هل تلعب أوروبا دورا مستقلا أو مساندا لأميركا تجاه ايران؟
صالح القزويني
ربما ما كنت لأطرح هذا السؤال لو لم يتزامن التصعيد الأوروبي ضد إيران مع التصعيد الأمريكي، مما يشير إلى وجود علاقة (قد لا تكون ممنهجة ومنسقة) بين التصعيدين اللذان يسعيان الى تحقيق هدف واحد وهو إرغام إيران على التخلي عن سياساتها الإقليمية حتى لو كانت الدوافع والأسباب مختلفة.تتوجت اتهامات الدنمارك وهولندا وفرنسا لطهران بالوقوف وراء مطاردة معارضين إيرانيين على أراضيها، بقرار للاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على وزارة الأمن الإيرانية؛ الأمر الذي دفع طهران الى اتخاذ رد فعل عنيف ضد القرار الأوروبي.
فوفقا لمصدر دبلوماسي إيراني فان سفراء وقائمين بأعمال ستة سفارات أوروبية في طهران زاروا الثلاثاء مبنى وزارة الخارجية الإيرانية غداة القرار الذي أصدره الاتحاد الأوروبي، ليبرروا لها حيثيات صدور القرار، غير ان المسؤول في الخارجية الإيرانية رد بعنف عليهم، ولم يسمح باستمرار اللقاء لأكثر من 10 دقائق، وأكد المصدر الدبلوماسي الإيراني أن طهران ستتخذ قريبا قرارات هامة على صعيد التعاون الأمني مع الدول الأوروبية.في اليوم التالي أي يوم الأربعاء الماضي أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده ستطلق خلال الأسابيع القادمة قمرين صناعيين بصواريخ إيرانية، عندها أدلت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية انييس فون دير مول يوم أمس الجمعة بتصريح لوسائل الاعلام دعت فيه طهران إلى الوقف الفوري لكل الأنشطة المرتبطة بالصواريخ الباليستية التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية.التصعيد الأوروبي ضد إيران وخاصة قرار العقوبات للاتحاد الأوروبي تزامن مع جولة وزير الخارجية الأمريكي الى دولة المنطقة، حيث أن مايك بومبيو هاجم إيران في كل دول يزورها، ولكن ليس بالضرورة أن تكون أهداف بومبيو من التصعيد ضد إيران هي ذات أهداف الدول الأوروبية، إذ يسود الاعتقاد أن بومبيو جاء للمنطقة لحث الدول التي يزورها بضرورة إنجاح (صفقة القرن) عبر دعم حلفاء أمريكا لها، وتكثيف الضغط على المعارضين لها وفي مقدمتهم إيران.وبالرغم من أن الدول الأوروبية طالما دعت طهران الى تغيير سياستها في المنطقة والتوقف عن تجاربها الصاروخية الا انه لا توجد مؤشرات على أن مآخذ أوروبا ضد إيران هي بالذات وراء التصعيد الأوروبي الأخير، وانما التصعيد وراءه غايات أخرى، في مقدمتها منع إيران من الانسحاب من الاتفاق النووي.كل من تابع الاتفاق النووي، يدرك جيدا، أن طهران طالما هددت بالانسحاب من الاتفاق إن لم يوفر مصالحها، وتزايد تهديد طهران بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق، وبعد مروحة واسعة من الجولات لكبار المسؤولين الإيرانيين على دول العالم لتبيين موقفهم من الاتفاق النووي؛ بادر الأوروبيون إلى طمأنة طهران بأنهم سيبتكرون آلية لاستمرار التبادل المالي معها لينأى التعاون الأوروبي-الإيراني عن العقوبات الأميركية، وفي كل مرة يقوم فيها الإيرانيون بمفاتحة الاوربيين بتنفيذ الآلية كان الأوروبيون يماطلون حتى وعدوا بأنهم سيبدأون العمل بالآلية في نهاية 2018، وانتهى 2018 وجاء 2019 ولم ينفذ الأوروبيون وعودهم.التصعيد الأوروبي وخاصة عقوبات الاتحاد الأوروبي هو نوع من الهروب للأمام، فبدل أن يقدم الأوروبيون على خطوات تشجع طهران على البقاء في الاتفاق خاصة وأنهم لم يفوا بالتزاماتهم تجاهه، فانهم لجأوا إلى التهديد والضغط، وهي ذات السياسة الترامبية ضد إيران، حيث أنه انسحب من الاتفاق ثم دعا طهران الى التفاوض، وهو أسلوب لا يستخدمه الا البلاطجة ضد خصمائهم.هذا الأسلوب لا تستسيغه طهران ولو كان يجدي معها لكانت اليوم تتفاوض مع ترامب وحلت مشكلتها معه وماكانت بحاجة لأوروبا، ومع أن بعض الدول الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيريني أكدت تمسكها بالاتفاق النووي والعمل على إنجاحه بعد التصعيد الأخير، إلا أنه وحسب المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف فإنهم أعلنوا أنهم لن ينتظروا للأبد الدول الأوروبية.حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني تتعرض لضغط شديد من قبل منافسيها وكذلك الشارع الإيراني بضرورة الرد على الإساءات الأوروبية وحسم الموقف من الاتفاق النووي، وإذا استطاع روحاني الصمود أمام منافسيه فلا يبدو أنه قادر على الصمود لفترة كبيرة أمام ضغوط الشعب، مما يستدعي من الدول الأوروبية ايجاد حل سريع لهذه المشكلة إذا كان يهمها بقاء إيران في الاتفاق، وليس الهروب للأمام وفرض عقوبات عليها.
أضيف بتاريخ :2019/01/14