باسم العلم تتشكل الأوهام
د. عبدالرحمن الطريري
باسم العلم يتحدث البعض عن قضايا، وأمور قد لا تكون في مجالهم، وربما في مجاله، لكن المتحدثين ليسوا دائما بالدرجة التي تؤهلهم للحديث عن هذه المواضيع، إما لمحدودية المعرفة، وإما أن إمكاناتهم العقلية لا ترتقي للبحث، والحديث في هذه المواضيع. نسمع كثيرا، ونقرأ الكثير مما يثير الاستغراب، وربما يحدث البلبلة بشأن الموضوع الذي طرحه فرد يصنف نفسه، أو يصنف من قبل الآخرين بصفته متخصصا في الموضوع. المعلومة المغلوطة قد تكون في كتاب، أو حديث إعلامي، أو في صحيفة، أو في مجلس، ونظرا للقداسة، أو الهالة التي تحيط بالشخص يؤخذ ما دونه، أو ما قاله الشخص على افتراض صحته، دونما تنشيط للعقل، ولو بأدنى مستوى للتفكير في صحة ما تم طرحه على أنه حقيقة، أو معلومة صحيحة. أطرح هذا الموضوع لأني قرأت في إحدى الصحف المحلية مقالا منسوبا لوكالات، هكذا كتب، والمقال يسند إلى علماء بريطانيين قولهم، إنه يجب تمديد سن المراهقة إلى سن 25 عاما، ومبرر ذلك أن النضج النفسي، والعقلي يتم عند سن 25، كما يشير المقال إلى أن النمو النفسي يمر بمراحل ثلاث، أوليّة من سن 12 ـــ 14، ومتوسطة إلى سن 17، والمرحلة الأخيرة تمتد إلى سن 25، حيث يكتمل النضج النفسي، والعقلي. تأملت في المعلومة السابقة فوجدت من الواجب إبراز الخلل الذي ورد فيها، حيث أشارت إلى أن المرحلة الأولية تبتدئ في سن 12، وفي هذا تضليل، وإغفال لمرحلة مهمة من عمر الإنسان ألا وهي 12 عاما الأولى، ذلك أن هذه السنوات هي الأساس في غرس كثير من مقومات الشخصية السوية، المتزنة، وبناء العقل من خلال المعارف الجيدة، إضافة إلى مرانه على طرق التفكير الجيدة التي تؤهله لمناقشة الأمور بصورة منطقية فيها تساؤلات تصل إلى حد التحدي الذي يرتقي بمستوى القدرات كلما كثرت المواقف، والخبرات التي يمر بها الفرد. الدراسات النفسية، والتربوية أثبتت أن السنوات الأولى من عمر الإنسان هي الفترة الأكثر مناسبة لغرس القيم والمبادئ، والاتجاهات، مع تعويده على المحاجة المنطقية، والموضوعية التي تؤهله لإدراك الحقائق، ومعرفة المتناقضات، إضافة إلى معرفة الأسباب، والنتائج المترتبة عليها، وربط ذلك بالمقاصد، والأهداف، ولذا يلزم التأكيد على الخطأ التربوي الفادح الذي ورد في المعلومة، والذي يقصر مراحل النمو النفسي، والعقلي ابتداء من سن 12، لما قد يترتب على ذلك من إهمال، أو غفلة عن السنوات التي قبل هذه السن. أمر مهم يلزم الإشارة إليه بشأن مرحلة المراهقة ألا وهو التأثير القوي للثقافة التي يعيشها الفرد، والخبرات التي يمر بها الفرد، إذ وجد في بعض المجتمعات قصر فترة المراهقة، وعدم ظهور ما يصاحبها من تصرفات، نظرا لأن تربية الأفراد في هذه المجتمعات تعرض أبناءها لمواقف، وخبرات أقرب ما تكون لخبرات الكبار، كما أن افتقاد العائل يتسبب في سرعة مرور الفرد بمرحلة المراهقة، وتجاوزها، حتى إنه ليتصرف تصرفات الرجال، وهو في سن مبكرة، نظرا لاضطراره إلى القيام بواجبات لا يمكن لأحد آخر أن يقوم بها نيابة عنه. نمط الحياة، وافتقاد الجدية، والمواقف الحازمة تترك آثارها لدى الناشئة، ما يؤخر النضج الانفعالي، والعقلي، وفي هذا آثار سلبية تتمثل في إيجاد جيل يمضي ثلث عمره بعيدا عن تحمل المسؤولية، فيما لو تم الاعتماد على هذه المعلومة المنسوبة لعلماء بريطانيين وربما تسامح، وقبول أولياء الأمور، ومؤسسات المجتمع تصرفاته المخالفة للمصلحة، والمناقضة للقانون، ما يشجع على إنتاج جيل متسيب لا يدرك أهمية الجدية الواجبة لمواجهة ظروف الحياة، ومتطلباتها. البعض يتصدى لقضايا تهم كثيرا من الناس، كما حدث من تداول خلال شهر رمضان المبارك لمسألة عدم جواز قول سبحان الله في دعاء صلاة الوتر عند الثناء على الله، إذ ما لبث هذا الرأي أن فند بوجهة نظر ثانية، ما يحدث التشويش على الناس وعدم قدرتهم على معرفة الرأي الصحيح، ومثل هذا الفعل ناتج من أن كثيرا ممن يدعي العلم في أي مجال قد لا يكون كذلك. كما أنه وباسم العلم والبحوث والدراسات يتصدى البعض لخطورة التدخين، فخلال مناظرة بين أطباء يحاربون التدخين ويظهرون علاقته بكثير من الأمراض، يقابلهم آخرون محسوبون على شركات التبغ يرفضون باسم العلم نتائج خطورة التدخين.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/06/29