آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عدنان منصور
عن الكاتب :
وزير خارجية سابق.

في ذكرى النكبة!!! يا صهاينة الداخل العربيّ: فلسطين اغتُصَبت ولم تُبَعْ!!!

 

 د.عدنان منصور

خلال الأشهر الأخيرة، روّجت بشكل مثير ومدروس، حملة واسعة، صدرت عن شخصيات سياسية مسؤولة وغير مسؤولة، وعن جهات إعلامية، وفنية، وجامعية، ودينية، وغيرها، في أنحاء عديدة من العالم العربي، تهدف الى تشويه القضية الفلسطينية من اساسها، وتسيء مباشرة وبالصميم، إلى قضية وسمعة ونضال ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتجميل وتظريف صورة الصهاينة المحتلين، وقلب الحقائق التاريخية، رأساً على عقب، وإظهار اليهود على أنهم المغبونون والمعتدى عليهم، ويجب الاعتراف بحقهم في امتلاك فلسطين..

.. يأتي هذا، مع ما يرافق من إساءة متعمدة للفلسطينيين ولأمتهم كلها وقضيتهم، من خلال اتهامهم زوراً، من انهم باعوا ارضهم الفلسطينية الى اليهود، وبالتالي لا يحق لمن يبيع أرضه، ان يسترجعها من جديد !!!!

صهاينة وعربان الداخل العربي، أصبحوا اليوم، حماة الصهيونية و”اسرائيل”، والناطقين باسمها، والمدافعين عن احتلالها ووجودها، على حساب أبناء جلدتهم وامتهم، والواقفين في وجه المقاومين من اجل استرداد ارضهم وحقوقهم المشروعة.

هو الرابع عشر من أيار، يدون ويحدث عن نفسه. ويؤرّخ عما قبله وبعده، علّ الخونة والمرتدّين، والعملاء والمطبعين، من صهاينة الداخل، يزيلوا الغشاوة عن بصيرتهم النائمة المحنطة، ويعوا حقيقة ما جرى من احداث، ومجازر، وعمليات إبادة جماعية، وقتل ونهب، لم ينكرها الصهاينة، ولا المؤرخون الجدد، امثال ايلان باب Ilan Pappe، وبني موريس وغيرهما.

إن قرار تقسيم فلسطين عام 1947، رمى الى تأسيس دولة يهودية مساحتها 14100 كلم2، وتضم 558000 يهودي، بالإضافة الى 405000 عربي فلسطيني. ودولة عربية مساحتها 11500 كلم2 تضم 80 الف عربي، وعشرة آلاف يهودي. كما حدد القرار منطقة دولية، تضم الاماكن المقدسة، كالقدس وبين لحم، وفيها 105000 عربي، بالإضافة الى مئة الف يهودي.

قرار التقسيم هذا، تبعته اعمال إرهابية، وجرائم ومجازر رهيبة، ارتكبتها العصابات الإرهابية الصهيونية، في أنحاء عديدة من فلسطين، قبيل اعلان الدولة الاسرائيلية. اذ شنت عصابات شتيرن العسكرية، والارغون تسفاي ليومي، حملات منظمة على القرى العربية، بغية ترويع اهلها، وإجبارهم على تركها بالقوة، والتخلي عنها لليهود.

لقد رسمت المنظمات اليهودية الإرهابية، خطة محكمة، وقامت بتنفيذها بنجاح وبدقة متناهية، حتى إذا حلّ منتصف أيار 1948، وهو تاريخ اعلان قيام دولة الاحتلال الاسرائيلية، كان نصف مليون من العرب الفلسطينيين، الهاربين من المجازر والمذابح، يلجأون الى البلدان العربية المجاورة. صحيفة Hamashkif الناطقة باسم المنظمة الإرهابية شتيرن، والتي كان يقودها مناحيم بغين، كشفت عن خطة المذابح التي نفذت، حيث ذكرت ان خطط المنظمة عرضت على القيادة العسكرية اليهودية، وحظيت بموافقتها..

كانت قرية دير ياسين، بداية حلقة المجازر الرهيبة، حيث حصدت الدبابات العشرات من المدنيين، وقام الإرهابيون ببقر بطون الحوامل، وتقطيع الاطفال امام أعين آبائهم. وحول هذه المجزرة الفظيعة، نشرت الجريدة الناطقة باسم منظمة شتيرن، افتتاحية جاء فيها: “إن كل امرئ يعرف ان الهجوم على دير ياسين هو الذي ألقى الرعب في قلوب الجماعات العربية، وأدى الى فرارها المذعور.. هو المعجزة المباركة التي قوت عزائمنا، وأنزلت بالعدو ضربة اعظم بكثير، مما كان يمكن لحكمة جميع قادة الهاجانا مجتمعة أن تصنعه… ونحن نرجو ان لا تُذرف دموع التماسيح بعد اليوم على فظائع دير ياسين!!!

مناحيم بغين زعيم المنظمة الإرهابية الارغون، الذي اصبح في ما بعد رئيساً للوزراء، وحاملا جائزة نويل للسلام(!!!!) صرح معقباً على مجزرة دير ياسين: “إن هذه المجزرة لم تكن مبررة فقط، بل ودون النصر في دير ياسين، لما كانت هناك دولة اسرائيل”!!! وقال ايضاً: “انتم الاسرائيليون، عليكم ان لا تبدوا تسامحاً، وان لا تشعروا بأي شفقة، طالما لم نقض تماماً على ما يسمّى بالثقافة العربية… إن قوة التقدم في تاريخ العالم، هي للسيف. نحن نحارب، إذن نحن نكون.

قبيل إعلان دولة “اسرائيل” في 14 أيار 1948، قامت العصابات الصهيونية بطرد العرب الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، وكانت تحل مكانهم المستوطنين الجدد. وعند اعلان الدولة، اعتبرت “اسرائيل”، ان كل فلسطيني ترك منزله قبل الاول من ٱب 1948، يعتبر بحكم الغائب. وبموجب هذا القرار، صادرت “اسرائيل” ثلثي الأراضي التي كانت للفلسطينيين.

المؤرخ الإسرائيلي ايلان باب، تناول بوضوح في كتابه “التطهير العرقي لفلسطين» Le nettoyage ethnique de la Palestine،  حيث ذكر انه في 11 آذار 1948 وقبل شهرين من اعلان الدولة الاسرائيلية، وضع مخطط داليت  Daleth، حيث تم بموجبه، تهجير ثلاثمئة ألف فلسطيني، اي نصف السكان الأصليين من بيوتهم واراضيهم… كما تم تدمير531 قرية وإخلاء 11 منطقة من سكانها.

كان الفلسطينيون يمتلكون 92 بالمئة من مساحة “اسرائيل” اليوم. كما ان سكان المدن والقرى المهجورة، كانوا يمثلون 85 بالمئة من مجموع السكان الموجودين في الأراضي التي هجّروا منها. وعند تأسيس الدولة، لم يصمد سوى 92 قرية، ومئة وخمسين ألف فلسطيني بقوا تحت نير دولة الاحتلال.

استمرت العمليات العسكرية بعد 14 أيار 1948، اذ نفذت “اسرائيل” حملة عسكرية واسعة، عرفت بعملية “داني”، ادت الى احتلال اللد والرملة وإخلائها من السكان العرب. كما نفذت عمليات عسكرية اخرى، أسفرت عن احتلال بئر السبع واشدود، وإفراغها بالكامل من السكان العرب.

اما عملية حيرام، فقد أدت الى اجتياح منطقة الجليل، وتهجير ستين الف فلسطيني، تركوا ديارهم متوجهين الى لبنان. ولم يبق في جيب الجليل، سوى 12 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الدروز والشركس والمسيحيين.

لم تتوقف عمليات التطهير عند هذا الحد، بل قامت القوات الصهيونية بتنفيذ عملية تطهير على حدود دولة الاحتلال، حيث جرت حوادث عنيفة، ما دفع بـ”إسرائيل” الى مسح عدد من القرى العربية الواقعة ضمن شريط حدودي، يتراوح عرضه بين 5 و 15 كلم، من أجل إقامة منطقة خالية من السكان العرب. وبناء على ذلك، قامت القوات الإسرائيلية بتهجير سكان هذه القرى، الذين لجأوا الى الداخل اللبناني ومن هذه القرى، ترشيحا ومعليا في الجليل الأعلى، والجاعونة والخصاص والقبطية، في محافظة صفد.

هكذا تأسست دولة الاحتلال الاسرائيلية، على حساب شعب فلسطين وأرضه. المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، في كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” الصادر عام 1987، ومعه السياسي الإسرائيلي، اسرائيل شاحاك، يؤكدان أن عدد المدن والقرى العربية التي دمرتها القوات الصهيونية، بلغ بين 350 و 383 مدينة وقرية. اما المؤرخ سلمان أبو سته، وبعد دراسة مستفيضة وموثقة، والتي تعتبر من اهم الدراسات المعمقة في هذا المجال، فيؤكد أن عدد المدن والقرى الفلسطينية المدمرة بلغ 566 قرية ومدينة.

وماذا بعد؟!!!!

في 14 أيار 2020، نقول بصوت عالٍ، لكل الخونة والعملاء والمأجورين، والمتصهينين، والمهرولين باتجاه العدو الغاصب، القاتل المحتل، ولكل منافق متخاذل أفاك… للسياسي المسؤول وغير المسؤول، الملوث بفكره المنحرف… للإعلامي المرتزق المروّج للتطبيع والمدافع عنه…. للفنان الانتهازي الذي ابتعد عن قضيته، من اجل حفنة من المال والشهرة… للأستاذ الجامعي المشبع بالكراهية والحقد تجاه فلسطين والفلسطينيين… “ “للمحلل الاستراتيجي “الفذ”، المرتهن للعدو وأولياء نعمته…. “للمفكر” المدعي اللاهث وراء المنافع والمكرمات… للحزبي المتقلب المتذبذب الذي يميل مع كل ريح… لرجال الدين الذين باعوا دينهم بالمنصب والدينار، من اجل تبخير الحاكم والمسؤول، والدفاع عن سياساته التطبيعية مع العدو، بفتاوى رخيصة مقززة بعيدة كل البعد عن الدين والايمان والشرف والضمير والكرامة…. الى كل هؤلاء وغيرهم مَن هم على شاكلتهم، نصرخ في وجوههم القذرة ونقول: فلسطين لم ولن تباع… ولم يبعْها شعبها… واذا كانت العصابات الصهيونية المسلحة، قد هجرت الشعب العربي الفلسطيني، ودمّرت مدنه وقراه، واستولت على ارضه، فإن الاحتلال لن يقضي على عروبة فلسطين، ولن ينال من مقاومة شعبها، ومقاومة الأحرار في منطقتها، ولن يقضي على عزيمته في استرجاع أرضه وحقوقه المشروعة، مهما طال الزمن، وأن وقف بجانب المحتل الإسرائيلي، شذاذ الآفاق من الخوارج والمنحرفين عن قضية فلسطين، صهاينة الداخل العربي!!

جريدة البناء
 

أضيف بتاريخ :2020/05/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد