لماذا أخفقت الخليج العربي في خطط توطين الوظائف؟

مرفت عبد العزيز العريمي
ما زالت الأرقام الإحصائية عن أعداد الباحثين عن العمل، والبطالة بأنواعها تشير إلى أن اكتشاف النفط في أوائل القرن الماضي لم يسهم فعليا في تنمية مستقبل الأجيال المتعاقبة من أبناء الخليج العربي، فقد اختارت الدول الخليجية الاقتصاد الرعوي، والتنمية السريعة لمعالجة الأوضاع الاجتماعية، والصحية، والتعليمية القائمة آنذاك، والاعتماد على الاقتصاد الاستهلاكي أكثر من الإنتاجي مما أثر على الخطط التنموية التي أصبحت تعاني من جرائها الآن خصوصا مع تعاقب الأزمات الاقتصادية العالمية في منطقة ساخنة سياسيا نظرا لأهميتها الإستراتيجية.
في الوقت الذي أصبح يتحدث فيه العالم عن إمكانية إحلال الإنسان بالذكاء الصناعي، واختفاء وظائف، وظهور وظائف جديدة، ما زالت الدول الخليجية تعاني من مشكلة البطالة الناتج من المخرجات التعليمية الوطنية الباحثة عن فرص وظيفية تتلاءم من مهاراتهم، ومؤهلاتهم في حين تستقبل تلك الدول الآلاف من العمالة الوافدة لشغل وظائف في منشآت القطاع الخاص، إذ تشير الأرقام، والإحصائيات أن أعداد العمالة الوطنية في المنشآت الخاصة في تراجع لحساب العمالة الوافدة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد العمالة الوافدة في منطقة الخليج يقارب 17 مليون أغلبهم من الجنسيات الآسيوية علما أنه، ومنذ سبعينيات القرن الماضي بدأت دول المنطقة في وضع خطط لتنمية الموارد البشرية، في عالم متغير بسرعة هائلة، ونمو غير مسبوق فيه للسكان، والتطور التكنولوجي الكبير الذي ينذر بتقليص الفرص الوظيفية للبشر لصالح الروبوتات، والذكاء الصناعي، وغيرها من العوامل التي تؤكد أننا مقبلين على مشكلتين اقتصادية، وأخرى أمنية ستهدد استقرار الدول، أو على أقلّ تقدير ستغير من شكل العالم، ومن مفهوم العمل، وطلب الرزق .
توقّع تقرير للأمم المتحدة بعنوان “اتجاهات التوظيف العالمية، والتوقعات الاجتماعية” المنشور عام 2015 أن مستويات البطالة في العالم على نحو متزايد بين الشباب لمتغيرات سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وعلمية إلّا أن منطقة الشرق الأوسط، ودول الخليج العربي، تعدّ من المناطق التي ستتأثر أكثر من غيرها بأزمة البطالة نتيجة الوضع السياسي الساخن، وانخفاض أسعار النفط.
والسؤال المطروح هنا: لماذا لم تتمكن هذه الدول توفير مناخ اقتصادي يستوعب أبناءها مع الأخذ في الاعتبار أن وجود العمالة الأجنبية بنسبة معقولة يحقق توازنا في أسواق العمل؟ إنّ مشكلة البطالة هي نتيجة لعدد من العوامل يمكن ذكر أهمها
أولا:ضعف في سياسات تنمية الموارد البشرية، فالسياسات التعليمية، وخططها لم تركّز على الربط بين التعليم، وتنمية الاقتصاد، والإنتاج لذلك نجد أن هذه الدول مازالت تعاني من ضعف الإنتاج، ومعدلاته، وانخفاض مستوى الجودة في الإنتاج مع ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي مقارنة بالمنتج المستورد.
وعلى الرغم من احتلال تلك الدول الصدارة في قائمة الاهتمام بتنمية الموارد البشرية على مستوى العالم إلا أن السياسات التعليمية، وتشريعاتها لا تدعم التعليم الاقتصادي، وبالأخص في القطاع الحكومي الذي تنتج مخرجات تمتلك مهارات عمل متواضعة، فعلى سبيل المثال، مهارات التواصل باللغتين العربية، والانجليزية ضعيفة، والسبب ليس فقط في جودة المساقات التعليمية في الجامعات المحلية نظرا أن هناك مخرجات من الابتعاث الخارجي، لكن الخلل في ثقافة التعليم كونه يركز على الحصول على الشهادات، والدرجات العلمية من أجل التوظيف، ولا يركز على مفهوم التعليم من أجل الحياة، وطلب الرزق، ولا توجد معايير، وأسس جودة لقياس مهارات المتعلم .
ثانيا:إن ثقافة التعليم المرسخ بعد النفط كانت تركز على التعليم الأكاديمي أكثر من المهني لذلك نجد الكثير من الفرص الضائعة في مجال التخصصات المهنية التي تتطلب مهارات يدوية، وحرفية، وتقنية.
ومن جانب آخر، فإن التشريعات المعمول بها في القطاع الخاص الخليجي لا يمنح المواطنين أحقية في التوظيف بنفس الامتيازات التي تمنح للعمالة الوافدة من منطلق اعتماد معيار الكفاءة، والأداء، وليس الجنسية و بالتالي يعزف الشباب عن الالتحاق بالعمل بتلك المنشآت .
ثالثا: لا توجد سياسات في أغلب الدول الخليجية تفرض على أصحاب المنشآت الخاصة، خصوصا الكبيرة منها التي تحظى بامتيازات، كإعفاءات ضريبية، والأولوية في المناقصات الحكومية والقيام بتدريب المواطنين، وتسليحهم بمهارات العمل من أجل إحلال محل العمالة الوافدة وفق إستراتيجية توطين الوظائف.
رابعا: لا توجد إستراتيجية واضحة طويلة المدى لتحديد الوظائف، والفرص الوظيفية المتوقعة على مدى أعوام مبنية على حصر شامل للفرص الوظيفة المشغولة من قبل العمالة الوافدة، أو المشروعات الاقتصادية المراد تطبيقها في المستقبل تبنى على أساسها سياسات التعليم والابتعاث والتدريب المهني.
خامسا: مازالت الوظائف القيادية في قطاع الخاص الخليجي تشغله العمالة الوافدة خصوصا الآسيوية ومن جنسيات معينة أصبحت تحتكر الوظائف لصالح أبناء جلدتها، ونظرا لعدم وجود سياسات، وخطط تفرض توطين تلك الوظائف، فإنه من الطبيعي أن يتمسك الموظف الأجنبي بالوظيفة، ويساهم في إفشال أية خطط تنتزع منه مصدر رزقه.
سادسا:لا توجد قوانين، أو تشريعات في عقود الوظيفية للعمالة الأجنبية تلزم الموظف الأجنبي أن يدرب المواطنين أضف إلى ذلك أن معايير انتقاء العمالة الأجنبية لا يشترط امتلاك الموظف مهارات التدريب بغرض الإحلال بعد فترة زمنية محددة يعلمها الطرفان ولا يمر الموظف الأجنبي لفحص وتدقيق لمهاراته ومؤهلاته العلمية كما يمر بها المواطن .
سابعا: لم تعمل دول المنطقة على تأسيس بنية اقتصادية متقدمة توفر فرصا وظيفية متجددة في فترة توفر الوفورات المالية، إذ أن أغلب الصناعات الموجودة بالمنطقة هي صناعات تحويلة، وليس إنتاجا أصيلا للصناعات الوطنية المعتمدة على الموارد الطبيعية المتوفرة في المنطقة، كالمعادن، والموارد السمكية الزراعية، على سبيل المثال وليس الحصر.
وحتى تتمكن الدول الخليجية من توطين الوظائف وخلق فرص وظيفية لأبنائها عليها :
أولا:وضع خطة إستراتيجية، وخطط تنفيذية شاملة لكافة القطاعات، والأنشطة الاقتصادية.
ثانيا: تغيير النظام التعليمي إلى نظام يهدف إلى خلق انسان منتج يمتلك من المهارات الفنية، والعملية يجعله صالحا للعمل في بقعه من العالم باعتماد معايير تعليم عالمية.
ثالثا:الربط بين التعليم، والتدريب للمواطنين من خلال برامج سنوية تبدأ فور تخرّج الطالب بحيث يتمكن من الحصول على مهارات العمل قبل أن يتوظف بالإضافة إلى التشريعات المتعلقة بالعمل الجزئي، أو باليومية في المؤسسات الخاصة، والحكومية لتتمكن من تدريب، وتزويد الشباب بالمهارات اللازمة مقابل مكافأة، وفتح مجال للتدريب أثناء الدراسة للطلبة، منذ المستوى الدراسي التاسع، ليكتسب مهارات العمل، وطلب الرزق.
رابعا:وضع قوانين، وتشريعات، وعقوبات على المنشآت الاقتصادية الكبيرة تصل إلى منعها من مزاولة نشاطها في حالة عدم التزامها بخطط توطين الوظائف.
خامسا: اقتصار توطين الوظائف على المنشآت الاقتصادية الكبرى، لأنها تمتلك الإمكانات الفنية، والمالية على تدريب وتوظيف المواطنين، لأنّ الموظف الملتحق بتلك المنشآت سيضمن مستقبله نظرا لوجود مسار وظيفي، وتدريبي واضح، وحوافز، وامتيازات مناسبة.
سادسا:تشجيع الشباب على الانخراط في العمل الحر و تأسيس أعمالهم الخاصة من خلال وضع إستراتيجية تحدّد المجالات التي تسهم في بناء هذا القطاع الاقتصادي المهم، وذلك من خلال عرض الفرص المتاحة لهم، ودعمهم تسويقيا محليّا، وخارجيا، وحمايتهم من الاحتكار.
سابعا: وضع خطط، وبرامج لمساعدة الشباب على العمل بالخارج في مؤسسات عالمية من أجل اكتساب المهارات، والخبرات التي تساهم في بناء المجتمع، والاستعاضة عن الخبرات الأجنبية مستقبلا.
لا تخلو المجتمعات من العمالة الأجنبية ،إلا أن تجاوزهم نصف عدد السكان يشكل خطرا أمنيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ، لذلك من الأهمية بمكان أن تستوعب الدول الخليجية أن بناء المجتمعات لا يعتمد على العقول المستوردة لأنها لن تنقل المعرفة وعندما يحين رحيلها سوف تأخذ معها خبراتها ،لا يكون أمام تلك الدول إلا أن تبدأ ممن حيث بدأت.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/04