الجمعة الثلاثون.. والثورة مستمرة

محمد هنية
تغيب شمس الجمعة الثلاثين على ثورة شعبنا بقطاع غزة التي انطلقت مطلع هذا العام في أواخر شهر مارس، بعد أن شارك بها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا بمخيمات العودة المختلفة، وبرغم حجم الدماء وإرهاب قناصة الاحتلال والتهديدات المستمرة والماكنة الإعلامية لشيطنة هذه الثورة، إلا أن شعبنا وشبابنا ما زالوا مستمرين، بل وتتسع المشاركة كما وتتعد أدواتها ووحداتها الثورية السلمية، أكثر من 200 يوم، وما زال الشعب متمسكا بخياره، متسمكا بأهدافه يتحرك بكل اتجاهات القطاع برا وبحرا وبكل عزيمة وإصرار.
إن الأهداف التي رفعتها الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار المتمثلة بالشكل الرئيسي بكسر الحصار بالبعد التكتيكي وتثبيت حق العودة وتطبيق القرار الأممي 194 بالبعد الاستراتيجي، هذه الأهداف ليست بالكبيرة وليست بالتعجيزية، بل هي أبسط الحقوق التي يجب أن تتوفر لأبناء شعبنا مثلهم مثل كل شعوب الأرض، لهم الحق بالحياة ولهم الحق في إنشاء ميناء ومطار يضمن حرية تحركهم، أن يشربوا ماء نظيفا، وأن تصل لهم الكهرباء، بالإضافة إلى (أن) يطبق القرار الأممي 194، وأن يعود اللاجئ الفلسطيني إلى أرضه. إن هذه الحقوق والمطالب كفلتها كل الأعراف والشرائع والقوانين الدولية ولا تتعارض معها، ولكن للأسف اللاجئ الفلسطيني يعاني منذ أكثر من 70 عاما، وقطاع غزة يكتوي بنار الحصار منذ أكثر من 12 عاما، في ظل صمت مريب وفي ظل حالة من التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.
فتحرك شعبنا وتحرك شبابنا ليطالبوا بحريتهم وحق تقرير مصيرهم في هذه الهبة الوطنية والتي تضاف للرصيد الثوري في تاريخ نضال أبناء شعبنا على طريق التحرير والاستقلال..
ولعل البعض يسأل: ماذا قدمت مسيرات العودة في ظل هذه التكلفة التي يدفعها أبناء شعبنا وماذا حققت؟؟
وقبل الإجابة يجب علينا أولا، كشعب وشباب أن ندرك جيدا أن الشعوب التي نالت استقلالها وحريتها وعاشت بكرامة، لم يكن ذلك بالانبطاح والتماشي والتساوق مع الاحتلال؛ بل كانت حالة التحرر ممزوجة بالدماء والنضال المستمر والنفس الطويل، بخلاف أن هذا الاحتلال النازي الإرهابي الذي ارتكب أبشع المجازر بحق أبناء شعبنا على مدار تاريخ الصراع دون أي مقاومة ودون أي مبرر لا يحتاج اليوم لمبررات فهذا حاله وحال كل قوى الاستعمار، وسأسرد أبرز ما حققته هذه المسيرات حتى هذه اللحظة:
1) حالة الوحدة منقطعة النظير بين مكونات شعبنا المختلفة من خلال تشكيلة الهيئة الوطنية العليا، والتي أعتبرها أرقي الأجسام التي شكلت على مدار تاريخ القضية، فهي تضم الفصائل وشرائح المجتمع المختلفة ضمن أكبر حالة تمثيل تحت علم الوطن وسقف فلسطين.
2) حالة التعبئة الوطنية وعمليات التثقيف والتوعية الواسعة بحقوقنا وزرع الروح الوطنية لدى شبابنا وأبناء شعبنا، وضرب فكرة أن الكبار يموتون والصغار ينسون ضربة قاتلة أنهت من خلالها هذه المقولة وغيرها.
3) توسيع حالة الاشتباك مع المحتل، وانخراط الجميع فيها، وفتح الميادين، وتوفير البيئة المناسبة لذلك بعد أن كانت مقتصرة على نخبة من شبابنا الفلسطيني بالإضافة لإعادة النفس الثوري من جديد للضفة الغربية.
4) التأكيد على أن بوصلتنا نحو القدس وفلسطين كل فلسطين والعمل على الحفاظ على قضيتنا، وأنه في اليوم الذي نقلت فيه السفارة الأمريكية لها انتفض الشعب وقدم خيرة أبنائه في مشهد التحام بطولي سجله التاريخ، وكان بمثابة رسالة للجميع أن شعبنا يرفض كل تلك المؤامرات، وسيعمل على بذل الغالي والنفيس من أجل إنهائها وتحرير أرضه.
5) بناء جيل شبابي أصبح أكثر إصراراً ويقيناً بحتمية العودة إلى أرضه بعد أن أزال هذه الجدران التي تحاصره بأيديه وجسده الأعزل، ووطئت أقدامه أرضه المحتلة ليعلم أن حدود أرضه ليست بيته الموجود بقلب المخيم؛ إنما لوطنه امتداد واسع، كما أخرجته من حالة اليأس والإحباط ليرسم صورة ثورية بطولية بتضحياته.
6) إعادة تفعيل "الدبلوماسية الشعبية" من خلال مؤسساتنا وأبناء شعبنا بالخارج لخوض حملة تعريفية بالقضية الفلسطينية وبمعاناة المواطن الفلسطيني خاصة بقطاع غزة.
7) إعادة الاعتبار للقضية الفلسطيني، ووضعها وفرضها على الطاولة الإقليمية والدولية، والعمل على "تدويل" حق العودة، ونشر قضيتنا العادلة بالأوساط الدولية، كما وحركت المياه الراكدة بموضوع الحصار؛ وذلك من خلال تحركات سياسية من المنطقة والاتحاد الأوروبي والعديد من الأطراف الدولية للعمل على إنهاء أزمات القطاع.
8) فضح هذا الاحتلال وتعريته بالأوساط الدولية، وكشف حقيقته الإرهابية والتي لا تأمن بوجود الفلسطيني على هذه الأرض، وعملت كحاجز أمام هرولة الكثير للتطبيع مع هذا الكيان.
9) استنزاف المنظومة العسكرية والأمنية، والتأثير على برامج الجيش حول قطاع غزة "الجدار الأرضي، المنطقة العازلة، الجدار المائي".
إن هذه المسيرات وهذه الثورة التي ما زالت مشتعلة تعتبر آداه قوية بين أيدي أبناء شعبنا؛ لما فيها من إبقاء لحالة الصراع والحفاظ على حالة الاشتباك والكثير الكثير من الإيجابيات، لذلك وجب الحفاظ عليها والعمل على تحقيق استمراريتها وديمومتها، وأن نزيد من حالة الالتفاف حولها حتى التحرير ونيل الاستقلال.
المركز الفلسطيني للإعلام
أضيف بتاريخ :2018/10/25