آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

احترموا عقولنا ياوزير العمل والشورى

 

 طراد بن سعيد العمري

 

خرج علينا وزير العمل من على منصة مجلس الشورى في جلسة علنية أشبه بالمسرحية، لكي يردد أرقام وإحصائيات ونسب ويدعي إنجازات، وهو أول من يعلم أنها مضللة، مثل ما فعل وزير العمل السلف. فالأرقام والنسب والإحصائيات الرسمية غير دقيقة مطلقاً؛ والتوطين من سيء إلى أسوأ؛ وعمل المرأة يستحق الرثاء والبكاء والشفقة؛ والاستقدام موكول إلى “شريطية” يعبثون بالمواطن والوطن؛ والعمالة الوافدة باتت الرقم السهل/الممتنع في معادلة الإقتصاد السعودي؛ وصندوق تنمية الموارد البشرية فشل في كافة برامجه ومبادراته بدون استثناء؛ وبرنامج نطاقات أضر بصاحب العمل والعامل على حد سواء. والقطاع الخاص أو “الدكاكنجية” فيه يتحكمون في إقتصادنا الهش بسبب ضعف وزارة العمل. كل ما سبق وغيره معلوم ومفهوم لدى معالي الوزير، ونعلم علم اليقين أنه لا يستطيع تبديلة أو تحويله أو تغييره، ولكن ما نريده من الوزير والمجلس أن يحترموا عقولنا فقط.

 

أولاً، يجب أن نعرّف مصطلحين لطالما استخدمناها في التعليق على وزارة العمل أو مسئوليها: (١) مصطلح التضليل، وهو الإتيان بمعلومة قد تكون صحيحة ولكنها ليست دقيقة، فقد تكون قديمة ويؤتى بها بشكل انتقائي أو تلفيقي لإيهام المستمع أو المتلقي بوجهة نظر المتحدث. وفي حالة بعض وزرائنا هو محاولة إثبات التقدم والنجاح وأن الأمور من حسن إلى أحسن، يعني “كله تمام يا أفندم”، حسب التعبير المصري؛ (٢) مصطلح العبث، وهو كل عمل استغرق جهد أو وقت أو مال، أو كلها جميعاً، لكن لم يحقق ذلك العمل النتائج المرجوة أو المتوقعة أو المطلوبة. والعبث يمكن أن يترادف مع “الهدر”، والبعض يسميه “فساد”، ولكننا نشير إلى العبث، أما الفساد فيحتاج إلى تحقيق وأدلة من جهات معنية لإثباته.

 

ثانياً، يعرف وزير العمل أن حضوره في مجلس الشورى لن يضره في شيء، فلا المجلس أو أعضاءه لديهم الصلاحية بطرح الثقة عن أي وزير في حال المسائلة التي يطلق عليها في البرلمانات “لاستجواب”، ولذا نجد أن الأعضاء مصابون بالإحباط عند زيارة أي وزير. فزيارة الوزير لمجلس الشورى هي نوع من النشاط الذي يشبه النشاطات اللامنهجية أو الصحف الجدارية التي يقوم بها الطلبة في المدارس الإبتدائية والمتوسطة، لا تؤدي إلى نجاح الطالب أو رسوبه بل  هي نوع من العلاقات العامة بين الطالب والمدرسين أو إدارة المدرسة، قد تؤدي أحياناً إلى غض الطرف عن بعض تجاوزات الطالب، لكنها لا تضر. المضحك والمبكي في آن واحد، أن مجلس الشورى ذاته هو السبب خلف تردي ممارسات وزارة العمل، وكمثال على ذلك، يناقش المجلس المادة (٧٧) التي تنسف الاستقرار الوظيفي، بالرغم من أن المادة مرت على المجلس وأقر التعديلات. فهل القضية تمثيلية يراد بها رفع مصداقية المجلس؟

 

ثالثاً، نشرت صحيفة “المدينة” في العدد الصادر يوم الأربعاء ١٦ / ١ / ٢٠١٦م التالي: “كشف تقرير حديث لوزارة العمل حصلت «المدينة» على نسخة منه عن وجود نحو 298 ألف امرأة سعودية مسجلات في 6 قطاعات لايعمل بها نساء. وكشف التقرير عن وجود نحو 120 ألف حالة مسجلة في قطاع التشييد والبناء، بالرغم أن هذا القطاع لايعمل به نساء حتى الآن، أما في مجال الزراعة والغابات والصيد البري والأسماك فقد وصل عدد السعوديات إلى 4351، وفي مجال المناجم واستخراج البترول والغاز والمحاجر فقد بلغ عدد السعوديات 2259، وفي مجال الصناعات التحويلية وصل عدد السعوديات إلى 40663، وفي تجارة الجملة والتجزئة وصل عدد السعوديات إلى 122302، وفي مجال النقل والتخزين والمواصلات، وصل عدد السعوديات إلى 9365.” انتهى الاقتباس. فإذا كان وزير العمل يدّعي بشيء من الزهو والفخر أمام مجلس الشورى “أن عدد  العاملات السعوديات في القطاع الخاص وصل إلى نحو 477 ألف موظفة بنهاية الربع الثالث من عام 2015م.” فنقول له أعد الحسبة يامعالي الوزير، لأن (٦٢،٤٧٪) من التوظيف النسائي كان وهمياً، ولو دققت أكثر لوجدت أن (٧٥٪) من كامل التوظيف وهمياً أيضاً.

 

رابعاً، لازال وزير العمل يتحدث بشيء من الفخر عن برنامج “نطاقات”، كما تفشخر وزير العمل السابق، إذ يدرك الوزير الحالي أن “نطاقات” هو أسوأ برنامج للتوطين. إذ يقوم مفهوم “نطاقات” على تصنيف المنشئات بحسب الحجم والنشاط وهو مؤشر شفاف، بعض الشيء، ولكنه أساء إلى التوطين أيما إساءة. فالبرنامج (١) يعتمد على النسبة في التوطين، مما يجعل التوطين في قاع الهرم للهيكل الإداري للمنشآت. بمعنى أخر، مهن متواضعة وأجور زهيدة، ولذا جاءت الإحصائيات صادمة فـ (٥٥٪) من السعوديين العاملين في القطاع الخاص لا تتجاوز مرتباتهم (٣٤٩٩) ريال فقط. (٢) يرتبط “نطاقات” ببيانات التأمينات الإجتماعية، بحجة التثبت من التوطين، مما حفز على التوظيف الوهمي، بحيث أن المنشأة التي تدفع التأمينات يفترض أنها حققت السعودة المطلوبة، بدليل ماذكره الوزير في المجلس بأن عدد المخالفات وصل إلى (٧٣) ألف مخالفة من أصل (١٤٨) ألف زيارة تفتيشية، أي بنسبة (٤٩،٣٢٪). (٣) يقوم برنامج “نطاقات” بتحفيز المنشآت عن طريق تيسير استقدام العمالة، أما نقلها من منشأة إلى أخرى من دون موافقة الكفيل، أو في الأغلب إصدار تأشيرات جديدة، ما جعل العامل الوافد هو “الجزرة” التي يلهث خلفها صاحب المنشأة. مما أربك سوق العمل وزاد من تشوهاته.

 

خامساً، يحاول وزير العمل أن ينافح ويدافع عن تعديل نظام العمل الجديد وخصوصاً المادة (٧٧) “سيئة الذكر”، التي تعطي صاحب العمل الحق في فصل الموظف من دون سبب مشروع. إذ يقول الوزير: “لن نسمح لأي منشأة باستغلال المادة لفصل الموظف السعودي.” حسناً، لنراجع المادة لكي نرى ماذا بيد معالي الوزير أو الوزارة فعله تجاه مادة مررتها الوزارة لصالح صاحب العمل. تقول المادة بالنص: “مالم يتضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع، يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضاً على النحو الآتي: (١) أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة. (٢) أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة. (٣) يجب أن لا يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (١) و (٢) من هذه المادة عن أجر العمل لمدة شهرين.” هنا نطرح التالي: أولاً، هل لاحظتم أي إشارة في المادة تجبر صاحب العمل على الرجوع للوزير أو الوزارة قبل الفصل؟ ثانياً، معظم عقود العمل للسعوديين هي “غير محددة المدة”، وتحديد المدة هي للعمالة الوافدة لارتباطها بالإقامة. ثالثاً، يشترط صندوق تنمية الموارد البشرية أن يكون العقد “غير محدد المدة” للموافقة والحصول على الدعم.

 

سادساً، مر الاستقدام مرور الكرام في “سواليف” الوزير مع مجلس الشورى، بالرغم من المعاناة الحقيقية التي يعانيها الجميع من الاستقدام وخصوصاً في شأن العمالة المنزلية. لم يستطع وزير العمل أو وزارته من فعل شيء يُحد من جشع وابتزاز وعبث مكاتب وشركات الاستقدام. تم توقيع اتفاقيات لم تلتزم بها الدول المصدرة للعمالة، وتم سن أنظمة وقوانين لتحديد الكلفة والمدة ولم تطبقها المكاتب، كل ذلك وسوق العمالة السوداء تتنامى يوماً بعد يوم. كل ما تتفاخر به وزارة العمل في هذا الشأن أنها منحت (٤٩) ترخيصاً جديداً لاستقدام العمالة وسترتفع لقرابة (٢٠٠) بالإضافة إلى (٣٣٨) مكتب استقدام حالياً، بحجة أن ذلك سيخفض الأسعار وسيخلق تنافسية في السوق، الذي حدث وسيحدث أن ذلك سيخنق المواطن وسيتنافس “شريطية” الاستقدام الجدد والقدامى على ذلك. فهل يعني أن تفتتح “سوبر ماركت” (١٠٠٠) فرع لها تخفيض للأسعار؟ لم يفيدنا الوزير عن (٨٦) ألف عاملة منزلية هاربة في عام واحد بكلفة لا تقل عن (٨٦٠) مليون ريال، وقرابة (٥٣٠) ألف عامل وافد متغيبون في الداخل والخارج في عام واحد بكلفة لا تقل عن (٢،٦٥٠) مليون ريال. فهل تم تعويضهم، ومن المسئول، وماهو دور وزارة العمل، أليس ذلك مدعاة لإعادة هيكلة ملف الاستقدام برمته؟

 

سابعاً، صندوق تنمية الموارد البشرية حكاية أليمة من التضليل والعبث كانت ولا زالت بسبب: سوء المعرفة؛ وسوء الإدارة؛ وسوء التقدير. يعمل الصندوق على أكثر من (١٣) برنامج، وبالرغم من هزالة نتائجها إلا أن جميعها فشلت تقريباً. فلا يوجد هناك آلية محايدة ومستقلة في المراقبة وتقييم البرامج بشكل نصف سنوي، أو إصدار تقارير واضحة لتقييم نشاطات الصندوق نسبة إلى الإنفاق العالي الذي أقرب وصف له هو “العبث”. يتلقى الصندوق بعض الملاحظات من مجلس الشورى أو “نزاهة”، فيُسخِرُ تلك الملاحظات بدهاء ومكر لمزيد من العبث. فقد سبق وأن انتقد مجلس الشورى سوء إدارة الصندوق لاستثمار مداخيله العالية، التي ذكرت بعض التقارير أنها تتعدى (١٥) ألف مليون ريال سنوياً، فإذا بالصندوق ينطلق في تأسيس شركات قابضة تلد شركات متعددة في حمى يقال أنها استثمارية، فأصبحت عبثية. يضاف إلى ذلك الكلفة الخيالية لمشاريع الصندوق التقنية، ولا رقيب ولا حسيب.

 

ثامناً، نقول لمجلس الشورى وأعضاءه الكرام أن هذه التمثيلية مع وزير العمل لم ولن تنطلي على المواطن. فلو قامت لجنة الموارد البشرية في المجلس بالتركيز على سؤال واحد فقط لمعالي وزير العمل: ماهو حال “إستراتيجية التوظيف السعودية” التي ناقشها مجلس الشورى وتم اعتمادها بقرار من مجلس الوزراء في ٥ / ٨ / ١٤٣٠هـ، ولماذا لم تلتزم الوزارة بها؟ وإذا أخذنا في الاعتبار عام واحد تحضيري، فإن من المفترض ونحن في العام ١٤٣٧هـ أن ينخفض معدل البطالة. فالهدف الأول: هدف قصير المدى السيطرة على البطالة ومدته (سنتان)؛ الهدف الثاني: هدف متوسط المدى لتخفيض معدل البطالة ومدته (ثلاث سنوات). ولكن، لم يتم السيطرة على البطالة، ولم تنخفض، بل زادت باعتراف الوزير ذاته. المهم أن السؤال لم يطرح، ولو تم طرحه فلن يجيب معالي الوزير، لكنني سأتبرع بالإجابة. الإستراتيجية أعدها وزير العمل الأسبق، غازي القصيبي، ثم جاء وزير العمل السابق، وزير الإقتصاد والتخطيط الحالي، فوضعها على الرف كعادة كل وزير جديد، “يجب ما قبله”، وأتى بنطاقات وألوانها الزاهية: البلاتيني الأخضر والأصفر والأحمر. بالمناسبة، يقال أن طلاء الأظافر الذي تستخدمه المرأة تم اختراعه في الأصل لإخفاء المنظر السيء تحت الأظافر. والطاووس أيضاً، يقال أنه يخفي قبح قدميه بإظهار ألوان ريشه الزاهية.

 

أخيراً، أنا شخصياً لا ألوم وزير العمل الحالي على سوء نتائج وزارة العمل لأنه تحمّل تركة ثقيلة ومعقدة، ولا ألوم مجلس الشورى أو أي من أعضائه على المقابلة و “السواليف” لأربع ساعات لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لكننا نقول لهم “إذا بُلِيتُم فاستتروا”، ففي ذلك احتراماً لعقولنا، ونذكرهم جميعاً، وزير وأعضاء، أنهم أقسموا أمام الله والملك والشعب “أن يؤدوا أعمالهم بالأمانة والصدق والإخلاص”، يضاف إلى ذلك “العدل” لأعضاء المجلس. ختاماً، نتساءل: ألا يقض هذا القسم مضاجعكم؟ حفظ الله الوطن.

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/01/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد