آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد سيد أحمد
عن الكاتب :
أستاذ جامعي مصري وكاتب ومفكر سياسي

سدّ النهضة بين الحلّ السياسيّ والحسم العسكريّ!

 

د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن مشكلة سدّ النهضة ودق طبول الحرب التي بدأت تتعالى أصواتها في محيطنا المصري، فمنذ بداية أحداث الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011 وكل ما يحدث سواء في الداخل المصري أو في محيطنا العربي ينبئ بأنّ هناك حرباً مقبلة لا محالة، وبما أنّ العدو الأميركي قد خطط أن تكون مصر هي الجائزة الكبرى في مشروعه المزعوم الذي يطلق عليه الشرق الأوسط الكبير أو الجديد فقد بدأت الحرب مبكراً عندما ساند جماعة الإخوان الإرهابية لتصدّر المشهد والقفز لسدة الحكم.

ومن هنا وجد العدو الأميركي ضالته في تقسيم مصر وتفتيتها بواسطة جماعة إرهابية لا تؤمن بفكرة التراب الوطني ولديها استعداد كامل للتفريط في الأرض وهي عقيدة منحرفة مخالفة للعقيدة الوطنية السليمة والتي دفعتنا لدخول حروب كثيرة للدفاع عن التراب الوطني، وبالطبع هذه العقيدة متجذرة وثابتة وراسخة لدى جموع الشعب المصري بشكل عام ولدى جيشنا البطل بشكل خاص. ومن هنا بدأت طبول الحرب تدق في الداخل المصري على شكل حرب أهلية، لكن الجيش المصري العظيم حسم الأمر برمته في 30 يونيو و3 يوليو 2013 عندما خرجت جموع الشعب مطالبة بإسقاط الجماعة الإرهابية من سدة الحكم، فأعلن انحيازه للوطن ودخل في معركة مباشرة مع الجماعة الإرهابية التي حشدت أعضاءها بالداخل، واستدعت أعوانها في الخارج للانتشار على كامل جغرافية سيناء، وتمكن الجيش من حسم معركة الداخل في رابعة والنهضة وكرداسة، وتوجه إلى سيناء وخاض معارك شرسة استمرت سبع سنوات تمكن من خلالها تجفيف منابع الإرهاب على أرض سيناء.

ومع حسم هذه الحرب مع الإرهاب بدأت طبول الحرب تدق من جديد عبر البوابة الغربية لمصر حيث ليبيا العربية التي أصبحت ساحة للصراع وهو ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر، وفي الوقت نفسه بدأت طبول الحرب تدق عبر البوابة الجنوبية لمصر حيث أعلنت أثيوبيا عن مشروع بناء سد النهضة والذي يشكل تهديداً مباشراً لشريان حياة المصريين وهو نهر النيل.

 وبعد أن أطاح الجيش المصري بالجماعة الإرهابية بدأت مصر في إدارة ملف الأمن القومي المشتعل عبر حدودها الغربية والجنوبية وهي تدرك أن الأعداء يتربصون بها وبكل خطوة تخطوها نحو تأمين حدودها المشتعلة. فالجميع ينتظر موقف مصر من ليبيا وأثيوبيا وهي الملفات التي يمكن أن تتورط مصر في حرب بسببها وهي غير جاهزة بسبب حربها مع الإرهاب في الداخل.

وهنا قررت مصر إدارة الملفين بوعي وهدوء فهي تعلم أن ليبيا قد تحولت لساحة صراع دولي ولا توجد قوى واحدة مسيطرة بعد اغتيال الشهيد معمر القذافي، وعندما تدخلت تركيا لدعم السراج تحركت مصر سريعاً وأعلنت عن مبادرة للحل السياسي وقدمتها للمجتمع الدولي، وأعلنت أن دخول القوات التركية إلى سرت والجفرة خط أحمر وهو ما يجعل تدخلنا مشروعاً للحفاظ على أمننا القومي.

أما ملف سد النهضة والذي يتقاطع مع السودان وأثيوبيا فقد تعاملت مصر معه بوعي وهدوء شديد فحاولت دائماً إطفاء النيران المشتعلة في الداخل السوداني واستنفدت كل مراحل التفاوض مع أثيوبيا. وعندما قررت أثيوبيا ملء السد بشكل منفرد من دون التوقيع على اتفاق دولي ملزم وتعالت الأصوات بضرورة ضرب السد، وهو ما يعني قيام الحرب قررت مصر الذهاب بالقضية إلى مجلس الأمن ليوقف هذا العدوان على الأمن القومي المصري، وكذلك اتجهت للاتحاد الأفريقي ليتدخل لحسم الملف سياسياً بعيداً عن محاولات بعض الأطراف الدولية إشعال النيران لدفعنا لعمل عسكري غير محسوب بدقة.

وخلال هذا الأسبوع خرج علينا ترامب كعادته مفجراً قنبلة في وجه إثيوبيا بعد أن علق المساعدات لها بسبب تعنتها في مفاوضات سد النهضة، حيث أعلن أن مصر ستضطر في النهاية إلى ضرب السد وتدميره، وقوبل التصريح باستنفار اثيوبي حيث قام آبي أحمد رئيس الوزراء باستدعاء السفير الأميركي ومطالبته بتقديم تفسير لهذا التصريح، وأعرب أنه لن يقبل بأي اعتداءات من أي نوع، وأنه لا توجد قوة يمكنها منع أثيوبيا من تحقيق أهدافها. وفي المقابل لم ترد مصر. والسؤال المطروح الآن هل مصر وهي تدير ملفات الأمن القومي دبلوماسياً وبهدوء وحكمة كبيرة مستعدة وجاهزة للحرب إذا استنفدت كل الوسائل السلمية ولم يعد أمامها خيار غير الحرب؟

والإجابة القاطعة تقول إن مصر جاهزة لكل الحلول، ففي أعقاب 30 يونيو 2013 بدأ الجيش المصري عملية بناء جديدة، حيث تنوعت مصادر السلاح، وحصلت مصر على أسلحة متطورة للغاية، جعلت الجيش المصري يتقدم للمرتبة التاسعة عالمياً، ولتأمين حدود مصر الغربية والاستعداد لمواجهة أي خطر قادم من البوابة الليبية قام الجيش المصري بتشييد قاعدة محمد نجيب العسكرية، ثم قام الجيش المصري بتشييد قاعدة برنيس العسكرية لحماية حدود مصر الجنوبية.

 ومن هنا يتضح كيف تتعامل مصر مع أمنها القومي بوعي وهدوء وتقديم الحلول السياسية والسلمية على الحلول العسكرية، ولا يمكن أن تنجر مصر لعمل عسكري من دون حسابات دقيقة، ولا يمكن أن تتأثر بكلمات أطلقها المعتوه ترامب بغرض توريطنا في حرب، فمصر وكما يعلن دائماً الرئيس السيسي تتعامل مع ملفات الأمن القومي ومنها ملف سد النهضة بهدوء شديد في محاولة لنزع فتيل أي محاولة لإشعال نيران حرب يرغبها أعداء مصر، ومع ذلك تحتفظ مصر بحقها في استخدام القوة المشروعة في أي وقت للدفاع عن أمنها القومي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

جريدة البناء

أضيف بتاريخ :2020/10/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد