سلوك الرئيس ترامب.. من بيلوسي إلى صفقة القرن
د. محمود البازي
في مشهد إستثنائي ومثير للجدل، مزقت “نانسي بيلوسي” رئيس البرلمان الأمريكي نسخة من الخطاب الذي قدمه لها ترامب قبل البدء بخطابه السنوي “حالة الإتحاد”. وجاءت حركة بيلوسي هذه كردة فعل على رفض ترامب مصافحتها عندما ممدت له يدها. لا يعتبر هذا الموقف المحرج موقفا عرضيا ينتج عن خلافات عرضية في الأوساط السياسية الأمريكية وإنما يَنمُ عن عمق الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
المعضلة ليست حول السيطرة على هرم السلطة في الولايات المتحدة (الرئاسة) وإنما المعضلة تتمحور حول المستقبل السياسي للبلاد، وأزمات النموذج الأمريكي للديمقراطية ولمفاهيمها.
منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم، تحوم الشكوك حول الرئيس وأدائه الرئاسي وقيادته للبلاد. فمنذ اللحظة الأولى لإعلان فوزه بسباق الإنتخابات عام 2016، ترددت الأخبار حول تدخل روسي في الإنتخابات الأمريكية لصالح الرئيس ترامب، وعلى الرغم من التحقيقات التي قدمها مولر، إلا أن الجمهوريون حاولوا القول بأن تقرير مولر لا يدين ترامب. وهذا عكس ما ورد في التقرير الغامض نوعا ما، إذ أن بعض نقاط هذا التقرير لا تبرئ الرئيس ترامب بشكل كامل. ضلّت بيلوسي معارضة لمحاكمة ترامب برلمانيا فترة طويلة إلى ما يعرف بقضية “أوكراين غيت”، لم يجعل أمامها إلّا القبول ببدء تحقيقات انتهت إلى إدانة ترامب في الكونغرس وإحالة الملف إلى مجلس الشيوخ ذو الغالبية الجمهورية والذي سيصوت لصالح الرئيس ترامب ويُنجيه من العزل، وذلك نظراً لإن التصويت على العزل يحتاج إلى أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ وهو ما يمكن أن يكون مستحيل بالنسبة للأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
ما دفع الجمهوريون للوقوف صفاً واحدا إلى جانب الرئيس ترامب، هو إعتقاد الجمهوريون بأن الرئيس ترامب هو الوحيد القادر على خوض الإنتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر، والفوز بها. ويعتقدون كذلك بأنه لا يوجد بديل قوي لترامب يستطيع خوض الإنتخابات والفوز بها.
كل ما حصل ويحصل في الولايات المتحدة يعبر عن أزمات حقيقية يعيشها المجتمع الأمريكي، منذ فوز الرئيس ترامب. والذي وقف الباحثون عاجزون عن إيجاد تحليل منطقي ومقاربات منطقية لوصول رجل شعبوي كترامب إلى سدة الحكم. ولعل أهم ما فسرّ وصول الرجل إلى سدة الحكم هو ما عرضه المفكر الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة في محاولاته لفهم عقل وصفات الناخب الأمريكي، وننقل ما قال، وهنا أقتبس عن مقالته “صعود اليمين واستيراد صراع الحضارات إلى الداخل”:
طُرحت ثلاث فرضيات مهمة لفهم وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أولا، إن الصراع الدائر في البلدان الغربية المتطورة هو صراع بين ثقافتين cultures يشتملان على مكونات طبقية وثقافية وسياسية وقيمية، أو صراع بين ثقافات يمكن أن تتحول إلى هويات. ثانيا أنه في الصراع على المستوى العالمي تبنت روسيا والصين عقيدة صراع الحضارات clash of civilizations ضد انتشار الديمقراطية والليبرالية باعتبارها ثقافة غربية. وثالثا، أن الفجوة بين النخب التي تتبنى القيم الليبرالية في تحالف مع الفئات التي عانت من التهميش (الأقليات والنساء) من جهة، والطبقة العاملة البيضاء والريف وغيرهم، أدت إضعاف الرابط التاريخي الحديث العهد بين الديمقراطية والليبرالية والانتقال إلى الصراع بينهما في حالات متزايدة”.
من جهة أخرى لم يقتصر هذا الصراع على الداخل الأمريكي بل كان له أثر كبير على منطقتنا العربية، وحقوقنا المقدسة. يجلس نتنياهو وكوشنر مع الرئيس ترامب ويقنعانه بتقديم فلسطين على طبق من ذهب إلى “إسرائيل” ويحاول تمرير ما يسمى “صفقة القرن”، في محاولة واضحة لإسقاط حل الدولتين وتضييع “حق العودة” والتفريط بقدسية المسجد الأقصى، المسجد الثالث من حيث القدسية بالنسبة للمسلمين بحسب قول الرسول محمد: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى”. ويقف ترامب ويحرّف إسم المسجد الإقصى إلى “الأكوا”. ليس ذلك فحسب بل ضم “مرتفعات الجولان” إلى إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وكأن المنطقة كلها يملكها ترامب ويوزعها بحسب ما يشاء.
لعل أخر ما لاحظته في تصرفات إدراة ترامب هو دفع رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان، إلى طلب التطبيع العلني مع إسرائيل. لإن الإدارة الأمريكية متمثلة بوزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، أقنعت البرهان بأن بوابة الإنفتاح على العالم هي إسرائيل وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهو ما لم يتوانى البرهان عن ذكره صراحة في خطاب عجیب ألقاه نيابة عنه المتحدث باسم الجيش العميد ركن عامر محمد الحسن الأربعاء، إن السودان يعمل من أجل مصالحه، دون التعارض مع عدالة القضية الفلسطينية”. العجب كل العجب هو كيف يمكن الجمع بين التطبيع مع إسرائيل وقبول صفقة القرن من جهة، والمحافظة على عدالة القضية الفلسطينية من جهة أخرى؟
أخيراً: معضلة الرئيس ترامب هي عدم احترامه لقيم العدالة والديمقراطية، ولعل الإختلاف الوحيد بين الرئيس ترامب والديكتاتوريات العربية هي بأنه ديكتاتور لمدة أربع سنوات ومن المرجح ثمان سنوات عما قريب. وهذا ما يفسر لنا ما قاله ترامب ذات مرة: “ديكتاتوري المفضل”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/02/09