قصة وحدث

قصة وحدث: قربان الأربعين "تُقى"


وردة علي..

يحدث أن تعشق الحياة، وأنت تسعى للخلود فيها تعثر بالموت فجأة وأنت في ساحة القدس التي تنتظر وصولها، كـ أن تخترق رصاصة صدرك فتُرسلك نحو الخلود الأبدي.

على طول الطريق المُمتد بين سامراء وكربلاء، كانت تتأمل بعينيها البريئتين امتداد السماء، ترسل ابتسامتها لمن حولها في الحافلة التي تقلهم إلى زيارة الأربعين، حيث احتشد العاشقون في الحافلة.

كان اليوم الثُلاثاء، الرابع عشر من شهر صفر عام 1435هـ، رددت مرارا }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي{ ومع براءة صوتها وعذوبة براءتها، ردد جميع من في الحافلة معها الآية القرآنية، وبين حين وآخر تُكرر السؤال على أمها:" متى سنذهب مع المشاية لزيارة الإمام الحُسين؟".

فما كان الجواب إلا أن تخترق رصاصة غدر حاقدة صدرها الصغير ذو الخمس سنوات، سارعت والدة "تُقى أن تحمي طفلتها، وتضمها إلى صدرها، إلا أن النفس المطمئنة رجعت إلى ربها راضية مرضية، أما أمها فقد اختار لها القدر البقاء رغم الإصابة.

رحيل الصامتين..

يقول "ماجد الجشي" والد الشهيدة تُقى في لقاء له بعد الحادث مع وسيلة إعلامية: "صغيرتي تقى رحلت بصمت دون وداع، رحلت مضرجة بدماء فجرّتها رصاصة مجهولة، كانت لا تزال تخطو خطواتها الصغيرة نحو الحياة، فكانت ضحكاتها تملأ أرجاء المكان، الذي باغتتها فيه الرصاصات الغادرة". ويروي الوالد المكلوم اللحظات الأخيرة التي رأى فيها طفلته، التي لقيت حتفها قبل سفرها مع والدتها، يتذكر أنها طارت فرحاً حينما أخبرتها والدتها بأنها ستصطحبها معها هذا العام إلى العراق، ولم تكن تدرك حينها بأن القدر كان ينتظرها هناك، وأنها لن تعود مجدداً لرؤية محيّا والداها ووجه أختها فرات"

"تقى، الوجه البريء، الذي لا يعرف سوى الضحكة الرنانة، باتت حكاياتها مثل النجوم في ليلة ظلماء، كانت شمعة متقدّة لكل من عرفها في حجّ كل عام، إذ كانت تلازم والدتها كل عام في موسم الحج فأحبّها الجميع، كلّ من رآها أخبرنا كيف كانت، وما كانت أحاديثها وكيف كان جميل سلوكها وحسن طباعها التي أثرّت في كل من حولها، وكل من عرفها وكل من كان قد رآها أو سمع عنها" هكذا يتحدث الأب المكلوم عن ابنته.

وبين صمت وحزن موجع يقول: تلك الرصاصة اخترقت الأجواء من قنّاصها المجهول، لتستقر في صدرها ففارت دماؤها من فمها، والدتها الثكلى كانت تريد أن تخبئ ابنتها في حنايا صدرها، ولكنها سقطت هي الأخرى إثر رصاصة استقرت في إحدى قدميها، فغادرت الطفلة الحياة على الفور وسط ضجيجهم وصراخهم".

رحلت تُقى القلب الكبير إلا أنها بقت شعلة تُلهم أقرانها الصغار طريق العشق إلى المعشوق.

أضيف بتاريخ :2018/10/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد