سيعيد ترامب النظر في الاتفاق النووي بعد فشل أو نجاح “صفقة القرن”
صالح القزويني
جميع السياسات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران تعود إلى الكذبة الكبيرة التي مررها سلفه باراك أوباما وإدارته على الأميركيين تجاه الاتفاق النووي، فقد قال إن الحصار الخانق الذي فرضه على إيران أرغمها على الجلوس على طاولة المفاوضات.
ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون ورئيس الاستخبارات السابق وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، صدقوا هذه الكذبة فاتفقوا على إعادة العقوبات على إيران من أجل ثنيها عن سياساتها التي تتعارض مع مبادئهم وفي مقدمتها سياستها تجاه إسرائيل.
لا يختلف اثنان في أن معظم الملفات المعقدة في المنطقة تعود إلى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي الوقت الذي تصطف فيه عشرات الدول العربية والإسلامية بل وحتى بعض الدول الغربية إلى جانب الفلسطينيين فان بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية تصطف إلى جانب إسرائيل وتستميت في الدفاع عنها.
وكل رئيس أميركي جديد يأتي يعلن عن خطة لحل هذا الصراع وتنتهي ولايته دون أن يحل هذه المشكلة، ومع أن كل الإدارات الأميركية لم تكن حيادية في تناولها ووساطتها لحل الأزمة إلا أن ترامب فاق الجميع في الانحياز لإسرائيل والضغط على الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وقد تجلى ذلك بنقل السفارة الأميركية وقطع المساعدات المالية للمنظمات المعنية بدعم الفلسطينيين وفي مقدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا)، كما جمد عضوية بلاده في اليونسكو لأنها اتخذت قرارا لا يعجب الإسرائيليين، ومارس ولايزال ضغوطا شديدة على الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع إسرائيل فأثمرت الضغوط عن ولادة مؤتمر وارسو.
وفي الجانب الآخر من التمهيد للصفقة نشطت الإدارة الأميركية بالضغط على الأطراف التي ترفض التطبيع وتسعى إلى القضاء على إسرائيل وفي مقدمتها إيران وسوريا والأحزاب والفصائل الموالية لها، بل أن معاقبة هذه الأطراف سبقت حث الحلفاء على التطبيع مع إسرائيل ويمكن القول إن جانبا من الأزمة التي شهدتها سوريا وتعيش في الوقت الراهن فصولها الأخيرة هي نوع من العقاب لدمشق على موقفها من إسرائيل، أضف إلى ذلك فان الخطوة البارزة التي أقدم عليها ترامب في هذا الإطار هو انسحابه من الاتفاق النووي وفرض العقوبات على إيران.
ووفقا للتوقيتات المعلنة فانه كان من المفترض أن نشهد في الوقت الراهن مرحلة ما بعد “صفقة القرن” غير أن قضية خاشقجي وكذلك رفض الأطراف المؤثرة في المنطقة ومن بينها بعض الأحزاب الفلسطينية لها؛ عرقل الإعلان عن الصفقة وتنفيذها.
إن التأجيل المتكرر للإعلان عن “صفقة القرن” بحد ذاته يشير إلى ما لا يدعو للشك أن الرياح تجري بما لا تشتهي سفينة ترامب، وصحيح أن إمكانيات فسطاط الذين يدعمون “الصفقة” أكثر من فسطاط الذين يرفضونها ولكن يبدو أن ترامب وحلفاءه وصلوا إلى قناعة بأن تمرير هذه الصفقة ليس بالسهولة التي كانوا يتصورونها.
فشل الحكومات الأميركية السابقة وكذلك الحكومات الإسرائيلية في فرض الحلول التي يقترحونها للازمة الفلسطينية يعود بالدرجة الأولى إلى أن هذه الحلول ليست عادلة ويخطأ ترامب وحلفاءه إذا تصوروا أنهم سينجحون في تمرير الصفقة عبر الضغط على إيران وسائر الأطراف المعارضة لإسرائيل، فحتى لو وافقت السلطة الفلسطينية على الحلول الأميركية والإسرائيلية فضلا عن موافقة دول أخرى، فسيبرز من بين الشعب الفلسطيني من يرفض الحلول غير العادلة ويرفض الاستسلام، لذلك يتعين إرساء الحلول العادلة قبل ممارسة الضغوط على هذا الطرف أو ذاك من أجل الموافقة على الحلول الظالمة.
لا يمكن البت بما ستؤول إليه “صفقة القرن”، ولكن نجاحها يتوقف على موافقة الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين والدول العربية والإسلامية ودول العالم عليها، وبما أن هذا غير متحقق في الوقت الراهن فإن مصيرها سوف لن يختلف عن مصير المشاريع والخطط السابقة.
من هنا فانه من المتوقع أن يعيد ترامب النظر تجاه الاتفاق النووي مع إيران عندما تعلن إدارته بشكل نهائي فشل أو نجاح “صفقة القرن”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/10