الانتخابات العراقية: السياق والتوقعات
علاء اللامي
إن المشاركة في هذه الانتخابات لا جدوى منها طالما استمر هذا النظام قائماً (أ ف ب )
(ملاحظة ضرورية: كُتبت هذه المادة قبل بدء العملية الانتخابية)
أيامٌ قليلة، وتتوجه الكتلة الناخبة في عموم العراق إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية هي الأولى بعد الهزيمة العسكرية التي ألحقها العراق بالتنظيم التكفيري المسلح «داعش»، وتحرير جميع المدن من سيطرته.
مما تميزت به هذه الدورة عن سابقاتها، أنها تجري في ظروف اجتماعية ــ سياسية أشد صعوبة. عملية إعادة إعمار المدن المدمرة لم تبدأ بعد بشكلٍ حقيقي وملموس. مئات آلاف النازحين لم يعودوا بعد إلى مدنهم وقراهم، إضافةً إلى أنها ستجرى وفق صيغة معدّلة للمرة الثانية لقانون «سانت ليغو» لاحتساب الأصوات والمقاعد النيابية، هي طريقة لن يسمح سقفُها المرتفعُ بصعود اللوائح والأحزاب الصغيرة وحتى المتوسطة، إلى مجلس النواب المقبل. وأخيراً، فالتوقعات وعمليات سبر الآراء التي سبقت الانتخابات ــ حتى الآن ــ ترجح نسبة مشاركة ضئيلة لأسباب عدّة، من أهمها:
1- حالة الإحباط واليأس الشامل من أداء وفضائح نظام المحاصصة الطائفية، والذي جاء به الاحتلال الأمريكي سنة 2003.
2- استشراء الفساد السياسي والإداري والمالي.
3- نقص وسوء الخدمات العامة.
4- تصاعد احتمالات التزوير بعد قرار اعتماد طريقة فرز الأصوات إلكترونياً.
5- نشاط حملة مقاطعة شبه منظمة ومؤثرة نسبياً، للمشاركة في الانتخابات.
صحيح أن بعض التوقعات التي أدلى بها زعماء قوى سياسية كبيرة ــ كائتلاف «القرار العراقي» على لسان أحمد المشهداني ــ رجّح ألا تتجاوز نسبة المشاركة 30%، خصوصاً بعد إعلان «المفوضية العليا»، والمُشَكَّلة على أساس المحاصصة الطائفية والقومية، أنها أتلفت أكثر من ستة ملايين بطاقة انتخابية لم يتسلّمها أصحابها، وفق بعض المصادر، أو أنها مستعادة بعد استبدالها ببطاقات إلكترونية حديثة، ولكن هناك من يرى أن النسبة قد تفوق 40% بعد التحشيد الانتخابي الواسع النطاق، والذي تشهده مناطق الجنوب والوسط، حيث الحاضنة الاجتماعية والطائفية الأوسع للأحزاب الإسلامية الشيعية المهيمنة على الحكم.
مهما يكن من أمر، فإن نسبة ضئيلة، وبهذه الحدود، أو بما دونها، لا تُلزم، بحسب الدستور، إلغاء الانتخابات بسببها، لعدم وجود مادة دستورية تقضي بذلك. ولكن المقاطعين يقولون إنهم يريدون إلحاق هزيمة معنوية بالنظام وانتخاباته، وإفقاده الشرعية الشعبية كبداية لحراك شعبي جديد يستهدف التغيير الحقيقي.
إن أيّ قراءات دقيقة ومحايدة للمشهد السياسي العراقي خلال السنوات الأربع الماضية، مصحوبة باستذكار ممارسات وخطابات الكتل والأحزاب المساهمة في العملية السياسية، ونظام المحاصصة الطائفية والعرقية، ستقود بالضرورة إلى أن خريطة توزيع القوى والاصطفافات السياسية لن تخرج عن إطار التنافس بين خطين رئيسين أصبحا أكثر وضوحاً وهما: الأحزاب والشخصيات الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية، والمدعومة من قبلها بقوّة، ويأتي في مقدمة هذه القوى قائمة «النصر» بزعامة حيدر العبادي و«القرار العراقي» بقيادة أسامة النجيفي، وقائمة «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بقيادة مسعود البرزاني، وقد تلتحق بهم قائمة «الوطنية» بزعامة إياد علاوي. وفي مقابل هذه القوائم الانتخابية، وأخرى قد تلتحق بها في ما بعد، يقف تحالف «الفتح» الذي شكّلته عدة فصائل إسلامية شيعة تربطها بإيران علاقات أيديولوجية، وسياسية، ودينية قديمة، ويمتد بعض تلك العلاقات إلى ما قبل احتلال العراق، ومعها شخصيات سياسية تقليدية، ووزراء، ومسؤولين حكوميين سابقين. وبين هذين القطبين الرئيسين تتناثر قوى صغيرة ومتوسطة، لعل أكثرها أهمية ووزناً هي قائمة «سائرون» الممثلة لتحالف انتخابي جَمَعَ بين حزب مدعوم من «التيّار الصدري»، وشيوعيين، ومدنيين، وشخصيات من التكنوقراط المستقلين نسبياً عن الدولتين الأكثر تأثيراً في الوضع العراقي.
على صعيد التوقعات واستشراف النتائج، ورغم ميوعة وضبابية المشهد السياسي والانتخابي، وفي ضوء انعدام وجود البرامج الانتخابية الحقيقية والمفصّلة، يمكن أن نستشرف نتائج الانتخابات كالآتي:
*على صعيد القيادات، من المرجح أن يكون الخاسرون الكبار من الوجوه القديمة كنوري المالكي، ومسعود البرزاني، وأبناء جلال الطالباني، وعمّار الحكيم، وإياد علّاوي، وأسامة النجيفي. وقد يكون وضع الأخير غامضاً أو متأرجحاً. فسبب خسارة هؤلاء أن الانتخابات ستتخذ في عموم العراق، وفي «إقليم كردستان» خصوصاً، طابع «التصويت العقابي» بعد كارثة صعود «داعش»، وتداعياتها المأساوية وتجربة استفتاء البرزاني. وقد تخسر هذه الأطراف كقوائم وكزعماء نصف ما حصلت عليه في الانتخابات السابقة، وربما ما دون ذلك. ويمكن لنا أن نتوقع أن تحدَّ الماكينة الحزبية، والمال السياسي، والتزوير العميق، والتحشيد الطائفي، من هذه الخسائر المتوقعة إلى درجة ما، ولكنها لن تعكس الاتجاه نحو الحفاظ على المكتسبات السابقة أو الحصول على المزيد منها.
*ستتحول خسائر «الخاسرين الكبار» أعلاه إلى أرباح ومكاسب انتخابية للقوائم الجديدة، وخصوصاً: «النصر»، و«الفتح»، و«سائرون». وفي «الإقليم»: «التغيير»، و«الجيل الجديد»، والإسلاميون الكرد،؛ وليس هناك معلومات واضحة ورصينة عن وضع القوائم الجديدة للعرب السُنّة في المنطقة الغربية، ومحافظات صلاح الدين، ونينوى، وديالى. فالوضع هلامي وغامض تماماً، وهناك توقعات بأن المشاركة ستكون في أدنى نسبة لها في هذه المناطق.
*ستكون نسبة المشاركة منخفضة في عموم العراق، ولكنها قد تتجاوز خط 40% بصعوبة، وقد ترتفع أكثر بفعل التزوير، والتدخل الخارجي غير المشروع.
*هذه التوقعات تفترض افتراضاً شبه مستحيل، يقول بنسبة تزوير منخفضة وعدم حدوث مفاجآت سياسية وأمنية من الوزن الثقيل، خلال فترة الدعاية الانتخابية حتى بدء ساعات «الصيام الإعلامي الانتخابي»، وعدم التلاعب بالمنظومة الرقمية الانتخابية، خصوصاً بوجود اللجنة السداسية الأميركية في بغداد.
اتجاهات التصويت والفعالية الانتخابية
ستكون الاتجاهات الانتخابية محكومة بالثبات النسبي، أي إنها ستكون طائفية، وفئوية، وقومية، وإلى درجة أقل حزبية، كما كانت في الدورات السابقة. حيث سيصوّت جمهور كل طائفة لأحزاب الطائفة وقوائمها، وربما ستكون تلك الاتجاهات في التصويت ذات تركيز طائفي أكبر، نظراً إلى انعدام القوائم الكبيرة العابرة للطائفية، وتفكك قوائم الطائفة الواحدة بهدف جمع أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية لكل طائفة على حدة. وقد تحدث اختراقات معينة، خصوصاً لمصلحة قائمة «سائرون»، وقائمة «النصر» التي ستحصل على فائض أصوات غير متوقع من المناطق الغربية، وصلاح الدين، ونينوى، إذا صدقت بعض الإحصائيات الغربية التي تتحدث عن نسبة تأييد تصل إلى 51% للعبادي. وقد تكون هذه الإحصائيات مجرد تسويق أمريكي لقائمة العبادي ليس إلا. وقد تحصل قائمة «نصر» على مكاسب معينة حتى في مناطق «الإقليم»، حيث نزلت القائمة بقوّة في مدن كردية مهمة. وإذا صح ذلك، فمردّه إلى سببين: الأول، هو الإغراء المتمثل في كون رئيس قائمة «النصر» هو رئيس الوزراء الحالي، وما يشكله ذلك من حافز أو إغراء قاعدي مهم للكتلة الناخبة المعنية، أو أجزاء واسعة منها داخل وخارج الطائفة الأكبر. أما الثاني، فهو نزول قائمة انتخابية مهمة للفصائل التي تحسب نفسها على مشروع أو إنجازات «الحشد الشعبي»، وتسعى للوصول إلى مركز القرار والحكم، وهذا ما يثير ذعر الجمهور الانتخابي النمطي في نينوى، وصلاح الدين، والأنبار، ومحافظات «الإقليم».
إن التأثيرات الخارجية المحتملة، والتي رُصِدَت إشارات قوية لها، تكاد تنحصر في دولتين، هما الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى عمليات دعم مالي وسياسي من دول أخرى كالسعودية، والإمارات، وقطر للقوائم العربية السُنّية. وقد تأكد بالملموس أن هناك حالة من التوافق غير المعلن عنها بين واشنطن وطهران على ضرورة الإبقاء على النظام السياسي العراقي القائم. هذا التوافق الذي يمكن تلخيصه بعبارة «لقاء المصالح بين الخصمين» تجسّد واضحاً خلال الاعتصام البرلماني الواسع، الذي حدث في نيسان سنة 2016، واستهدف التوزيع الطائفي للرئاسات العراقية الثلاث، حيث تدخل السفيران الأمريكي والإيراني بقوة، وكُلٌّ بطريقته الخاصة، بهدف إفشال وإنهاء الاعتصام، وهو ما حدث فعلاً.
ومن اللافت أيضاً أن يسود صمت من جميع الأطراف حيال وجود لجنة خبراء أمريكية مقرّها في بغداد، قيل إنها ستشرف على الانتخابات، ويبدو أن هذا الصمت حتى من قبل الأمريكيين، الذين اكتفوا قبل شهرين تقريباً بالإعلان عن وجود هذه اللجنة ثم سكتوا. يبدو أن هذا الصمت محسوب سياسياً وإعلامياً حتى لا يتحول الموضوع إلى قضية رأي عام لها تأثير سيّئ، وهي كذلك فعلاً حتى مع هذا الصمت.
قلنا إن الغموض يلف وضع القوائم العربية السُنّية، وذلك بسبب التشظي والتفتت والتنقلات الكثيرة والمفاجئة، وغياب القيادات ذات الكاريزما والبرنامج الوطني الجذري، وتكرار ترشيح الوجوه القديمة الفاسدة. صحيح أن هذه المظاهر والعلل موجودة في جميع القوائم الأخرى، ولكنها هنا تكتسب وجوداً أكثر وضوحاً وقوّة.
إن المشاركة في هذه الانتخابات أو في أي انتخابات لا معنى لها، ولا جدوى منها، طالما استمر هذا النظام قائماً، وعملية الانتخاب جارية على نفس الأسس والركائز، و«المفوضية الانتخابية» مشكّلة على أساس المحاصصة الطائفية، وطالما استمر غياب أيّ قائمة انتخابية تعلن برنامجاً ديموقراطياً استقلالياً حقيقياً، يدعو ويعمل على إقامة نظام المواطنة، والمساواة، وتحرير العراق من الهيمنة الأجنبية بشكل كامل.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/05/14