ثقافة بول الإبل وصور قمة العشرين
أسامة مهران ..
لم تعجبني قمة العشرين الأخيرة في بكين، لم تبهرني حركات زعمائها، ولا خطوات وزرائها، ولا حفلات استقبالها.. جميعها كانت دون مستوى التنين الصيني، وجميعها كانت إما «كوبي وان»، أو «كوبي مليون».
العنوان كان غريباً على الموضوع «دمج اقتصادات الدول النامية في الدول المتقدمة»، هل يختلط الزيت مع الماء؟ ربما لكن لن يختلط مع «الدقيق»، يعني «زيتنا لن يكون أبداً في دقيقنا»، ويعني أن «البساط مستحيل أن يكون أحمدياً» بين من يمتلك كل شيء، ومن لا يمتلك أي شيء.
صحيح أن أيقونة المؤتمر كانت مدهشة، ولكنها لم تكن ملزمة، العنوان مضحك لأنه يحتاج إلى موافقة أهالي الدول المتقدمة، إلى بصمة شعوبها، وإلى تصويت وجهائها. أما الدول الصغرى، فمثلما هو معروف لا برلمانات مؤثرة فيها، لا حسب ولا نسب ولا ثروة أو حتى «شجرة عيلة».
لا غرابة إذن لو تعالى الأغنياء على الفقراء، لو اختلفت مشيتهم على السجاد الأحمر، ولو تكبرت نظراتهم عند تفقد حرس الشرف أو أثناء عزف السلام الوطني، حتى «رصة» الزعماء خلال التقاط الصور التذكارية كانت تثير الشفقة. لذا لن يكون غريباً أن يفشل العرس البكيني حتى لو اكتملت عناصر التصدي لمناخ الكرة الأرضية، ولو اتفق الجميع على دحر الإرهاب.
كل زعيم وكل زعيمة عاد من القمة خائب الرجاء، من دون زوج أو زوجة أو عائلة مهجنة، كل شيء كان واضحاً وضوح الشمس في تظاهرة العشرين بالصين، فشل في مساعٍ، وإحباط لحالمين.
«الدول الأقل نمواً» دخلت من الباب الخلفي لـ«القمة» في حلة مراقبين، ولم تدخل في ثياب أعضاء مؤثرين، ولو كان المنظمون حريصين على تحويل الأيقونة إلى نتيجة، والشعار إلى حقيقة، لأتاحوا الفرصة للرئيس الموزمبيقي الذي لم تتم دعوته كي يتقدم «الكدر» في الصورة إياها، ولو كانت الصين الحديثة مؤمنة بعظمائها الأوائل لوجدنا الرئيس المصري في مقدمة الصفوف، حتى لو كان ذلك ضد رغبة أردوغان.
من هو المسؤول إذن عن تنظيم وقوف الوفود عند التقاط الصور؟ يقولون إنه «البروتوكول» الصيني، أو النفوذ الغربي، قد يكون، لكن من منا يفهم أكثر في فن «الإتيكيت»؟ هل هم المنظمون الذين وضعوا المراقبين، أي الضيوف، في المؤخرة، وأصحاب البيت في المقدمة؟ ربما، لكن الأكيد أن عروبتنا علمتنا أن نقدم ضيوفنا على أنفسنا، لأن الترحيب سمة عربية أصيلة، بروتوكول رباني لم يعلمنا أحد إياه، هي بالتأكيد صفات في «الاتجاه المعاكس» لما تتقول علينا به نخب محددة بأننا أمة تشرب بول الإبل، وتقدس ذبح الماشية، وتتزوج من النساء أربعاً.
المؤسف في المشهد الصيني أن النخب العربية لم تتابعه جيداً، وراحت تتحدث عن «الذين يعيشون على الأرض التي نعلم عنها كل شيء»، وعن هؤلاء المتشبثين بالعيش على السماء التي لا نعلم عنها أي شيء، هي إشارة مناطحة «محللة» بين ما يسمى بالأصولية الدينية «المسيطرة»، والعلمانية الليبرالية «المتنحية».
أولئك أو هؤلاء يؤمنون بأن الدين واللادين لا يمكن لهما أن يلتقيا أو يتفقا أو يرشدا المجتمع التائه ما بين السماء وبين الأرض.
فلا الذين يؤمنون بأن بول الإبل «يحيي العظام وهي رميم» سيظلوا مؤمنين، ولا الذين يستخدمون أدوية «التأمين الصحي» يمكن أن يكفروا بالوصفة الربانية الشافية.
أيهما أو كلاهما كفئران التجارب البيضاء، محبوسان في معمل أو منطلقان في فضاء، لا يهم، المهم أن تكون قمة العشرين قد علمتنا الدرس جيداً، «المقاطعة بكرامة، أفضل مليون مرة من المشاركة من دون كرامة».
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/09/15