الحضور الأميركي في «الشرق الأوسط»... قوة الردع المتغيّرة
ربى يوسف شاهين
أقامت الولايات المتحدة قواعدها في بلدان «الشرق الأوسط» على اعتبار أنها دولة عظمى، لا يُرفض لها طلب من بعض الدول العربية، فقواعدها المنتشرة في قطر والبحرين والسعودية والمغرب وغيرها من البلدان، هي من ضمن استراتيجيات البنتاغون لحماية مصالح واشنطن في المنطقة. ومنذ الثورة الإيرانية 1979، والتي أطاحت بحكم الشاه الإيراني، تعزز الوجود الأميركي في المنطقة، وما تبعها من حرب الخليج الأولى والثانية، والتي عززت من خلالها القواعد الأميركية تواجدها بالقرب من «إسرائيل».
العلاقة الأميركية الإيرانية تشهد أوْج عدائها خلال الحرب على سورية، والحرب على اليمن، وبدأت المناوشات السياسية والعسكرية بين البلدين تتفاقم تزامناً مع المتغيّرات الاقليمية والدولية، الحاصلة على أكثر من صعيد، وما زالت الضغوط الاقتصادية قائمة منذ سنة ونصف السنة حسب صحيفة «الاندبندنت» البريطانية، حيث أشارت إلى اتخاذ ترامب قراراً بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، من خلال توجيهات لوزير الخزانة الأميركية معتبراً أنّ العقوبات ستوصل إلى نتائج أفضل من استراتيجية العمل العسكري ضدّ طهران.
وكشفت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية في تقريرها أنّ سياسة ترامب في الضغط لأقصى درجة على إيران فشلت، حتى أنه مرّ عام ونصف العام على بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة ممارسة الحدّ الأقصى من الضغوط على إيران، بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي اعتبره أسوأ اتفاق وقعته أميركا، وبمراكمة العقوبات على كاهل طهران.
وأضافت الصحيفة «ترامب أعلن في البداية أنّ سياسته ستؤدّي في النهاية إلى اضطرار إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى والتفاوض حتى تحصل واشنطن على اتفاق أفضل، وهو ما لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث قريباً».
وأشارت إلى أنّ «هذه السياسات أدت إلى العكس تماماً، فبدلاً من أن تحدّ من تأثير إيران الإقليمي دفعتها إلى تخطي كلّ الحدود حتى في إطار الاتفاق النووي فأعلنت بدء المرحلة الرابعة من الانسحاب المتدرّج من الاتفاق النووي».
ولفتت إلى أنه «حتى على المستوى الدولي فإنّ المجتمع الدولي أكثر تعاطفاً مع إيران لا الولايات المتحدة، فطهران ظلت متمسكة بالاتفاق لمدة عام كامل بعد الانسحاب الأميركي من المعاهدة».
وعليه. فإنّ الحرب على سورية وبسبب تواجد القوات الإيرانية في الساحة السورية، شكل مبرّراً لواشنطن لأن تُعلن امتعاضها من التوسع الإيراني في المنطقة، والتي عمدت الولايات المتحدة الى كبحه في حربها على العراق، لتبدأ في 2015 حرب اليمن برعايتها وبالأداتين السعودية والإماراتية. وخلال الأزمات السورية واليمنية والعراقية برزت قوى متنامية تمثلت بمحور المقاومة، الذي يُمثل أنصار الله في اليمن، والحشد الشعبي في العراق. وقد برزت قوة المحور المقاوم اليمني «أنصار الله»، من خلال الضربات التي وجهتها على منشآت النفط السعودية أرامكو، بالإضافة الى إسقاط الطائرة المسيّرة الأميركية ذات التقنيات العالية.
دلالات فشل قوة الردع للقواعد الأميركية المتواجدة في الخليج سبّب صدمة للأميركيين أنفسهم وللسعوديين طبعاً، فقد ذكرت مجلة «فورين بوليسي» في مقال لها «أحدثت الهجمات على المنشآت النفطية السعودية أضراراً جسيمة في الردع الأميركي»، وتابعت المجلة «انّ الغرض من إرسال المزيد من القوات الأميركية الى السعودية هو الاعتقاد بانّ واشنطن لن تتخلى عنهم مثل الاكراد وهدف آخر هو تعزيز الدفاعات ضدّ الهجوم الإيراني المحتمل».
السياسة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب كانت واضحة في تعاملاتها مع السعودية، عندما صرح ترامب بأن «ادفعوا لنا لحمايتكم». تصريحاته تُدلل على انّ ردات الفعل المتبعة تجاه أنصار الله في هجومها على المنشآت النفطية في السعودية، التي تهمّ الأميركيين اكثر من أيّ شيء آخر، لم تكن المرجوة لدى الملك السعودي سلمان، وكذلك ردات فعل الكونغرس الأميركي المستغربة وخاصة بعد تصريح دونالد ترامب «ما لم يقتل جندي أميركي في الشرق الأوسط أو تداهم أصول أميركية حيوية بشكل مباشر فلن يتمّ الأمر بالتدخل العسكري الأميركي».
وبالتالي هناك درس مهمّ يجب ان تتعلمه واشنطن، هو انّ حجم الترسانة او عدد القوات الأميركية لا يكفي لتخويف وردع إيران، وربما أعداء آخرين لواشنطن مثل سورية وحزب الله، فالأسلحة مهمة في الردع، لكن هذه الأسلحة ليس لها تأثيرات لدى محور المقاومة ككلّ، فالمعادلات التي فُرضت من قبل هذا المحور، يجب على واشنطن التدقيق في تفاصيلها، إذ لا يُمكن تحقيق أيّ اختراق في منظومة محور المقاومة، خاصة بعد قوة الردع التي فرضها أركان هذا المحور.
الواضح انّ المتغيّرات الحاصلة على الساحة العربية والاقليمية، تُظهر انّ قوة الردع المتمثلة بتواجد القوات الأميركية كحضور عسكري فقط، غير كافٍ ما لم يترافق مع قوة دفاع، وبالتالي هذا يُحتم على وزارة الدفاع الأميركية إعادة حساباتها العسكرية والاستراتيجية في المنطقة، لأنّ موازين القوى انقلبت في كثير من مفاصل الحرب على سورية والحرب على اليمن، وباتت قوة الردع مع تنامي الأسلحة العسكرية المتطورة المستخدمة من قبل محور المقاومة، تُشكل عقبة في وجه اعتى وسائل الدفاع في العالم، وهي الترسانة الأميركية العملاقة التي بدأت قوتها الردعية بالانكفاء، خاصة مع التواجد الروسي والإيراني في المنطقة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/11/14