده من هذه النقلة؟ وكيف ستحقق لنا هذه الأجهزة تعليمًا أفضل؟ ولنكن على مستوى القرار؛ حتَّى لا نُقهر ونحن نرى طلابنا يحملون الآيباد إلى المدرسة محشورًا في حقيبة مليئة بالكتب الثقيلة.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/04/13