آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد مصطفى جامع
عن الكاتب :
كاتب وباحث في الشؤون الأفريقية

عبدالله بن زايد إلى أديس أبابا: هل الهدف تحجيم النفوذ القطري أم مينائي جيبوتي وبربرة؟

 

محمد مصطفى جامع

تثير الزيارة النادرة المرتقبة لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد إلى إثيوبيا الاثنين المقبل تساؤلاتٍ عدة، إذ ليس من المعتاد أن ترسل دولة الإمارات شخصية بهذا الحجم إلى القارة السمراء. فضلاً عن توقيت الزيارة ودلالاتها فإثيوبيا تمر بمنعطفٍ تاريخي بعد استقالة رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين منتصف فبراير/ شباط الماضي ولا تزال الرؤية هناك غير واضحة فلم يتم الإعلان حتى الآن عن الشخصية التي تخلف ديسالين في ظل توترات تشهدها البلاد ومخاوف من اندلاع مواجهات وأعمال عنف بين المكونات الإثنية التي يزيد عددها عن 80 مجموعة في بلد تضم أكثر من 100 مليون نسمة.

والإمارات هي الأخرى تلقت مؤخراً ضربات قوية في إفريقيا، فقد أعادت كل من السنغال وتشاد علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأنهت حكومة جيبوتي من جانب واحد تشغيل موانئ دبي لمحطة حاويات “دوراليه”، كما ألغت الصومال اتفاقية شراكة مع موانئ دبي لإدارة ميناء “بربرة”، الذي تديره الشركة الإماراتية منذ عام.

فما هي أجندة وأهداف زيارة وزير الخارجية الإماراتي ؟ هل يسعى إلى تقويض النفوذ القطري الذي يتعاظم في القرن الإفريقي ؟ أم يريد التوسط لمصر في قضية سد النهضة ؟ أو ربما يهدف إلى حمل أديس أبابا على الانضمام لمعسكر مقاطعة قطر في ظل تنامي العلاقات بين الدوحة وأديس أبابا؟

اهتمام إماراتي ملحوظ بإثيوبيا

خلال الفترة الماضية أظهرت دولة الإمارات اهتماماً واضحاً بعلاقاتها مع القارة الإفريقية بشكلٍ عام، حيث قامت وزيرة الدولة ريم الهاشمي في 2015 بجولةٍ افريقية شملت رواندا وأوغندا كان عنوانها البارز تعزيز علاقة الإمارات بدول القارة السمراء، ورفع وتيرة التعاون والتبادل التجاري بين الجانبين.

وفي يناير/ كانون الثاني ترأست الوزيرة ذاتها وفد دولة الإمارات المشارك في القمة الإفريقية التي استضافتها العاصمة الإثيوبية، وكان من اللافت أن ريم الهاشمي أقامت آنذاك حفلاً كبيراً للتعبير عن “الشراكة الإماراتية الإفريقية” بحضور عدد من الوزراء وممثلي الدول الإفريقية، وذلك على هامش فعاليات الدورة العادية ال30 للاتحاد الإفريقي.

كما أجرت الوزيرة لقاءاتٍ جانبية كان أولها مع الرئيس الإثيوبي مولاتو تيشومي مع أن منصب الرئيس “شرفي” في إثيوبيا، لأن معظم السلطات والصلاحيات تتركز في يد رئيس الوزراء، ثم اجتمعت الهاشمي مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي وعدد من الوزراء والمسؤولين الأفارقة.

وللإمارات وجود اقتصادي قوي في إثيوبيا، فقد ضخّت هناك نحو 1.5 مليار دولار بحسب إفادات هيئة الاستثمار الإثيوبية، ومن أشهر الاستثمارات الإماراتية في أرض الحبشة شركة الخليج للصناعات الدوائية (جلفار)، إضافة إلى مصنع سيراميك رأس الخيمة، وتتركز معظم الاستثمارات الإماراتية في قطاعات الزراعة والصناعات الزراعية (60 مشروعاً)، فضلاً عن وجود دراسات إماراتية للاستثمار في قطاع السياحة والفندقة وصناعة الترفيه بإثيوبيا.

وتتفوق الاستثمارات الإماراتية على نظيرتها القطرية في إثيوبيا، فأبوظبي ضخت في الهضبة الإثيوبية نحو 1.5 مليار دولار كما ذكرنا، في حين لا تتجاوز استثمارات الدوحة 600 مليون دولار لكن هناك تعهدات قطرية بمضاعفة الأموال المستثمرة لتصل 8 مليارات دولار حسب الاتفاقيات الأخيرة الموقعة بين البلدين.

2017 عام العلاقات القطرية ـ الإثيوبية

فور اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/ حزيران الماضي اختارت إثيوبيا الحياد ونأت بنفسها عن الانضمام لمحور الرياض ـ أبوظبي لعدة أسباب أهمها مصالحها مع الطرفين فهي لا تغامر بخسارة دولة ذات ثقل مثل قطر، بجانب كونها تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي الأمر الذي يملي عليها اتخاذ مواقف رزينة تتناسب مع مكانتها وتأثيرها الجيوسياسي القوي.

والعام الماضي كان شاهداً على تطور العلاقات القطرية ـ الإثيوبية فقد مهدت زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن لأديس أبابا في أواخر 2016 لتحسن العلاقات بين البلدين بعد أن شهدت فترة قطيعة لمدة 4 سنوات بين 2008 و2012 بسبب اتهام إثيوبيا للدوحة بدعم إريتريا وجماعات إرهابية في الصومال، بحسب بيان وزارة الخارجية الإثيوبية.

ثم جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الذي وصل أديس أبابا في أبريل/ نيسان ضمن جولة إفريقية شملت كينيا وجنوب افريقيا، وكانت إثيوبيا المحطة الأبرز في الجولة لمكانتها في القارة السمراء ولتسليط الإعلام المصري على زيارة الأمير التي اعتبرها مؤامرة قطرية تستهدف مصر.

غير أن التحول الأبرز في العلاقات بين الدوحة وإثيوبيا كان في زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي المستقيل هايلي مريام ديسالين الذي يعتبر مهندس إعادة العلاقات بين البلدين فهو ووزير خاريته السابق تيدروس أدهانوم قررا استئناف التمثيل الدبلوماسي فور تسلم الأول رئاسة الحكومة خلفاً لرفيق دربه ميليس زيناوي، ووصل ديسالين الدوحة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي في زيارة وُصفت بالتاريخية فقد تم فيها التوقيع على اتفاقات عديدة كان أهمها اتفاقية للتعاون الدفاعي بين البلدين.

وما يدلل على جدية الدوحة وأديس أبابا في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، زيارة رئيس الأركان القطري غانم بن شاهين إلى أديس أبابا ولقائه مع نظيره الإثيوبي سامورا يونس ورئيس الوزراء المستقيل هايلي مريام ديسالين أواخر العام الماضي. ثم تبادل الطرفان زيارات أخرى كان أبرزها وصول الأمين العام للهلال الأحمر القطري علي بن حسن الحمادي إلى أديس أبابا لافتتاح مقر المنظمة القطرية هناك إضافة إلى توقيع اتفاقية تعاون كبرى مع الصليب الأحمر الإثيوبي لتنفيذ مشروعات إنسانية وصحية وخدمية يستفيد منها آلاف المواطنين الإثيوبيين.

أهداف زيارة وزير الخارجية الإماراتي

قد تهدف زيارة الشيخ عبدالله بن زايد يوم 5 مارس/آذار إلى تحجيم العلاقات القطرية ـ الإثيوبية التي تطرقنا إلى تطورها، وربما تكون مصر حثّت حليفها الإماراتي على التوسط لدى أديس أبابا لتقديم تنازلاتٍ للقاهرة في ملف سد النهضة إذ إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تورط بتوقيعه على اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015، ومؤخراً طلبت إثيوبيا تأجيل الاجتماع الثلاثي حول السد الذي كان من المقرر أن تستضيفه العاصمة السودانية في 24 و25 من فبراير/ شباط الماضي.

كذلك، يُنظر إلى أن الزيارة النادرة لرئيس الدبلوماسية الإماراتية قد تهدف إلى بحث قرار رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيلي بإلغاء امتياز شركة موانئ دبي لإدارة محطة حاويات “دوراليه”، نسبة لأن إثيوبيا تعتمد بنسبة 80% على استخدام ميناء جيبوتي في صادراتها ووارداتها فهي دولة حبيسة لا تطل على أي مسطحات مائية لذلك لجأت إلى إقامة خط سكك حديدية بين أديس أبابا وجيبوتي.

وكانت الإمارات قد استبقت زيارة وزير خارجيتها بمنح إثيوبيا 19% من حصة ميناء “بربرة” الذي وقعت شركة موانئ دبي اتفاقية للاستحواذ عليه مع جمهورية أرض الصومال (غير معترف بها دوليا) في 2017، وبعد قرار جيبوتي سارعت الإمارات الخميس الماضي إلى تعديل اتفاق ميناء بربرة لتصبح حصة شركة موانئ دبي العالمية حالياً 51% وأرض الصومال 30% وإثيوبيا 19%، بحسب بيان بثته إذاعة فانا المقربة من الحكومة الإثيوبية.

لكن لم تمضِ سوى ساعات قليلة على الاتفاق الأخير ألغت بعدها جمهورية الصومال اتفاقية الشراكة الإماراتية مع إقليم أرض الصومال، بحسب ما ذكرت قناة الجزيرة الإخبارية نقلاً عن مراسلها في مقديشو الجمعة.

الموانئ ستكون العنوان الأبرز

في تقديرنا، سيكون العنوان الأبرز لزيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد هو ملف الموانئ لأن خسارة مينائي جيبوتي وبربرة يمثلان نكسة كبيرة لدولة الإمارات خصوصاً إنها فقدت الأمل كذلك في الحصول على حق إدارة ميناء بورتسودان شرق العاصمة السودانية الخرطوم، فالإمارات تضع عينها على منطقة القرن الإفريقي لتعزيز قوتها الناعمة في منطقة استراتيجية وأمنية بالغة الحساسية وقريبة من مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.

ولإثيوبيا تأثير كبير على جمهوريتي جيبوتي وأرض الصومال، فسيكون بمقدروها لعب دور لصالح دولة الإمارات انطلاقاً من مصالحها ونفوذها في الدولتين.

نقول ذلك لأن انضمام إثيوبيا لمعسكر مقاطعة قطر أمر مستحيل تقريباً، فرئيس الوزراء المستقيل هايلي مريام ديسالين لا يزال ممسكاً بحقيبة الحكومة وسيظل تأثيره على خليفته القادم قائماً خلال الفترة المقبلة، هذا بخلاف احتمال استمرارية وزير الخارجية القوي ورقنيه قبيو في منصبه على الأقل إذا لم يصعد إلى مقعد رئيس الوزراء خلفاً لديسالين والرجلان يحتفظان بصلاتٍ وثيقة مع دولة قطر وأميرها تميم بن حمد.

وفوق ذلك، إثيوبيا دولة مؤسسات تخضع لما يقرره ائتلاف “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية”، الذي ينتهج سياسةً تقوم على الدبلوماسية الهادئة وعدم التورط في أية نزاعات إقليمية أو دولية، إلى جانب التزامه باحترام الاتفاقيات والمعاهدات التي تم توقيعها مع كل الأطراف.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/03/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد