هل يقضُمُ الاحتلال الإسرائيليّ آخر ما تبقى من فلسطين؟
د. وفيق إبراهيم
يبدو المشهد الأميركي والعربي وذلك الوارد من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مشجعاً للكيان الإسرائيلي المحتل كي يبتلع آخر ما تبقى من فلسطين العربية التي تشكل جزءاً عزيزاً من بلاد الشام.
هناك نحو 65 في المئة من الضفة الغربية المحتلة تديرها سلطة فلسطينية في شؤونها الداخلية، إنما ضمن احتلال اسرائيلي يمنع اي اتصال لها مع الخارج الفلسطيني او الاردني.
هذا الجزء المستقل إدارياً بقيادة السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس تنسق مع «اسرائيل» اقتصادياً وأمنياً وتتلقى منها اموال ضرائب مفروضة على الفلسطينيين.
لكن ما يحدث في هذه المرحلة هو التئام مصلحة أميركية مع رغبة إسرائيلية بابتلاع الضفة الغربية الى جانب تأييد عربي مستعدّ لمنح الأميركيين ما يريدونه من أموال وأراض عربية مقابل حمايتها، هذا الى جانب صمت غريب من السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن، وكأن صمماً عميقاً أصابهم وجعلهم لا يسمعون صراخ المسؤولين في الإدارة الأميركية وهتافات الاسرائيليين بالتأييد مع صمت المسؤولين العرب الذين أصيبوا بالخرس المتقاطع مع صمم عميق فيصمتون وكأن الأمر لا يعنيهم وسط تطبيع خليجي إسرائيلي، تشجع عليه دول الخليج والكيان المحتل بأشكال سياسية وسينمائية وتلفزيونية يهيئ لاعتراف دبلوماسي كامل يستكمل التطبيع الحالي بعلاقات تحالف سياسي عسكري واقتصادي.
هذا الإسراع في التهام آخر فلسطيني في الضفة يواكب مستجدات اولاً اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل، ثانياً تراجع النفوذ الأميركي في المشرق، ثالثاً انكسار الدور السعودي في اليمن وسورية والعراق مع تراجع أسعار النفط الى 26 للبرميل الواحد، مع اتجاه الى خفض إنتاج النفط السعودي بمعدل خمسين في المئة على الأقل.
اما المستجد الرابع فهو اليأس الأميركي السعودي من إسقاط الجمهورية الإسلامية في ايران.
هناك اذاً تطابق في المصالح بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يسعى لكسب معركة التجديد له في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تضم ائتلاف القوى الاساسية في الكيان المحتل بين حزبي الليكود لنتنياهو وازرق ابيض لبني غانتس الى جانب مملكة آل سعود التي تستشعر للمرة الأولى منذ حلفها مع الأميركيين في 1945، بضعف بنيوي نتيجة تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط فتواصل انصياعها للأميركيين في الوقت نفسه وتحاول جذب «اسرائيل» نحو حلف يحميها من المخاطر الداخلية والخارجية.
هذا هو تقاطع المصالح الذي فرض على ترامب معاودة إطلاق تصريحات مباغتة أكد فيها انه مع ضم «اسرائيل» لكامل الضفة الغربية.
وهذا ما أكد عليه السفير الأميركي في «اسرائيل» ديفيد فريدمان الذي اعتبر «ساخراً» بأن الضفة الغربية تعود الى الفلسطينيين منذ ما يصبح هؤلاء الفلسطينيون كنديين.
كما أن وزير الخارجية الأميركي بومبيو لم يتوانَ عن إعلان تأييده لضم القسم الأكبر من الضفة لأنها العاصمة التاريخية «ليهودا والسامرة».
لقد أجمع القادة الأميركيون أيضاً على ضرورة إعادة ضمّ مدينة الخليل الى «اسرائيل» لأنها قلب السامرة التاريخي.
أما عن اسباب هذا الاستعجال الأميركي في بيع الضفة الغربية للإسرائيليين، فتعود الى انحسار شعبية ترامب الأميركية بسبب اخطائه في معالجة تداعيات جائحة كورونا على الأميركيين، ما تسبب بملايين الإصابات والوفيات.
لذلك يريد ترامب استعمال كل المواقع التي تؤمن له أصواتاً وشعبية، وهنا يأتي اليهود الأميركيون في طليعة ادوات الضغط وذلك لسيطرتهم على المصارف والإعلام وبضعة ملايين من اصوات اليهود الأميركيين والانجيليين المتأثرين بهم داخل الولايات المتحدة.
هذا الأمر يعرفه نتنياهو وبني غانتس فيحاولان بدوريهما الاستثمار به، للسيطرة على «اسرائيل» بشكل كامل، والتهام الضفة، فيسارعان الى تلقف الاتجاهات الجديدة لترامب بشكل سريع، للاستفادة من حاجة ترامب لليهود.
إذا كانت هذه الأوضاع لا تتعلق إلا برئيس أميركي يحاول النجاح بالانتخابات، فلماذا يصمت العرب وسط تواطؤ خليجي كامل «واغتراب تركي»، ولا تقف إلا ايران وسورية ومنظمة حماس في قطاع غزة وحزب الله في موقع الرافض للقرارات الأميركية انما من خلال التأكيد على ضرورة تحرير كامل فلسطين المحتلة وليس ضفتها الغربية فقط.
لذلك فإن السعودية المذعورة من فشل الحصار الأميركي على إيران وسقوط أدوارها العربية والإقليمية والإسلامية، وتراجع الدور الأميركي، تراعي عوامل تفرض عليها الصمت عن إنهاء القضية الفلسطينية وتوجهها لإعلان حلف مع «اسرائيل» معادٍ لإيران وسورية وحزب الله في موعد قريب.
بذلك يكون ترامب استثمر في بيع فلسطين لكسب النفوذ اليهودي الأميركي، واستفاد الاسرائيليون في احتلال كامل فلسطين والسيطرة على الجولان السوري المحتل، والقرى السبع اللبنانية وقرية الغجر وبعض آبار النفط اللبنانية في البلوك التاسع البحريّ بين لبنان وفلسطين المحتلة.
أما الخاسر الوحيد في هذا البازار فهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يؤمن تغطية خليجية إسلامية لسرقة كامل فلسطين، هذا من دون أي مقابل ملموس لان الدور الإسرائيلي خارج فلسطين عاجز عن التأثير على ايران التي تؤمن بفلسطينية كامل فلسطين ومستعدة للقتال الدائم من اجل هذه القضية، وكذلك حزب الله وسورية.
لا بأس أيضاً من الاشارة الى ان تركيا بدورها تتبنى سياسة التجاهل لما تقوم به «اسرائيل» في الضفة الغربية، لكن تبلور موقف فلسطيني – إيراني – سوري مع حزب الله لن يسمح لها بالاستمرار في سياسات غض الطرف، فإما ان تقف مع «اسرائيل»، كما فعلت منذ مراحل الخمسينيات وإما ان تدافع عن قضية فلسطين سياسياً للحصول على دور في العالم الاسلامي كما يطمح الرئيس التركي اردوغان وحزبه العدالة والتنمية الاخواني.
أما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيرمي بكامل اوراقه في السلة الاسرائيلية الأميركية ويبدو انه يتجه الى خسارة بنيوية لن تتوقف عند حدود خسارته لولاية العهد، بل قد تصل الى حدود إثارة الفوضى والاضطراب في مملكة سعودية لا تزال حتى اليوم تمارس واحدة من أقسى الديكتاتوريات منذ الربع الأول من القرن العشرين.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/05/11