آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

إذا كانت “المعارضات” لا تستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض فكيف ستتعايش مع النظام؟

 

عبد الباري عطوان

انتظرنا حتى ساعة متأخرة من مساء اليوم الثلاثاء لمعرفة خريطة حضور المعارضة السورية، ومن موافق ومن مقاطع، ولكن الدخان الابيض تأخر خاصة من صومعة الرياض، لأن اجتماع الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات التي يرأسها السيد رياض حجاب في حال من الارتباك والتردد، وسط تضارب الأنباء حول الموقف النهائي.

 

الاجتماع الذي يأتي في إطار قرار مجلس الأمن الدولي من المفترض أن ينعقد يوم الجمعة المقبل، ولكن في ظل هذه الخلافات والتهديدات بالمقاطعة من هذا الفصيل أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، من الصعب أن نتوقع أي نجاح ليس فقط له، وإنما للعملية السياسية برمتها.

 

جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أبلغ السيد حجاب صراحة، في تهديد مباشر، بأنهم سيخسرون الدعم العسكري والسياسي من حلفائهم وأصدقائهم إذا رفضوا المشاركة، وأصروا على موقفهم الرافض لتعديل وفدهم، أو إضافة أي أسماء جديدة.

 

روسيا الدولة العظمى الأخرى، متمسكة بمشاركة الثلاثي الحليف لها في الاجتماع، ويضم المجلس الديمقراطي السوري برئاسة هيثم مناع، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، والجبهة الشعبية للتحرير والتغيير بقيادة قدري جميل.

 

ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي المشرف على الملف السوري، وجه الدعوات، ووضع الكرة في ملعب الجميع، وأكدت مصادر مقربة من المعارضة السورية في جنيف لـ”راي اليوم” أن الدعوة لم تذهب إلى السيد مسلم شخصيا، وإنما إلى أعضاء في حزبه لتجنب التهديد التركي بالمقاطعة.

 

***

هناك مجموعة من الاستنتاجات التي يمكن رصدها من خلال تطورات الساعات القليلة الماضية، ويمكن أن تؤشر جميعها إلى مستقبل العملية السلمية برمتها.

 

أولا: لن يكون هناك وفد مشترك، وإنما ثلاثة وفود، الأول للحكومة السورية، والثاني لمعارضة مؤتمر الرياض، والثالث لحلفاء روسيا.

 

ثانيا: إدخال تعديلات على صيغة مؤتمر جنيف بات حتميا، خاصة الفقرة المتعلقة بالفترة الانتقالية، وصلاحية هيئة الحكم التي تقودها، فالدلائل تشير إلى أن التوجه الحالي هو نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية من ممثلي السلطة والمعارضة، تعمل على تعديل الدستور، وتتولى التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية يشارك فيها الرئيس بشار الأسد وحزب البعث.

 

ثالثا: جرت مساومات في اللحظة الأخيرة لإنقاذ العملية السياسية من الانهيار، بحيث تتراجع روسيا عن إصرارها على مشاركة صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، مقابل أبعاد محمد علوش ممثل “جيش الإسلام”، وكبير المفاوضين في وفد الرياض، أي إبعاد “إرهابي” استرضاء لتركيا، مقابل آخر إرضاء لروسيا وحلفائها.

 

رابعا: بات في حكم المؤكد أن الدولتين العظميين، أي أمريكا وروسيا، هما اللذان يقرران، وأن ما على وفود المعارضة غير الطاعة والتنفيذ، وكل الأحاديث عن القرار المستقل عبارة عن أوهام.

 

من يتابع الخلافات المتفاقمة، وحالة التشرذم التي تعيشها المعارضة السورية المعترف بها من القوتين العظميين، يصل إلى قناعة ثابتة، بأن المفاوضات الضرورية والملحة هي بين تكتلاتها الرئيسية، وليس بينها وبين السلطات السورية، فإذا كانت هذه التكتلات لا تطيق بعضها البعض، ولا يتحدث أعضاؤها، أو ينسقون مع زملائهم في الفصائل والتجمعات الأخرى، فكيف سيتفاوضون مع النظام، وكيف سيتعايشون معه؟

 

هذه التدخلات الخارجية، ومحاولة القوى المشاركة في عملية فيينا استخدام “الفيتو” في اختيار الشخصيات المعارضة، ستتطور إلى ما هو اكبر في الأيام المقبلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة من أحزاب المعارضة، أن ما يحدث من تدخلات يشكل “سابقة” خطيرة تجعل من أي حكومة وحدة وطنية رهينة لسلطات الانتداب الأمريكية والروسية، ودول إقليمية أخرى في العملية السياسية.

 

الأهم من كل هذا وذاك، أن أي حكومة وحدة وطنية ستشكل، هذا، إذا قدر لها أن تتشكل، ستكون الغطاء والأداة، للحرب التي ستشن من قبل التحالف الأمريكي الروسي الجديد لتصفية الجمعات “الإرهابية”، و”جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية” على وجه الخصوص.

 

***

ألغام كثيرة، وشديدة الانفجار في طريق العملية السياسية المنبثقة عن لقاءات فيينا، ولا نعتقد أن اجتماع الجمعة المقبل سينجح في إعطاب أي منها، وسيكون مجرد لقاء، مثل لقاءات عديدة، توفر مادة إخبارية مزينة بالصور لأجهزة الإعلام، كما سيكون فرصة لوفود المعارضة والسلطة، للتبضع أيضا، مثل كل اجتماعات جنيف السابقة.

 

الثنائي كيري ولافروف يريدان تحقيق نجاحا دبلوماسيا، ولو شكليا، ويعتقدان أن جمع الأطراف المتحاربة في فندق واحد، ومفاوضات غير مباشرة، هو الخطوة الأولى، وكسر للجليد، ولكن كم مرة سيكسر هذا الجليد؟ وماذا بعد ذلك؟

 

كان الله في عون الشعب السوري الذي يتابع هذه المسرحية سواء وهو في المنفى، أو تحت القصف في الداخل، حيث يتحدث الجميع باسمه، ويدعون الحرص على مصلحته، بينما لا يتغير شيء على الأرض، إلا المزيد من القتل والدمار، وموجات النزوح، بحثا عن ملاذ آمن في صقيع أوروبا.

 

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/01/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد