في استقبال عاشوراء
مع إطلالة كل عام هجري جديد، نكون على موعدٍ مع عطاءات موسم عاشوراء، حيث ارتبط شهر محرم الحرام بسبط النبي الأعظم (ص)، الإمام الحسين (ع) منذ العام 61 للهجرة إلى الأبد.
لقد أصبح موسم عاشوراء، محطةً للتزود بالقيم والمبادئ والأخلاق، في أعظم مدرسة افتتحها الحسين (ع) لتعليم معاني الحرية والكرامة والإباء. وأصبح هذا الشهر عنواناً للعطاء والسماحة والإخاء والتراحم بين الناس، من عشّاق مدرسة الإسلام الكبرى. إنّه شهرٌ تحفّز أجواؤه الروحانية الملهمة على التواصل والإبداع والعطاء بلا حدود، في مختلف المجالات.
مع مطلع هذا الشهر، أصدر «مركز الإمام الحسين للدراسات والبحوث»، «عاشوراء الحسين في 7 سنوات»، في مجلدين، من 1017 صفحة، احتويا توثيقاً لأبحاث «مؤتمر عاشوراء» خلال الأعوام السبعة الماضية، الذي كان يشارك فيه نخبة من العلماء والمثقفين من البحرين والدول المجاورة، بالإضافة إلى ما نشر عنه من مقالات وتغطيات صحافية. وهو جهدٌ مشكورٌ كانت تفتقر إليه الساحة الثقافية الإسلامية، وتولى عملية تحريره الزميل الباحث محمد حميد السلمان، الذي عُرف بكتاباته التاريخية والمسرحية والفنية. وهو من المختصين بالتاريخ البرتغالي، حيث يجيد اللغة البرتغالية واطلع على أصول الوثائق التاريخية في البرتغال، وله العديد من الكتب والكتابات عن تاريخ المنطقة الوسيط.
مثل هذا الإصدار، يعتبر محاولة توثيقية جادة، لحفظ ما أُنتج وكُتب ونُشر عن هذا المؤتمر السنوي، وما تناوله من قضايا دينية وفكرية وثقافية. وكانت هناك محاولة مشابهة، قام بها بعض الزملاء المهتمين بالشأن الديني الثقافي (فاضل عنان، علي الديري، عباس المرشد، محمد ميرزا، رباب النجار)، حيث أصدروا كتاباً توثيقياً من 539 صفحة، باسم «كتاب عاشوراء»، (2003م- 1424هـ)، إلا أن التجربة لم تستمر، ربما بسبب نقص التمويل. اليوم، تتوفر الإمكانيات المطلوبة بفضل العمل المؤسسي ضمن مركز إسلامي للدراسات والبحوث، والذي كان بدوره أحد الاقتراحات التي طرحت كـ «فكرة» في المؤتمر نفسه قبل أربع سنوات، وأخذت طريقها للتطبيق، فتم تشكيل المركز، الذي أنتج عدة إصدارات نوعية حتى الآن.
إلى جانب المجالس الحسينية، يحفل موسم عاشوراء البحرين بالكثير من الفعاليات والأنشطة المميّزة، شعرية وإنشادية وفنية، ورسم وتصوير ومسرح وأفلام قصيرة... وأغلبها يقوم بها شباب واعد، تنفتح له أبواب العطاء والإبداع في مدرسة الحسين الكبرى.
هذا الإمام، من حقّه علينا أن نتجمّل في إحياء ذكراه، واستعادة مآثره ومناقبه، واستلهام تاريخه وأمجاده، ومراجعة أنفسنا، وتصحيح أخطائنا، وخصوصاً فيما يتعلق بممارساتنا وعاداتنا وتقاليدنا، والاستزادة من كل عمل صالح اعتدنا عليه في مثل هذه الأيام من كل عام.
في محرم، الخطيب بحاجةٍ لمراجعة ما يقدّمه لمستمعيه عن الملحمة الحسينية وسِيَر أبطال كربلاء، والابتعاد عن الطرح العجائبي أو السرد المليء بالقصص غير الصحيحة والروايات المكذوبة والمبالغات المنفّرة، فليس من الإنصاف أن يشوّه بعض الخطباء مدرسة أهل البيت النبوي بما يطرحون من أمورٍ لا تستقيم مع العقل وثوابت التاريخ.
في محرم، نحن بحاجةٍ لمراجعة مدى التزامنا بأوامر القرآن، التي قد تغيب عنا أحياناً، مثل مظاهر الصرف الزائد على الأكل، وانتشار المضائف بصورة أكبر من المطلوب، بحيث ترمى كميات من الطعام الزائد في الشوارع والأزقة في مختلف المناطق والقرى ، وخصوصاً عاصمتنا الحبيبة المنامة، حيث يكاد يتحوّل موسم عاشوراء إلى مهرجان للمأكولات، بينما توجد عوائل كثيرة تعاني من الفقر الشديد.
نقولها من باب التناصح والمودة، ولسنا ضد إطعام الطعام على حبّ الإمام، فهو شرفٌ يفتخر به الجميع، ولكننا ضد الإسراف والتبذير الذي ينهى عنه القرآن، بحيث تنتهي كميات كبيرة من الطعام في حاويات القمامة.
وفّق الله الجميع لارتشاف هذا العشق السماوي في مدرسة الحسين.
الكاتب: قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/16