تصورات لسيناريو ترامب تجاه إيران
صالح السيد باقر
ما كادت رؤوس العالم تستريح من الصداع الذي سببه الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية نتيجة تهويلهم للبرنامج النووي الإيراني، بإبرام الاتفاق في يوليو 2015 حتى بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإثارته من جديد.
يا ترى هل صعوبة الملف الإيراني بلغت حدا حتى بدى وكأنه عصي على الحل، مما دفع إدارة ترامب إلى المطالبة بإعادة التفاوض بشأنه رغم أن خمسة دول عظمى (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) بالإضافة إلى إدارة الرئيس أوباما أجرت مفاوضات لنحو عامين ونصف مع إيران بشأنه؟
إثارة الملف النووي الإيراني من جديد بعد أن وقعت عليه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، يدعونا إلى التفتيش عن أسباب أخرى غير الأسباب المعلنة، ومن بينها انتهاك إيران لهذا الاتفاق، كما تدعي حكومة ترامب.
لو كانت أسباب إثارة النووي الإيراني من جديد حقيقية، لكانت تسويتها سهلة للغاية، فهناك مرجعية دولية لحسم مثل هذه الأمور وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويمكن أن تعود واشنطن إليها وتعلن الأخيرة عن موقفها.
وبالفعل أقدمت واشنطن على هذه الخطوة عندما زارت سفيرة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي فيينا والتقت بمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، وما كان من أمانو إلا أن أعلن الأسبوع الماضي وبعد اللقاء أن إيران لا تزال ملتزمة بتنفيذ الاتفاق النووي.
من المفترض أن يتوقف ترامب عند هذا الحد، فيا ترى لماذا لم يتوقف؟
يسعى ترامب إلى تحقيق عدة أهداف من سياسته تجاه الملف الإيراني، هدف معلن وهدفان غير معلنين، وأي هدف من هذه الأهداف لو تحقق فانه سيحقق انجازا كبيرا لحكومة ترامب، وبالتالي فأن إيران تبذل مافي وسعها لإحباط كل الأهداف، من خلال عدة خطوات، سنأتي على ذكرها.
أما الهدف المعلن للحكومة الأميركية فهو إعادة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، والهدف من إعادة التفاوض هو ضرورة أن يتضمن الاتفاق القدرات العسكرية الإيرانية وخاصة القدرات الصاروخية، وكذلك أن تكون الولايات المتحدة أحد المستفيدين من الاتفاق بحيث تبرم طهران العديد من الصفقات التجارية والاقتصادية مع واشنطن كما فعلت سائر دول الاتفاق حيث أبرمت صفقات بمليارات الدولار، وأيضا أن يتضمن الاتفاق اعتراف إيران بإسرائيل.
ربما توافق إيران على الصفقات التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، بل أن هذا حدث بعد الاتفاق حيث وقعت إيران على عقد شراء بعض طائرات شركة بوينغ الأميركية، ولم نسمع من مسؤول إيراني أن طهران أغلقت باب إبرام الصفقات مع الولايات المتحدة، إلا أن قضية القدرات العسكرية الإيرانية وكذلك الاعتراف بإسرائيل فمن المستحيل لإيران التفاوض بهذا الشأن.
الهدفان غير المعلنين، هما، الأول شيطنة إيران، أو ما تسميه طهران بالايرانفوبيا، والثاني، هو دفع إيران إلى الخروج من الاتفاق النووي وإلغائه، وكلا الهدفان يسعيان إلى بلورة إجماع دولي ضد إيران.
من المؤكد أن الإدارة الأميركية ترمي من شيطنة إيران إلى دفع بعض الدول وخاصة الدول الصغيرة في المنطقة للاحتماء بأميركا وإبرام صفقات عسكرية وأمنية وسياسية بمليارات الدولار معها، أما فيما يتعلق بالدول الكبيرة، فستكون شيطنة إيران رادعا نفسيا وسياسيا كبيرا لها من الاقتراب من إيران.
ربما بلورة إجماع عالمي ودفع إيران إلى الخروج من الاتفاق النووي صعب المنال ولكنه ليس مستحيلا إذ يتعين على إدارة ترامب الكثير من العمل، وتقديم المزيد من التنازلات والامتيازات لهذا الطرف وذلك، لإنضاج هذا المشروع، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن ترامب وسياساته أصبحت منبوذة وتبغضها أغلب دول العالم لذلك فان تحقيق هذا الهدف ليس سهلا.
من جانبها فأن طهران لن تقف مكتوفة اليدين أمام تحركات إدارة ترامب، بل ستقوم بتنشيط دبلوماسيتها لإحباط التحركات الأميركية ضدها، خاصة وأن الخارجية الإيرانية قامت بتأسيس دائرة خاصة بالاقتصاد، تسعى من خلالها التحرك اقتصاديا ولكن في إطار دبلوماسي.
إيران طالما أعلنت أنها ستبقى متمسكة بالاتفاق النووي، ليس حبا به ولا لأنه يلبي كل رغباتها وطموحتها، وإنما لأنه السبيل الوحيد الذي يبقي الإجماع الدولي مع الاتفاق النووي، ولعل أحد الوسائل التي ستستخدمها إيران في هذا الإطار هو تمتين علاقاتها مع كافة دول العالم، وستعلب الاتفاقيات الاقتصادية دورا كبيرا في هذا الإطار.
كما أن إيران ستواصل نهج احتواء التوترات والتوسط في حل المشاكل، والتعاون الجدي في مكافحة الإرهاب، وهو الشعار الذي ترفعه أغلب دول العالم بل أنه تحول إلى التحدي الأول لبعض دول العالم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/09/19