#تقرير_خاص: هدم الهوية: سوق الخميس الشعبي نموذجًا

عبدالله القصاب
في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تبرز قضية هدم المعالم الأثرية والتراثية كأحد أبرز التحديات التي تواجه الهوية الثقافية للمناطق المختلفة. من بين هذه المعالم، يأتي سوق الخميس الشعبي في القطيف، الذي يمثل أكثر من مجرد مكان تجاري؛ إنه رمز للذاكرة الجماعية والتراث الثقافي للأهالي.
سوق الخميس ليس مجرد سوق لبيع وشراء السلع، بل هو ملتقى اجتماعي وثقافي يجسد تاريخ المنطقة وتقاليدها. هدمه يعني فقدان جزء من الهوية المحلية، وهو ما يتعارض مع القيم الإنسانية التي تحترم التراث وتعمل على الحفاظ عليه. في معظم دول العالم، توجد لجان مختصة بالتراث تعمل على حماية المعالم التاريخية من الهدم والتخريب. لكن في السعودية، يبدو أن القرارات تتخذ بشكل مركزي دون استشارة المؤرخين أو المهتمين بالتراث.
تتجلى هذه السياسة في سياق أوسع يهدف إلى تعزيز الهوية النجدية على حساب الهويات المحلية الأخرى. بينما تُحافظ السلطات على الموروث النجدي مثل قصور الدرعية، يتم تجاهل التراث الغني للمناطق الأخرى مثل الحجاز والأحساء والقطيف. هذا التوجه يعكس سياسة تهميش واضحة تهدف إلى محو الذاكرة الثقافية المتنوعة للمملكة.
إن هدم سوق الخميس ليس حدثًا منفصلًا؛ بل هو جزء من سلسلة من عمليات الهدم التي طالت العديد من المعالم التاريخية والثقافية في مختلف المناطق. فصفوى والمسورة ورامس العوامية والجش وتاروت شهدت جميعها عمليات تدمير ممنهجة لمواقع تعكس تاريخها وتراثها.
هذا التوجه لا يقتصر فقط على المباني والأسواق؛ بل يمتد ليشمل المعالم الإسلامية والتراث الثقافي في الحجاز وجدة. إن ما يحدث هو بمثابة مجزرة معمارية تهدف إلى إزالة كل ما لا يتماشى مع الرؤية الأحادية للهوية الوطنية.
لذا، يجب أن نتساءل: هل نحن أمام سياسة متعمدة لإزالة الموروث غير النجدي؟ أم أن هناك غفلة عن أهمية التنوع الثقافي الذي يشكل نسيج المجتمع السعودي؟ إن الحفاظ على التراث ليس مجرد واجب أخلاقي؛ بل هو ضرورة لضمان استمرارية الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء لدى الأجيال القادمة.
إن دعوات الحفاظ على التراث يجب أن تتعالى لتصل إلى آذان صناع القرار. فالتاريخ لا يُكتب فقط بالأحداث الكبرى، بل أيضًا بالتفاصيل الصغيرة التي تشكل حياة الناس اليومية. لذا فإن حماية سوق الخميس وغيره من المعالم ليست مجرد مسألة محلية؛ بل هي قضية وطنية تتطلب تضافر الجهود لحماية الذاكرة الجماعية.
في النهاية، إن هدم سوق الخميس الشعبي يمثل جرحًا عميقًا في قلب الثقافة المحلية ويجب أن يكون دافعًا للجميع للعمل نحو حماية تراثنا وهويتنا المتنوعة قبل فوات الأوان.
أضيف بتاريخ :2025/02/01