الفردية.. آفة معدية
أحمد عبدالرحمن العرفج
العَقليَّةُ العَربيَّةُ -كَمَا ذَكرنَا فِي كِتابةٍ سَابِقَةٍ- لَيسَت عَقليَّةً مُشَابِهَةً للعَقليَّاتِ الأُخرَى، بَل هي تَمتَازُ بخَصَائِصَ ومُميّزاتٍ مُحدَّدةٍ، ولَيس بالضَّرورةِ أَنْ تَكونَ هَذه الخَصَائِصُ والمَزَايَا إيجَابيَّةً، بَل هِي إلَى السَّلبيَّةِ أَقرَب..!
إنَّ الأُستَاذَ البَاحِثَ «حسن حميد»، ذَكرَ فِي كِتَابهِ «الذِّهنيَّة العَربيَّة -الثَّوابِت والمُتغيِّرَات- مُقَاربة معرفيَّة»: أنَّ الذِّهنيَّةَ العَربيَّةَ تَمتَازُ بالفَرديَّةِ، ونَعنِي بالفَرديَّةِ أَنَّ الإنسَانَ أَنَانيٌّ، لَا يُفكِّرُ إلاَّ بنَفسهِ، مُطبِّقًا المَثَلَ القَائِلَ: «أَنَا ومِنْ بَعدِي الطُّوفَانُ». وقَد شَرحَ البَاحثُ «حسن حميد» هَذهِ الفَرديَّةَ بقَولهِ: (تَعملُ الذِّهنيَّةُ العَربيَّةُ وفقَ مَقولةِ: «انجُ سعد، هَلكَ سعيد»، أَيّ أَنْ يَظفرَ الفَردُ بخَلَاصهِ، دُونَ أَنْ يُعطِي أَيَّ اعتبَارٍ للآخَرَ، سِوَى أنْ يَتعلَّمَ مِنهُ «الفرَارَ»؛ بسَبَبِ «هَلاكهِ»، فالفَرديَّةُ هي التي لَم تُنتجْ ذِهنيَّةً جَماعيَّةً؛ بسَبَب يَقينيَّةِ الفَردِ العَربيِّ أنَّه يَملكُ -هو وَحده- مُطلَقَ الصَّوابيَّةِ، وغَيره -أيًّا كَان- لَا يَمتَلكُ إلاَّ السَّفَاهَةَ والضَّحَالَةَ. فالنَّجَاحُ وفقَ الذِّهنيَّةِ العَربيَّةِ، هو سَلَامةُ الرُّوحِ مِن الأَذَى، حَتَّى وإنْ دُمِّرَ البَيتُ عَلى كُلِّ مَن فِيهِ، فالمُهمُّ هو النَّجَاةُ والسَّلامَةُ الفَرديَّةُ.. امتِثَالاً لقَولِ العَامَّةِ: «حَادتْ عَن رَاسي بسيطَة»)..!
إنَّ العَقليَّةَ العَربيَّةَ تَمتَازُ بالفَرديَّةِ، وهَذَا دَاءٌ قَديمٌ، ولقَد دَعَا سيِّدُنَا «إبراهيمُ» -عَليه السَّلامُ- رَبَّه قَائلاً: (رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ).. كَما أَنَّ هَذهِ العَقليَّةَ تَتجسَّدُ وتَتَّضحُ، فِي تَفكيرِ الشَّاعِرِ الكَبيرِ الفَحلِ «أبي فراس الحمداني» حِينَ قَال:
مُعَلِّلَتِي بِالْوَصْلِ والموتُ دونهُ
إِذَا مِتُّ ظَمْآنًا فَلاَ نَزَلَ القَطْرُ
إنَّ الشَّاعِرَ هُنَا يُفكِّرُ بنَفسهِ، فإذَا مَاتَ مِن العَطَشِ، فلَا يَهمُّه بَعدَ ذَلكَ أَنَزَلَ الغَيثُ، أَم لَا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُؤكِّدَ عَلَى أَنَّ الفَرديَّةَ جَيِّدَةٌ فِي الألعَابِ الفَرديَّةِ، مِثل التِّنس والسِّبَاحَةِ مَثلاً، ولَكنَّها لَيسَتْ جَيِّدةً فِي كُرَةِ القَدَمِ والسَّلَّةِ؛ لأنَّها تَتطلَّبُ التَّعَاونَ والجَماعيَّةَ.. كَمَا أَنَّ الفَرديَّةَ لَيست مَذمومَةً، حِين يَبحَثُ الإنسَانُ عَن النَّجَاحِ بجهُودهِ الفَرديَّةِ، ولَكنَّها لَا تَصلحُ فِي الأعمَالِ والوَظَائِفِ؛ لأنَّ الفَرديَّةَ تُنَافِي العَمَلَ بروح الفَريقِ، ذَلكَ الشِّعَارُ الذِي رَفعَهُ الغَربُ، فتَطوَّرَ ونَجحَ وأَفلَحَ..!!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/05/18