آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

إصلاح السياسة الخارجية امتحان لبايدن

 

د. سعيد الشهابي

هذا هو الأسبوع الأخير الذي سيظل أمن العالم فيه مرهونا بيدي رئيس أمريكي هو الأسوأ في تاريخ هذا البلد الذي بدأ يتآكل من داخله بشكل متسارع. أهو غرور العظمة؟ أهو ضياع البوصلة؟ أهو التخلي عن الإنسانية؟ أهو ضعف داخلي أوقع السياسة الخارجية للولايات المتحدة بأيدي أطراف أجنبية لا يهمها أمن العالم؟
سيتنفس العالم الصعداء بعد أيام عندما يزاح كابوس السنوات الأربع الماضية بغياب دونالد ترامب ومايك بومبيو بشكل خاص. فهذان الشخصان ساهما في توهين الديمقراطية الليبرالية التي تسمح بصعود أمثال هؤلاء الى سدة الحكم. واذا كان هناك من غُلب على أمره واستسلم للتضليل الإعلامي اليميني فقد جاءت حوادث السادس من يناير لتظهر خطر الظاهرة الشعبوية ليس على أمن العالم فحسب، بل على أمريكا نفسها.
هذا الثنائي سعى لتصعيد الأزمات العالمية في ايامه الاخيرة، سواء بالتخطيط لشن عدوان عسكري على إيران، ام بتشجيع الإسرائيليين على مواصلة اختراق سيادة الدول العربية، ام باصدار قرارات ستكون لها تبعات خطيرة على أمن الشعوب. وجاءت الحوادث المذكورة لتمنع العدوان على إيران الذي كان الكثيرون يرجحون حدوثه قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض. ومن المؤكد ان الكثيرين من الأمريكيين والأوروبيين يأملون بانتهاء رئاسة ترامب بدون حدوث كارثة سياسية او عسكرية، لأن ترامب، كما يعرفونه، لا يقبل التحدي او الاعتراض من أحد، وانه مستعد للتصعيد بدون حدود مع منتقديه. مع ذلك اتضح كذلك ان ترامب اصبح قلقا جدا على مستقبله، خصوصا بعد ان انقلب الرأي العام الأمريكي والعالمي ضده بعد ان حرّض اتباعه على احتلال البيت الأبيض و«استرجاع أمريكا» وظهر بعد اقتحام البيت الأبيض مؤيدا لما قام به اتباعه. وربما للمرة الاولى اصبح واضحا ان القانون اقوى من الاشخاص مهما كان موقعهم.
ثمة قرارات اخرى لا تقل خطرا عن الحرب، بل ربما تؤسس لتفاقم ازمات العالم خصوصا على صعيد الأمن والاستقرار. انها قرارات لا تمس امن أمريكا او مصالحها بل تتصل بقضايا خارجية تتحرك بفعل ايديولوجية داخلية قائمة على اساس الظاهرة الشعبوية من جهة والانتماء لما يسمى «االمسيحية المتصهينة» من جهة اخرى. ولتأكيد هذه العلاقة قام بومبيو في 20 نوفمبر الماضي خلال زيارته الكيان الإسرائيلي بزيارة متحف لتكريم رموز هذه العقيدة التي تؤمن بعودة اليهود الى «الارض المقدسة» وتعتبر ان انشاء الكيان الإسرائيلي في العام 1948 كان مصداقا للنبوءات الانجيلية. وأنشئ «متحف اصدقاء صهيون» على يدي مايك ايفانز، وهو داعم مسيحي لـ «إسرائيل». وتعتبر جماعة «المسيحيون الانجيليون» من داعمي دونالد ترامب المخلصين. وسيكون من اهم داعمي مايك بومبيو فيما لو قرر ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية لاحقا. واعلن بومبيو خلال زيارته المذكورة عن خطة سياسية للشرق الأوسط منحازة جدا لـ «إسرائيل» رفضها الفلسطينيون. هذه القضايا تدفع للتقليل من التفاؤل بحدوث تغيير كبير في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة. فالرئيس المنتخب الذي يفترض ان يستلم منصبه هذا الأسبوع سيجد امامه أكواما من المشاكل التي سيخلفها ترامب، وعليه ان يتعاطى مع اغلبها بسرعة. ويبدو أن بايدن يواجه ضغوطا داخلية لطي صفحة الجانب الشخصي من دونالد ترامب، وذلك بالصفح عنه ووقف الدعاوى القضائية التي سيواجهها بعد خروجه من البيت الأبيض. مع ذلك سيكون بايدن امام التحديات الرئيسية الناجمة عن قرارات سلفه، خصوصا في القضايا الخارجية سواء في الشرق الأوسط ام مع الاتحاد الاوروبي ام الصين.

ومن القرارات التي اصبح على الرئيس الأمريكي الجديد تحديد موقف منها ما يتصل بسياسة أمريكا تجاه المسلمين والعرب، وبشكل خاص ما يرتبط بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وحرب اليمن وقضايا التحول الديمقراطي، وظاهرة الإرهاب. ولم يستطع ترامب ان يتعاطى مع اي منها بتجرد وموضوعية، ولا يمكن وصف اسهاماته في اي منها بالايجابية. فقد كان يفتقد القدرات العقلية والثقافية والدوافع الشخصية لاحداث تغييرات ايجابية، بل كانت مواقفه وسياساته تنطلق بشكل مفاجيء بدون تخطيط او تفكير، وكان يعبر عنها بتغريداته التي كان مدمنا عليها. وكان من غرائب الاقدار ان تمنع شركات وسائل التواصل الاجتماعي دونالد ترامب من الاستمرار في ممارسة هواياته التي أزعجت العالم وشجعت العنف واحدثت اكبر تهديد لما يسمى «الديمقراطية الأمريكية» منذ اكثر من مائتي عام. وهكذا أصبح ترامب يقضي أيامه الاخيرة في البيت الأبيض منبوذا حتى من نائبه، مايك بنس الذي تمرد عليه ورفض الامتثال لأوامره بتعطيل النتائج الانتخابية ورفض رئاسة بايدن. كما ان منعه من استخدام تويتر وفيسبوك وسواهما كان صفعة غير متوقعة لشخص يفترض ان يكون الرجل الاقوى في العالم. المشكلة ان هذه المواقف جاءت متأخرة بعد ان احدث ترامب من الدمار السياسي والامني والأخلاقي ما لم يفعله احد ممن سبقه في البيت الأبيض. كما ليس معلوما ما اذا كان قرار حرمانه من استخدام تلك الوسائل دائما ام سيلغَى بعد مغادرته البيت الأبيض.
ومن بين القرارات التي اتخذتها ادارته، تصنيف كافة الجهات الرافضة للاحتلال الإسرائيلي ضمن لائحة الإرهاب. وهنا ينفتح مجال واسع للجدل الفكري والثقافي بالاضافة للابعاد السياسية حول هذه القضية التي ما فتئت تتحدى العلم ومفكريه وسياسييه. فما هو الإرهاب؟ ومن هم الإرهابيون؟ وما هو العمل الذي يعتبر إرهابا؟ هذه تحديات كبيرة ليس لادارة بايدن المقبلة فحسب، بل للمجتمع الدولي الذي عجز حتى الآن عن وضع تعريفات حاسمة لما يسمى «الإرهاب». وسيظل العالم منقسما ازاء هذه القضايا نظرا لعدم تجرد السياسيين عن انتماءاتهم ومواقفهم ومنطلقاتهم عندما يناقشون قضايا ايديولوجية من هذا النوع. فمن يصنفه الأمريكيون «ارهابيا» يعتبره آخرون «بطلا» او «مضحيا». مشكلة السياسة الأمريكية انها التزمت بموقف سياسي ثابت يقضي بتوفير الدعم المطلق للاحتلال الإسرائيلي واغلقت كافة المنافذ للاطلال على القضية الكبرى من زواياها المتعددة. فالموقف الأمريكي تابع تماما للسياسة الإسرائيلية، خصوصا في ظل رئاسة ترامب ووزير خارجيته بومبيو. هذه النظرة ادت لوضع أمريكا في خانة العداء للقضايا الاسلامية والعربية، خصوصا عندما دشن رئاسته بقراره السيئ الصيت الذي يمنع المواطنين من سبع دول إسلامية من دخول الأراضي الأمريكية. ومنذ ذلك الوقت لم تتغير سياسات ترامب او بومبيو، فصدرت عنهما قرارات عديدة في مقدمتها معاقبة الأفراد المرتبطين بجهات لا تنسجم مع السياسات الأمريكية.
هل هذه السياسات الأمريكية تساعد حقا في خفض التوتر ومنع العنف ومحاصرة الإرهاب؟ هذه واحدة من اهم القضايا التي يفترض أن تحظى باهتمام الادارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن. لقد بلغت حالة الاستقطاب السياسي والإيديولوجي في العالم مستويات غير مسبوقة، وتفاقمت ظواهر العنصرية والتطرف والإرهاب لأسباب على رأسها دعم أمريكا غير المحدود للاحتلال الإسرائيلي وتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتحدي القرارات الدولية حول ذلك، وكذلك وقوف واشنطن مع الاستبداد خصوصا في الشرق الأوسط. فإن لم يلتفت بايدن لهذه الحقائق ويلجم جماح السياسة الأمريكية التي ساهمت في ذلك، فسيخيب آمال الذين راهنوا على فوزه وسقوط ترامب.

صحيفة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2021/01/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد