آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

تركي الفيصل .. وإسرائيل .. والسعودية

 

طراد بن سعيد العمري ..

تناقلت صحف ومواقع عالمية بعض من لقاءات الأمير تركي الفيصل مع مسئولين إسرائيليين، ولم يؤكد ذلك أو ينفيه مسئول رسمي كوزير الخارجية السعودي. وشخصية بحجم الأمير تركي لها وزنها في السياسة الخارجية السعودية ويمثل الأمير تركي الفيصل، رمزاً من رموز التضاد مع إجراء حوار مع الإسرائيليين، أو إقامة علاقة بين السعودية وإسرائيل، وذلك تأكيداً لموقف المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي طالما تمنى “زوال” إسرائيل لكي ينعم الشرق الأوسط بالأمن والاستقرار. فمالذي حدث أو تغير لكي يلتقي الأمير، وابن الفيصل، والسفير، ورئيس الإستخبارات السعودية الأسبق، بمسئولين إسرائيليين؟ وهل لا زالت إسرائيل هي العدو التقليدي للسعودية؟ ومالذي يمنع من أن تعلن السعودية رسمياً عن هذه المحادثات، وخطة السعودية في إقامة حوار وعلاقات مع إسرائيل؟ وماهي الموضوعات التي يبحثها الأمير تركي الفيصل، والفوائد التي ستجنيها السعودية من هذه اللقاءات التي تظهر في الإعلام الغربي كتسريبات، أو على إستحياء؟ كل هذه أسئلة يتم تداولها بين المفكرين والكتاب والمثقفين عن هذا التحوّل في السياسة الخارجية السعودية.

 

إجتماع تركي الفيصل حمل وجهتي نظر متضادة تقريباً. (١) وجهة النظر الأولى، أنه لا يجب على مسئول سعودي، ناهيك عن أمير بحجم وقيمة ووزن الأمير تركي الفيصل لما يحمله من رمزية، بأن يبادر بالإجتماع بمسئول إسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى تتوقف إسرائيل عن استكبارها  وغطرستها، وقتلها، وحصارها للفلسطينيين في قطاع غزة، وحتى لو أعلنت قبولها بالمبادرة العربية للسلام ذات المنشأ والأصل السعودي؛ (٢) تجادل وجهة النظر المضادة الأخرى، بأن الأمير تركي الفيصل هو خير من يمثل الجانب العربي، والسعودية صاحبة المبادرة في حوارات أو مباحثات جانبية، لأن الأمير تركي الفيصل يحمل في فكره وقلبه ووجدانه النسخة الأصلية للعداوة مع إسرائيل التي ورثها وتعلمها من والده رحمه الله، بالإضافة إلى الكم الهائل من المعلومات والمعرفة التي يختزنها الأمير من عمله السابق كرئيس للإستخبارات، وسفير في بريطانيا والولايات المتحدة، ورئيس لمركز أبحاث.

 

غموض الموقف الرسمي لوزارة الخارجية السعودية يعقد الموقف قليلاً ويرسم مشهداً مختلطاً في أذهان النخبة والكتاب السعوديين بصفة خاصة، العرب بشكل عام، وكأن السعودية لها موقف سري وغير معلن سيمكّن إسرائيل من الحصول على بعض التنازلات، أو المزايا في قضايا مثل: الأرض زيادة لإسرائيل أو نقصان للعرب؛ وموضوع حق العودة؛ وقضايا أخرى، تضمنتها المبادرة العربية للسلام. وهنا يجب على الخارجية السعودية أن تكون واضحة في موقفها، لإجلاء اللغط حول محادثات الأمير مع الإسرائيليين، وأين تقع إسرائيل في إستراتيجية السياسة الخارجية السعودية. إعلان الموقف السعودي أمر ضروري لن يفسد للود قضية، إذا ما إرتكز على محددات واضحة تبين الهدف من محادثات شخصيّة وازنة من الأمراء والمسئولين السابقين في الحكومة. الأهم من ذلك كله، هو تحديد ماهية إسرائيل، هل هي عدو، أو صديق محتمل؟ وهل تغيرت مكانتها من عدو إلى خصم إلى صديق، إلى حليف، بتحقيق شروط معيّنة؟

 

نطالب الأمير تركي الفيصل، أن يحدد لنا فكرته وأفكاره وموقفه في مقالات أو بيانات متواصلة يشرح للمهتمين خلفية هذه اللقاءات وأسبابها ودوافعها ونتائجها والغاية المنشودة. هذا التبيان سيثري الموضوع وسيدعم جهود الأمير مهما كانت الرؤى والآراء التي ستتناولها الأقلام حول لقاءات ومحادثات الأمير مع الإسرائيليين، وسواء كانت مع، أو ضد، أو وسط بين الأمرين. العداوة مع إسرائيل هي عداوة إستراتيجية، وسياسية، وعسكرية، وقانونية، وأخلاقية، وثقافية، ودينية، وعقدية، تراكمت عبر عقود طويلة، وتحتاج إلى أعمق وأكبر وأكثر من بيان أو تصريح لإزالة ما علق بالذهن العربي من سلبيات حول “إسرائيل” في الذهن العربي، والسعودي تحديداً. ونجزم بأن هذا لم يغب عن بال الأمير تركي الفيصل عندما قَبِل أو قرر أن يلتقي أو يصافح مسئول إسرائيلي.

 

يتساءل البعض هل من حق كاتب أو مثقف أو مفكر، أن يجلس مع العدو؟ هل يمكن الجلوس مع “داعش” أو أي منظمة إرهابية تستعديها الحكومة السعودية رسمياً بحجة النقاش وتبادل وجهات النظر ومقارعة الحجة بالحجة؟ هل يمكن لأي فرد أن يقوم بمبادرة مع مثقفين من دول أخرى، ذات خصومة سياسية للسعودية، كالحوثيين، أو حزب الله اللبناني، أو الأخوان المسلمين، أو سوريا، أو إيران؟ من وجهة نظر كاتب هذه السطور، أن كل فرد ليس له صفة رسمية، أو لا يدّعي تمثيل الحكومة بكلمة أو وعد أو تنازلات، له الحق والحريّة أن يلتقي ويتحدث ويجادل ويحاجج بما يشاء، شريطة أن يعلن الفرد ذلك على الملأ، وأن لا تكون المحادثات والمواضيع والقضايا التي يتم تناولها مكتومة أو سرية، فالإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطّلع عليه الناس. كما أن تبادل وجهات النظر من فرد أو أفراد أو جمعيات أو مؤسسات أو مراكز أبحاث هو أمر صحي، يشكل ذراع تساند مُتَّخِذ القرار الرسمي.

 

يخشى البعض أن التكتيك الإسرائيلي المليء بالمكر السياسي، يريد أن يجر السعودية إلى ملعبه عبر وسائل وبدائل مختلفة لكي يشكل إختراقاً للجبهة الرسمية والشعبية الشرق أوسطية والعربية، وكأنه يقول: هذا هو الأمير السعودي، ابن الملك السعودي، ابن الفيصل بن عبدالعزيز، يجلس ويحاور ويناقش ويجادل مسئولين إسرائيليين، وعندها يحدث واحد من أمرين: (١) القبول والإذعان والاستمراء من بقية الحكومات العربية التي تحجم عن مقابلة الإسرائيليين عن عقيدة وإصرار، أو حتى تلك التي تتمنع على استحياء، بغية الوصول إلى تنازلات حول عدد من القضايا قد تضر بالفلسطينيين، ويحقق ما تريده إسرائيل؛ (٢) أن تؤدي هذه اللقاءات والمحادثات إلى شرخ في العلاقات الشرق أوسطية، والعربية العربية، تنعكس سلباً على السعودية، وتثير سخط بعض المتطرفين في خارج السعودية أو داخلها، ضد الأمير أو الحكومة أو الدولة السعودية، وحينها تتكيء إسرائيل على مقولة “لم أمر بها لكنها لم تسؤني”.

 

مضى (١٤) عاماً على تبني مؤتمر القمة العربي في العام ٢٠٠٢م للمبادرة العربية للسلام، ولم تعلن إسرائيل رسمياً قبولها بالمبادرة، مما يدل على خبث ومكر وحيلة. فماذا استجد لكي ينطلق الأمير السعودي في تحقيق الحلم بالصلاة في المسجد الأقصى؟ هل قبلت إسرائيل ببنود المبادرة كلياً أو جزئياً، أم تريد تعديل شروطها، ثم قبولها؟ هل أحداث الربيع العربي، وما آلت إليه، وما يحدث في سوريا من الشمال على الحدود التركية، حتى الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، وراء بعث وبحث العلاقات العربية الإسرائيلية؟ هل الخصومة مع إيران صرفت الأنظار عن إسرائيل والصراع معها، لكي تتحول إيران ويتم ترقية العلاقة معها من خصومة إلى عداوة؟ كل شيء وارد، وكل شيء جائز في السياسة. لكن المهم هو الوضوح وأن يتم الأمر في العلن لكي يدعم التوافق الشعبي، التعامل الرسمي وينتج عن ذلك جهود متناغمة وموفقة في العمل السياسي والدبلوماسي.

 

السعودية دولة رائدة في العمل العربي وتشكل “إسرائيل” والعداوة معها العمود الفقري للعلاقات العربية وما يسمى “القومية العربية”. ويجادل البعض أن سحب العنصر الإسرائيلي “كعدو” من المعادلة العربية أو الشرق أوسطية سيؤدي إلى اختلال في موازين القوى في المنظومة العربية والشرق أوسطية تربك كيان المنطقة برمتها، وتعيد ترتيب التحالفات مما سيأخذ وقت طويلاً حتى يستقر الأمر وتتناغم الدول في “الشرق الأوسط الجديد”. من ناحية أخرى، استبدال عدو بعدو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد وليس بالأمر السهل أو اليسير، كما يتصور البعض، ولنا في مصر انموذجاً. استبدال العدو يستلزم فترة زمنية لا تقل عن (٢٥) عاماً يتم خلالها إطلاق حوار مجتمعي، وتحوير منظومة الدفاع والأمن، وإعادة هيكلة الجيوش وعقيدتها العسكرية، وتجنيد الطاقات لفعلين متضادين: (١) سحب عنصر الكراهية والتحزب للقتال بشكل متدرج مبني على قناعات شعبية ومجتمعية؛ (٢) بناء مفهوم عداوة جديد يستند على أسس أيديولوجية وإستراتيجية وسياسية وعسكرية مقنعة وواقعية تَخَلَّق تفاعلاً وتكاملاً لبناء صورة العدو الجديد.

 

تنطلق مرحلة التغيير والاستبدال في حالتنا هذه، ويجب أن تبدأ من إسرائيل بأن تقبل بالمبادرة العربية للسلام بدون قيد أو شرط، بل وتقدم الكثير من حسن النية وبناء جسور الثقة، ليتمكن العرب من الشعور بتعويض عن فترة الصراع الماضية، وأن القادم الجديد مستعد لتقديم الجهد والتضحيات للدخول ضمن التعايش مع الإطار العربي الذي لفظه رسمياً وشعبياً منذ العام ١٩١٧م مروراً بحروب متعددة. وبالرغم من أن نظرية “العدو” عنصر أساسي وأصيل للدولة، أي دولة، ولا بد من وجود عدو، فإنه من الخطأ الإستراتيجي الكارثي تفتيت عدو مشخص بدولة، واستبداله بعدو مشخص بدولة أخرى، كاستبدال إسرائيل كعدو، بإيران كعدو بديل. يمكن للدولة أن يكون لها أكثر من خصم سياسي قد تتحارب معه مباشرة أو بالإنابة، ولكن العدو يبقى أحادياً واحداً. استبدال العدو يكون من المشخص إلى المجرد، كالإرهاب، أو الفقر، أو الأمية، أو المخدرات، أو الفساد، وكل دولة تحدد ما يتماشى مع قيمها ومجتمعها.

 

أخيراً، محادثات ولقاءات الأمير تركي الفيصل مع مسئولين إسرائيليين أثارت لغطاً، وعززت نظرية المؤامرة، وبات إثمها أكبر من نفعها، بسبب الغموض من الأمير ذاته، ومن الخارجية السعودية. لا أحد يشك في فكر وقدرة ومعرفة وعقيدة الأمير تركي الفيصل الإستراتيجية والسياسية، لكن إطلاع الجميع على موضوع اللقاءات بشكل واضح وعلني وممنهج هو أمر إيجابي يخدم نية ورغبة وجهود وهدف الأمير. أما وجهة النظر الرسمية السعودية فيجب أن تكون واضحة ومعلنة، وأن لا تُقدم السعودية على عمل كهذا من دون دراسة وتمحيص ومعرفة بالمئالات. ختاماً، تركي الفيصل، أمير سعودي، وإبن ملك سعودي، وإبن الفيصل بن عبدالعزيز، الذي لم يداهن أو يجامل أو يصانع في موضوع إسرائيل والعلاقة معها، ونجزم بأن هذا الأسد من ذاك الأسد. حفظ الله الوطن.

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/05/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد