آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أحمد الدرزي
عن الكاتب :
كاتب سوري

كرد العراق بين ثورتي العشرين

 

د. أحمد الدرزي 

كانت الرسالة الإيرانية بقصف القاعدة الأميركيّة في أربيل بالصواريخ واضحة الدلالة، وهي تحمل معنى لا لبس فيه بأنّ على الأميركيين أن يخرجوا من كامل العراق.

من الواضح أنَّ ثمة معطيات كثيرة تؤكّد إحياء ثورة العشرين من جديد في العراق، فقبل ستة أشهر ونيّف على الذكرى المئوية لحدوثها، وعلى الرغم من تغيّر اسم مُحتَلّ العراق من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، فإنَّ الكثير من المشتركات بين ظروف الثورتين حاضر بقوّة، وبخاصَّة ما يتعلَّق بدور المرجعيّة الدينية والقوى العسكرية الشعبية التي تأطَّرت بالحشد الشعبي، والمشاركة الجماهيرية الواسعة في التشييع بعد اغتيال القائدين الفريق قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، ثم المشاركة الواسعة لدعم القرار الَّذي اتّخذه البرلمان العراقيّ لإخراج كلّ القوى الأجنبيّة.
وفي خطوةٍ لمحاولة استعادة ذاكرة ثورة العشرين الأولى، توجّه رئيس الوزراء العراقي المستقيل إلى أربيل. 
وتحضر في الذاكرة التاريخيّة كيف توحَّد الشّعب العراقيّ بأكمله على قرار المقاومة حينها، ولم يكن الكرد خارج سياق هذه الثورة، بل ربما سبقوا الكثير من القوى العراقيَّة، فقد حدثت الانتفاضة الكردية الأولى في نهاية شهر آذار/مارس 1919، واستمرّت إلى آخر الصيف، ثم تبعتها انتفاضة السليمانية التي قادها الشيخ محمود البزرنجي، وانتقلت إلى بادينان، ولم يتوقّفوا عند ذلك، بل دعموا انتفاضة تلعفر ذات الأغلبية التركمانية المتنوعة مذهبياً وشاركوا فيها.
ومع اندلاع ثورة العشرين، انخرط الكرد المقيمون في بغداد بشكل عفويّ في التظاهرات، وما لبثت أن انضمَّت عشائر "خانقين" إليها، وأعلنت الكفاح المسلّح، وسيطرت على المدينة، ووصل بهم الأمر إلى رفع العلم العثماني بدلاً من العلم البريطاني، وانتقلت عمليَّة مقاومة المحتل إلى منطقة كفري، إضافةً إلى مساهمتهم من قبل بألف مسلّح مع قوات الفرات الأوسط، ولكن أربيل ظلَّت بعيدة عن الثورة والتحقت بها متأخّرة.
كان عادل عبدالمهدي يأمل أن تدرك القوى السياسية الكردية أنَّ مصلحتها تكمن بالاندماج في الحدّ الأعلى مع مطلب أغلب القوى العراقية بضرورة خروج كامل القوى الأجنبيّة وإعادة ترتيب البيت الداخلي العراقي بعيداً من القوى الغربية، وخصوصاً أنه يمتلك مجموعة من المؤشرات الواضحة التي تدفع بالعراق إلى الخروج من إطار الاحتلال الأميركي المقنّع بطلب من الحكومة العراقية السابقة بحجّة مواجهة داعش.
فعلى الرغم من التصعيد الأميركي الكبير بقصف مقرات الحشد الشّعبيّ على الحدود السورية العراقية، واغتيال سليماني والمهندس، فإنّ عبدالمهدي كان يدرك أنَّ العالم يتغيَّر بسرعة أكثر من المتوقّع، وهو الَّذي ذهب إلى الصين ليعقد مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية الضخمة، يقيناً منه بأنَّ هناك انكفاءً أميركياً واضحاً في الكثير من مناطق العالم، ولا سيما في قارة آسيا، التي تشهد تلاقي ثلاثة مشاريع ناهضة، حيث يتفق المشروع الأوراسي المتمدد ومشروع طريق الحرير الصيني ومشروع طهران بغداد- دمشق- بيروت على ضرورة خروج الولايات المتحدة من كلّ القواعد العسكرية البرية والبحرية التي تتواجد فيها، ويتسلَّح أيضاً بأنَّ هناك قراراً خاصاً بإخراج الأميركيين من العراق وسوريا كأولوية قصوى، يستند إلى عمل تراكميّ مستمر منذ عدة سنوات، وحقّق إنجازات ضخمة جعلت الأميركيين ينكفئون إلى حد كبير في الشمال السوري، ويعجزون عن قطع التواصل البري بين سوريا والعراق، إضافةً إلى فشلهم في تغيير المشهد العراقي الداخليّ عبر الحراك المطلبي.
يبدو من الواضح أنَّ قسماً كبيراً من القادة السياسيين الكرد في العراق لا يستطيع استيعاب حجم التحولات الإقليمية والدولية وطبيعة المخاطر التركية الوجودية المترتبة عليه وعلى سوريا والعراق، إضافةً إلى نسيانهم كلّ التجارب السابقة التي تسببت بدمار قراهم ومدنهم، والمجازر التي ارتكبت بحقّهم، نتيجة خذلان الغرب لهم بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاصّ، والتي تركتهم للضياع بعد اتفاقية الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين في العام 1975، وكذلك الأمر بتغطيتها المجازر الكيماوية في عهد صدام حسين في العام 1987، وعدم الاكتراث بتدمير أكثر من أربعة آلاف و200 قرية في كردستان العراق، ولن يكون خذلانهم في استفتائهم على الاستقلال في العام 2017 الأخير، وهي حكماً ستتخلّى عنهم من جديد.
يضع السّياسيّون الكرد أنفسهم في موقع المسؤوليّة التاريخيّة تجاه الكرد بشكل خاصّ، والعراق والمنطقة بشكل عام، فعلى الرغم من أحقية قضيّتهم بالحرمان من دولة جامعة لهم، فإنّ حلّها لا يمكن أن يستند إلى الأسس نفسها التي تشكَّلت عليها دول المنطقة قسرياً بفعل التدخّل الغربي بعد انتصاره في الحرب العالمية الأولى، والتي أدَّت إلى تمزيق بقايا الإمبراطورية العثمانية وحرمان شعوب المنطقة من فضاء جيوسياسيّ واسع.

كما أنّ الإصرار على توفير التواجد العسكريّ الأميركيّ في كردستان العراق بديلاً من بقية العراق، سيجعل من الكرد امتداداً عملياً لاستمرار المشاريع الغربية المسؤولة عن تدمير العراق والإقليم خلال القرنين الماضيين، بما في ذلك الكرد ذاتهم. 
وقد كانت الرسالة الإيرانية بقصف القاعدة الأميركيّة في أربيل بالصواريخ واضحة الدلالة، وهي تحمل معنى لا لبس فيه بأنّ على الأميركيين أن يخرجوا من كامل العراق، وأن كردستان العراق لن تكون آمنة باحتوائها للقواعد العسكريّة.
من يراقب المنحنى البياني للانكفاء الأميركي خلال العقدين الماضيين، والذي ترافق مع منحنى بياني صاعد للقوى الآسيوية الثلاث، سيدرك أنّ الولايات المتحدة ستخرج حتماً من العراق وسوريا كمرحلة أولى، ولو تطلَّب الأمر سنوات من المقاومة السلمية والعسكرية، وسيترتَّب على ذلك نظام إقليميّ جديد، تتماهى فيه الحدود بين شعوب المنطقة، وسيكون دور الكرد فيه أساسياً، وبخاصَّة إذا ما حسموا قرارهم والتحقوا بثورة العشرين الثانية أسوةً ببقية عناصر النسيج الاجتماعي العراقي، كما فعلوا بالثورة الأولى منذ مائة عام، فهل يعيدون حساباتهم هذه المرة بشكل صائب؟.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/01/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد