آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
رفعت سيد أحمد
عن الكاتب :
كاتب ومفكر قومي من مصر. رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة. دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية من جامعة القاهرة – 1987. صدر له ثلاثون مؤلفاً وموسوعة عن الإسلام السياسي والصراع العربي الصهيوني

بعد حديث بن سلمان عن عبد الناصر والخميني: ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الصَهينة


رفعت سيد أحمد
 
نعني بـ"ثقافة المقاومة" لدى الأمّة العربية اليوم، تلك الثقافة التي تُعلي من قِيَم الاستنهاض والعزّة والمواجهة ، حين يحيق بالأمّة الخطر الذي يُهدّد وجودها، هي ثقافة تعني استنفار روح التحدّي لدى الشعب، لدى النخبة، لدى مؤسّسات المجتمع الأهلي، في مواجهة ثقافة أخرى للوهن، والاستسلام، يُطلَق عليها تارة اسم الواقعية، وأخرى اسم السلام ووقف العنف وأحياناً ثورات الربيع الملوّنة وغيرها!.

جويل يقول إن بن سلمان أخبره أن عبد الناصر والخُميني قاما بتدمير منطقة الشرق الأوسط

قبل أيام نشرت صحيفة "جوريزاليم بوست" الإسرائيلية، تصريحاً لرئيس وفد الإنجيليين الأميركيين جويل روزنبرغ، بعد اجتماعه مع وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان قال فيه إن بن سلمان أبلغهم أن هناك مَن يُخطّط لاغتياله. وأضاف جويل الذي يعيش في الكيان الصهيوني إن بن سلمان أخبره أن جمال عبد الناصر الرئيس المصري السابق، والخُميني قاما بتدمير منطقة الشرق الأوسط، وجاؤوا بالعديد من المشاكل إلى المملكة السعودية العربية. جدير بالذكر أن وليّ العهد السعودي، التقى الوفد الذي ضمّ القادة المسيحيين الإنجيليين بأميركا، وشارك في اللقاء عدد من الشخصيات المؤيّدة للكيان الصهيوني والساعية بقوّة لإقامة علاقات علنية بينه وبين السعودية.

كلام محمّد بن سلمان المُتّهم بقتل خاشقجي، ليس مُستغرباً منه أو من أيّ حاكم سعودي سابق أو لاحق، لأن كلاً من جمال عبدالناصر والإمام الخُميني رحمهما الله رحمة واسعة، أسّسا _ كل بطريقته ومنهجه _ لثقافة وسياسة مُغايرة لما قامت عليه مملكة آل سعود الوهّابية، هي ثقافة المقاومة، في حين أسّس آل سعود لثقافة الإرهاب والتكفير والتي يمثّل الكيان الصهيوني نموذجها الأوضح في تاريخنا المُعاصِر، وهي ثقافة تتناقض حتماً مع ثقافة البناء والثورة والعدل التي أتت بها ثورة يوليو 1952 بزعامة عبدالناصر، وثورة إيران الإسلامية بزعامة الإمام الرمز آية الله الخُميني 1979، إذن الأمر منطقي أن يكره آل سعود من الجدّ عبدالعزيز إلى الحفيد محمّد بن سلمان هكذا ثقافة، وطبيعي أيضاً أن ينعتونها بتلك الأوصاف الكريهة التي تفوّه بها هذا الأمير المُندفِع الذي لازالت يداه ملوّثتين بدم الخاشقجي وآلاف السوريين واليمنيين، وبمناسبة هذا التصريح المتوقّع من إبن سلمان دعونا نفتح قوساً أكبر للحديث عن هاتين الثقافتين في تاريخنا وواقعنا العربي الراهن، علّه حديث يفيد أمثال هذا الأمير ومَن لفّ لفّه من إعلاميي وسياسيي المنطقة.

بداية دعونا نقول إن أمتنا منذ بدء النشأة ومع صدامها التاريخي قبل أكثر من قرنين من الزمان مع المستعمر الأوروبي، وصولاً إلى الغزوة الصهيونية التي اكتملت بالنكبة عام 1948، وهي تعيش صراعاً بين مشروعين واضحي المعلم والهدف والوسيلة، وهما مشروع للنهضة يقوم على المقاومة كوسيلةٍ ، ومشروع للاحتلال والهيمنة ويقوم على التبعية  والإلحاق كوسيلةٍ أيضاً. هذا الفرز استمر حتى اليوم وجاء ما سُمّي زيفاً بالربيع العربي ليزيده وضوحاً وتأكيداً، إلا أن خلط القضايا والمفاهيم وتداخل الأدوار والأهداف مع الجهل المُركّب لدى قطاعات واسعة من النخبة، هو الذي أثار البلبلة وأعمى العيون العربية الجادّة عن رؤية الخندقين والمشروعين بوضوح، خاصة مع ظهور الإرهاب الداعشي الذي هو الوجه الآخر للإرهاب الصهيوني ولمشروع التبعية والاحتلال بالكامل، على أية حال  نحتاج اليوم (2018) إلى أن نؤكّد مُجدّداً على هذا الفرز الرأسي بين المشروعين، وبين الثقافتين اللتين يحملانها ونعني بهما تحديداً،  وسط هذا الهذيان الإعلامي والسياسي في عالمنا العربي والإسلامي والذي يمثل تصريح محمّد بن سلمان الأخير عن عبد الناصر والخميني، نموذجاً له:                                                   

 أولاً: بداية نعني بـ"ثقافة المقاومة" لدى الأمّة العربية اليوم، تلك الثقافة التي تُعلي من قِيَم الاستنهاض والعزّة والمواجهة ، حين يحيق بالأمّة الخطر الذي يُهدّد وجودها، هي ثقافة تعني استنفار روح التحدّي لدى الشعب، لدى النخبة، لدى مؤسّسات المجتمع الأهلي، في مواجهة ثقافة أخرى للوهن، والاستسلام، يُطلَق عليها تارة اسم الواقعية، وأخرى اسم السلام ووقف العنف وأحياناً ثورات الربيع الملوّنة وغيرها!.

في هذا الإطار كانت ثقافة المقاومة هي الأصل لدى شعوبنا العربية والإسلامية، وكانت  في مواجهة دائمة عبر القرون الماضية، تحديداً منذ صدر الإسلام إن أردنا الدقّة التاريخية، وهي كانت دائماً في حال دفاع شرعي عن النفس في مواجهة الغزوات الخارجية التي تريد احتلال العقل والعقيدة بعد احتلال الوطن ؛ والمُتأمّل للمحطات الرئيسة في مسيرة الـ 1400 عام الماضية سيكتشف أن الأمّة كانت في موقع الدفاع عن النفس ضدّ الهجمات القادمة من الغرب تريد افتراسها وتحطيم وجودها، وهي محطات بدأت بالتتار والمغول مروراً بالحروب الصليبية والاستعمار الغربي الحديث، انتهاء بالغزوة الصهيونية والتي بدأت أوائل القرن الماضي القرن العشرين) ولازالت قائمة لأكثر من مائة عام في تحالف مصلحي عدواني مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة، عبر هذه (المواجهات) التي وصلت إلى قرابة العشرة قرون ، تشكّلت لدى الأمّة تلك الثقافة المُمانِعة ، ثقافة المقاومة ، والتي كان عمودها الفقري "الإسلام"، ديناً وقِيَماً وحضارة، لقد أضحى الإسلام هو الجامِع لهذه الثقافة ، ولهذا الوجود العربي – الإسلامي، وهو الذي أعطى الروح لهذه الأمّة، فنهضت وانتشرت وقاومت وانتصرت، طبعاً نقصد هنا بالإسلام الإسلام المُحمدّي الأصيل والمقاوِم وليس إسلام السلاطين وملوك التكفير أمثال آل سعود والدواعش!.

ثانياً: في مواجهة هذه الثقافة: ثقافة المقاومة، كان هناك دائماً، ثقافة أخرى تدعو إلى الوَهن وإلى القعود أو إلى الإرهاب المُسلّح باسم الدين بديلاً عن الجهاد الحقيقي، وهي ثقافة كان يتولّى دفّتها بعض الحكّام التابعين للآخر المهاجِم، وبعض المُثقّفين والسياسيين والدُعاة الذين ربطوا مصالحهم ومصيرهم وحياتهم بعجلة العدو الخارجي، وهم لذلك أنشأوا له في قلوبهم وضمائرهم، قبل أن ينشئوا في بلادهم، مكاناً رحباً ليقيم فيه، ويتوغّل، باسم الواقعية تارة أو السلام والحوار أو الثورات الملوّنة .. تارة أخرى، وما رُعاة القاعدة وداعش ومن شابههم ممّن سمّوا زيفاً بثوار الربيع العربي من حكّام بعض البلاد النفطية إلا مثالاً حياً لذلك، وهؤلاء لا يظهرون عادة في أوقات المحن وضعف الأمّة وغياب القيادات القادرة على المواجهة والجهاد الصحيح.

ثالثاً: ثقافتان إذن في مواجهة بعضهما البعض، كانا هما ملخّص المشهد التاريخى لأمّتنا عبر الـ 1400 عام الماضية: ثقافة المقاومة وثقافة الوهن، دارت حولهما ومن خلالهما المعارك، وتعدّدت الأسماء واللافتات، وفقاً لكل عصر، ولكنهما ظلّتا ثابتتين: فدائماً كان هناك، وسيظلّ حزب الله وحزب الشيطان، الأول يرفع لواء المقاومة والجهاد، والثاني يرفع لواء الوَهن والقعود والاستسلام.

ذلك كان هو المشهد، والمعادلة عبر التاريخ، وهي ذاتها اليوم 2018، ربما مع اختلاف الأسماء واللافتات، ولكن المضمون واحد، وإذا ما تأمّلنا ما جرى ولايزال يجري في سوريا وفلسطين – تحديداً – سنلحظ هذا الفرز والصراع، مهما تعدّدت واختلفت أشكال ولافتات التعبير. إن المشروعين والثقافتين تتصارعان هناك وبوضوح كامل، ولا يحق لصاحب موقف وعقل شريف أن يختلط عليه الأمر بشأنهما، فهذا هو مشروع وثقافة المقاومة بكل مكوّناته وتعبيراته يتصارع مع مشروع ومحور وثقافة الصَهينة، والتي قد تغيّر من اسمها فتسميه داعش أو معسكر الاعتدال.. أو محمّد بن سلمان وحداثته الملوّثة بالدماء وبالتصريحات الحمقاء ضد القادة العظام في هذه الأمّة.

أمام هذا المشهد لا ينبغي لمَن يفهم ويؤمن بعدالة قضايا أمّته أن يتردّد في اختيار الخندق الصحيح وأن يدافع ببسالة عنه، والله أعلم..

لصالح موقع "الميادين نت"

أضيف بتاريخ :2018/11/16