بدلاً من أن تشاركوا في العقوبات ضدّ المقاومة عاقبوا الذين دمّروا فلسطين
اياد موصللي
بدأت المسألة الفلسطينية عام 1918 عندما وافق شريف مكة وابنه فيصل على مجيء اليهود إلى فلسطين.. ونشأت الدولة الإسرائيلية في 17 أيار 1948..
هذا هو موجز تاريخي لما حصل.. نمرّ عليه كلما جاءت الذكرى وتجدّد الندب نقف لنستعيد مراحل المؤامرة وأبطالها وأدوارهم..
منذ بدأت هذه القضية لم يهبّ من أجلها أحد سوى أبناء سورية الطبيعية في الشام والعراق ولبنان وفلسطين. وحدهم تصدّوا لهذه الهجمة وجابهوها سياسة وقتالاً. أما أهل الخليج فأدوارهم كانت ولا تزال السمسرة والممالأة، وما قاله فيهم الشاعر نزار قباني هو ما يوصفون به..
«لا تنتظر من عرب اليوم سوى الكلام لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام.. إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب فحربهم إشاعة وسيفهم خشب وعشقهم خيانة ووعدهم كذب.. إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب فكلها فجور وقلة أدب.. لا تستغيث بمأرب ووائل أو تغلب فليس في معاجم الأقوام قوم اسمهم عرب…»
في الذكرى المئوية للمسألة الفلسطينية والأطماع اليهودية في أرضنا، والذكرى السبعين لنشوء دولة «إسرائيل» الصهيونية نستعيد صور التاريخ عارية.. فلا نجد تبايناً بين مواقف الأعراب من هذه المسألة في ذلك الوقت وهذا الوقت وما نسمعه اليوم ونشاهده من أحفادهم هو نفس ما شاهدناه قبلاً من آبائهم وأبنائهم..
من سمع أو قرأ تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وملك البحرين وشيخ الإمارات عن العلاقة مع «إسرائيل» ومن شاهد وسمع عن الزيارات المتبادلة واللقاءات الحميمة تصيبه خيبة أمل مع أنّ الموضوع هو تكرار وتجديد لمواقف سابقة ولتفكير لم يتغيّر.. ليس الأمر جديداً، فهذا هو موقفهم من الشريف حسين وأبنائه وأحفاده إلى حكام اليوم من الأعراب..
خارج نطاق شعبنا وقومنا وأبناء أمتنا من الباذلين المضحّين المجاهدين في سبيل فلسطين لا تجد شخصاً واحداً منهم او من محيطهم.
شاركت بحرب فلسطين عام 1948 وشاهدت معظم ما جرى لم يكن بين المقاتلين شخص واحد من الجزيرة العربية لا جيشاً ولا متطوّعين والأسماء التي برزت في ساحات القتال تعكس هذا الواقع. فقائد قوات جيش الإنقاذ هو فوزي القاوقجي المجاهد العريق لبناني من طرابلس، وقائد الأفواج المقاتلة كان أديب الشنكلي ضابط في الجيش السوري وتحت أمرته ضباط أبرزهم هشام العظم صلاح الشيشكلي منير الملازي عفيف البزري وعشرات الضباط من لبنان والأردن يقودون المتطوّعين من أبناء البلاد في شتى تنوّعها من سياسيين وعامة.. كأكرم الحوراني وخليل كلاس ونعيم مغبغب وعبد السلام عجيلي.. وشكيب وهّاب والضابط شوكت شقير.. وبرز أبطال أمثال غسان جديد وفؤاد جديد وإحسان كم الماظ.. عناوين للسخاء والعطاء وقادة كبار من العراق والأردن وفلسطين أمثال طه الهاشمي وعبدالله التل وعبد القادر الحسيني. كثيرون هم أبناء بلادنا من قاتلوا وحاربوا ولكن الخيانات بدّدت جهودهم وسهلت تنفيذ المؤامرة التي حققت أهدافها.. وبدأ الفصل الجديد وبنفس الأسلوب..
فما يصرّح به اليوم ولي العهد السعودي وملك البحرين وحاكم الإمارات هو تكرار لما سبق أن فعله آباؤهم وكبارهم..
ولنقرأ ما كتبه القائد العراقي البارز طه باشا الهاشمي مفتش عام جيش الإنقاذ الذي كتب في جريدة «الزمان» في 15 أيار 1952 فقال:
إنّ القوات العربية لم تحارب بالمعنى الصحيح حتى يُقال إنها خسرت المعركة. وإذا كانت النتيجة بعد القتال الذي جرى بين العرب واليهود أنّ هؤلاء نجحوا في تأسيس دولتهم فإنّ مردّ ذلك في نظري إلى أسباب سياسية وليس عسكرية. من المعلوم عندما تبدأ الحرب يترك القلم شأنه للسيف، وبمعنى آخر تنتهي سياسة القول والكتابة وتبدأ سياسة السيف والمدفع وتصبح السياسة خاضعة للأغراض العسكرية. والتاريخ مملوء بأمثلة تدلّ على أنّ السياسة حينما تتدخل في توجيه القتال في الحروب يخسر الجيش المعركة. وعلى الرغم من أنّ الجيوش العربية لم تشترك في قتال فلسطين بقوات كافية فإنها لو استخدمت الأغراض العسكرية البحت من دون أن تصبح الأغراض السياسية هي المسيطرة لكانت تلك القوات على قلّتها قد حالت دون تأسيس تلك الدولة، ولم يحدث في الحروب التي نشبت أن تخضع الجيوش لغير قيادة عامة تديرها حسب الخطة الحربية، بينما كانت حركة القوات العربية في حرب فلسطين تجري من دون قيادة موجودة وتتحرك من دون الاستناد إلى خطة حربية.
ولنقرأ ما كتبه القائد العسكري الأردني عبدالله التل قائد منطقة القدس أثناء الحرب في مؤلفه «كارثة فلسطين» قال:
اجتمع الملك عبدالله ووزير خارجية إسرائيل «شرتوك» في نيسان 1948 بعد قرار الزحف الرسمي العربي وتوافق معه على قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه. وأنّ غولدا مائير التي تولت وزارة الخارجية في ما بعد زارت الملك عبدالله ليلة 11/12/1948 وتحدّثت معه في ما اعتزمت عليه الدول العربية من الزحف على فلسطين وذكّرته بما بينه وبين شرتوك، من اتفاق وعرضت عليه استعداد «إسرائيل» للاعتراف بضم القسم العربي إلى تاجه مقابل عدم اشتراك جيشه الذي كان أقوى الجيوش التي زحفت وأكثرها عدداً في الزحف، وانّ الملك اعتذر عن عدم الزحف لأنّ في ذلك خروجاً على الإجماع العربي، ولكنه تعهّد بأن لا يحارب الجيش الأردني ضدّ اليهود! وان يقف عند الحدود التي رسمها التقسيم .
ولم يكن هذا موقفاً شخصياً ناشئاً عن مطامع شخصية للملك عبدالله تغلبت على المصلحة القومية العليا وإنما هو موقف وسياسة لقادة وسياسيي ذلك الظرف.
وإذا عدنا لسجل ما جرى في اجتماع اللجنة السياسية للجامعة العربية الذي انعقد في عاليه لبنان في تشرين أول 1947 وقرأنا ما قاله النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية فتصبح صورة المؤامرة أوضح.
يكفي أن نذكر أنّ النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية سجل في اجتماع اللجنة السياسية في دورة الجامعة العربية الذي انعقد في عالية بلبنان في تشرين أول 1947، تحفظه على موضوع الاشتباك المسلح فقال: «أني أريد أن يكون معلوماً من الجميع أنّ مصر إذا كانت توافق على الاشتراك في هذه المظاهرة العسكرية… مظاهرة يا ما شاء الله فإنها غير مستعدة قط للمضي أكثر من ذلك. وتفسير هذا أنّ مصر توافق على الحشد العسكري على الحدود ولكنها ترفض الاشتراك في حرب فعلية…
هذه هي قياداتنا، ممثلون بارعون على مسرح أحداث أمتنا، وهكذا يقرّرون أمورها المصيرية، صحيح أنّ الأمور تغيّرت ودخلت مصر الحرب رفعاً للعتب لا تعبيراً عن الغضب ووقعت الهدنة منفردة مع اليهود في شباط 1949.
واليوم نطابق مواقف قادة هذا الزمن بأمثالهم ممن يترابطون في القربى والانتماء دماً وأرضاً نجد أنّ ما يحصل هو تكرار مبرمج لما حصل في المرحلة السابقة.. السابقون قتلوا القتيل ومشوا في جنازته كما يقول المثل والحاليون يهيّئون الكفن والجنازة تحضيراً لدفنه..
ما أشبه اليوم بالأمس، أليس ما يجري الآن في غزة والمدن الفلسطينية اليوم أكثر عاراً مما جرى عام 1948. وما هو وجه الاختلاف بين نظام الملك فاروق ونظام رئيس الجمهورية المصرية السابق حسني مبارك؟ اللهم إلا أنّ فاروق كان أكثر خجلاً وحياء. فمبارك ضخ الغاز المصري لـ»إسرائيل» 40 من الإنتاج وبسعر أدنى من سعر بيعه في مصر وأدنى من السعر العالمي وتولى حصار غزة ومنع دخول الأدوية والأغذية والحاجات الحياتية إليها وأراح «إسرائيل» ورفع العبء عنها. وإلا فما الفرق بين كوفية حمد البحرين وكوفية الحمديْن القطريين وكلاهما متشابهان يحكمان بلدين مساحتهما كرغيف خبز تنور ويؤدّيان نفس الدور.
فما ظهر اليوم من مواقف سعودية وخليجية سبق أن عبّر عن هذه النوايا أمير قطر الشيخ سلمان بن خليفة قبل أن يطيح به ابنه ففي نهايات عام 1990 اكتشفت أجهزة الاتصالات العراقية مكالمة هاتفية بين الشيخ سلمان والملك فهد وفيها يقول سلمان لفهد… «نريد أن نضع حداً وننتهي من هذه القضية، صدام حسين حامل فلسطين وشاغلنا فيها علينا أن ننتهي منه ومن هذه القضية كفى…» رسالة طويلة كشفت المكشوف من مواقفهم وكما أشرنا في مكان آخر وأبان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 غضب الملك عبدالله، ملك السعودية من المقاومة اللبنانية وقال «هذه مغامرة غير مقبولة» فردّ عليه الرئيس بشار الأسد مدافعا عن المقاومة: «يا أشباه الرجال».
فهذه المرحلة في مفهومهم هي المرحلة النهائية من أدوار الخيانة والعمالة السعودية والخليجية..
وتجري خطوات تطبيعية في البحرين، وتيرة هذه الخطوات تتسارع في الآونة الأخيرة، آخرها زيارة وفد يقوده حاخام أميركي يُدعى مارك شناير المروّج للتطبيع بين «إسرائيل» ودول الخليج تحت غطاء التسامح الديني، زيارة تلاها إعلان الملك البحريني إنشاء مركز للتعايش السلمي يضمّ أعضاءً من هذا الوفد. وفي المرحلة المقبلة سنشهد إعلاناً رسمياً بحرينياً لعلاقات دبلوماسية علنية مع «إسرائيل»؟
وأصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أمراً بإنشاء «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي» يضمّ أعضاء وفد التطبيع مع «إسرائيل» الذين زاروا الأراضي الفلسطينية المحتلّة قبل أشهر، حيث زار وفد رسمي من قبل ملك البحرين المسجد الأقصى في أواخر العام الماضي بصحبة شرطة الاحتلال الإسرائيلي بعد أيام من الإعلان الأميركي عن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل».
ولتلميع صورة المملكة البحرينية المُدانة دولياً لانتهاكها حقوق الإنسان ضدّ البحرينيين المطالبين بالديمقراطية تقوم الحكومة تحت غطاء «التسامح الديني» بخطوات توضع في إطار التطبيع مع «إسرائيل»، آخرها زيارة إلى «إسرائيل» ظهرت عبر وسائل إعلام «إسرائيلية» بتصريحات مستفزّة لمشاعر البحرينيّين خاصة، وللعرب المسلمين عموماً ومخالفة لمبادئ الشعب البحريني الذي لطالما دعم القضية الفلسطينية.
الوفد ضمّ 24 شخصاً ضمن ما يسمّى جمعية «هذه هي البحرين» التي شكّلها ملك البحرين وهي تحظى برعاية رسمية وتعنى بإشاعة «ثقافة السلام والتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة»، وتحمل الجمعية رسالة «سلام ومحبة من شعب البحرين إلى العالم»، وفق ما أعلنته في حفل انطلاقها الذي أُقيم في أيار الماضي.
أما الموقف السعودي فقد صرّح ولي العهد محمد بن سلمان «أنّ المملكة وإسرائيل تواجهان عدواً مشتركاً، لكن العلاقات بينهما لن تتمّ إقامتها إلا بعد السلام مع الفلسطينيين».
هذا العدو المشترك بنظره هو إيران التي أصبحت مصدر خوف ورعب لـ«إسرائيل»… والمثل يقول عدو عدوّي صديقي.. فيما لم يحدث بين إيران زمن الشاه الحليف لـ«إسرائيل» والسعودية ما يحدث اليوم. فما الذي تغيّر؟ زال الشاه حليف «إسرائيل» وجاء حكم معاد لها.
وفي مقابلة مع صحيفة «TIME» الأميركية، قال محمد بن سلمان، في ردّه على سؤال حول «مدى توافق مصالح السعودية مع مصالح «إسرائيل»: «حسنا، يبدو أنّ لدينا عدواً مشتركاً، ويبدو أنّ لدينا العديد من الأوجه المحتملة للتعاون الاقتصادي. لكن لا يمكن أن تكون لنا علاقة مع إسرائيل قبل حلّ قضية السلام مع الفلسطينيين، لأنّ كلا منهما له الحق في العيش والتعايش». ولأنه يريد السير في الطريق الذي سار عليه آباؤه وأجداده.
وعلى الرغم من غياب أيّ علاقات رسمية بين السعودية و»إسرائيل»، جرى في السنتين الماضيتين تقارب ملموس بينهما لا سيما على خلفية مواقفهما المتطابقة حول التهديد النابع من إيران، التي تعتبر بنظرهم أكبر دولة داعمة للإرهاب في الشرق الأوسط!! فمحاربة «إسرائيل» هي إرهاب..!
لكن السعودية مستمرة، حسب تصريحات كبار المسؤولين في المملكة، بالإصرار على ضرورة التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل بدء أيّ مفاوضات حول إقامة العلاقات بين السعودية و»إسرائيل». وهذا الذي يجري ويطبّق أليس أهمّ وأفعل من علاقات دبلوماسية بروتوكولية، أوَليست العقوبات التي تفرضها السعودية على المقاومة وحزب الله امتداداً للقرارات الأميركية و»الإسرائيلية»؟ وإلا ماذا فعل حزب الله للسعودية إلا كونه حليف إيران ضدّ «إسرائيل»… أوَليس كلّ هذا يعني علاقات وتعاوناً وتنسيقاً مع «إسرائيل»… لماذا لم تفرض عقوبات على «إسرائيل» التي دمّرت غزة وقتلت وجرحت الآلاف من أبنائها…؟
والسؤال الأهمّ في ذكرى النكبة ما هو الدور والموقف الخليجي والسعودي؟ ما هو الدعم الذي قدّم لأبناء فلسطين التي اختصرت بغزة؟ ما هي صلاة الغائب التي أقامتها السعودية على أرواح الشهداء الذين سقطوا في غزة…؟ وأين هو السيف الخشبي الذي أشهروه وهدّدوا به «إسرائيل» لوقف مذابحها وتدميرها لغزة والمدن الفلسطينية.. ودخولها إلى المسجد الأقصى…؟
إنْ لم يكن الموقف موقفاً عربياً فليكن موقفاً دينياً كما فعل مطران القدس في وقفة تأييد ودعم ورفض لقرار اعتبار القدس عاصمة لـ«إسرائيل».
ما هي العقوبات التي اتخذها الخليجيون بحق أميركا وإعلانها منح القدس بكاملها لـ«إسرائيل»…؟
لماذا سارعوا لاتخاذ عقوبات بحق ما سمّوه «ميليشيات حزب الله»…؟ اين اعتدى حزب الله عليهم؟ أم أنّ هذا القرار ينطبق عليه المثل: «صوت سيّده»…! كانت هنالك قرارات مقاطعة ضدّ «إسرائيل» تجرّم المتعاملين معها.. أين صارت هذه القرارات؟ الجواب هو معروف استبدلت بسفارات وتبادل زيارات وحركة تطبيع واعتراف بـ»حق إسرائيل» في كلّ ما قامت به وإغماض العيون ووصم الآذان عن كلّ ما يجري بحق الفلسطينيين في غزة وسواها.. ونسيان الأسرى والمعتقلين من النساء والأطفال والشيوخ..
نكرر وننبّه… عوا قضيتكم بكامل خطورتها وانه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود، وليس عاراً أن ننكب بل العار أن تحوّلنا النكبات من أمة قوية إلى أمة ضعيفة.. وهذا لن يحصل…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/05/23