آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سامي كليب
عن الكاتب :
إعلامي لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، مدير الأخبار في قناة الميادين الفضائية

مجزرة صنعاء.. هل تحسم مصير حلب؟

 

سامي كليب ..

لم تنتظر أميركا طويلا لتوجيه الاتهام إلى السعودية في مجزرة اليمن. قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي نيد برايس: «أن التعاون الأمني الأميركي مع السعودية ليس شيكا على بياض، وفي ضوء هذا الحادث وحوادث أخرى وقعت مؤخراً بادرنا بمراجعة فورية لدعمنا الذي قُلص بشكل كبير بالفعل للتحالف الذي تقوده السعودية». جاء هذا التنصل الأميركي من الرياض قبل أي تحقيق فعلي في ما حصل. جاء أيضا بالرغم من النفي السعودي الذي أعقبته دعوة سعودية إلى واشنطن للمشاركة في أي تحقيقات حول المجزرة. ليس الأمر جديدا على سياق التدهور في العلاقات السعودية الأميركية منذ فترة . وصل الأمر بالأمير تركي الفيصل إلى حد القول قبل فترة: « أن الأيام الخوالي بين واشنطن والرياض انتهت». لكن الجديد الآن هو أن موقف الإدارة الأميركية تزامن مع اشتباك مجلس الأمن بين فرنسا وحلفائها من جهة وروسيا من جهة ثانية حول حلب والذي انتهى بفشل مشروع القرار الفرنسي بالفيتو الروسي.

 

 

هل من رابط بين مجزرة مجلس العزاء في صنعاء، ومصير حلب؟

 

فيما يسيل الدم العربي غزيرا في اليمن وسوريا، يصل الاشتباك الأميركي الروسي إلى ذروته حيال الملف السوري. لم يعرف البلدان منذ اندلاع الحرب السورية هذا الكم من الاتهامات والتهديدات الجدية. تكاد لهجة التهديدات توحي بنذر الانزلاق إلى اشتباك عسكري أمام أي خطأ أو مغامرة. رفعت روسيا حجم الإنذار إلى حد التهديد بالرد على أي اعتداء أميركي أو غير أميركي على الجيش السوري أو مقار الدولة. هدد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، بأن موسكو ستعتبر أي ضربة على المناطق الخاضعة للجيش السوري تهديدا لحياة العسكريين الروس في سوريا، ملوّحا باستخدام منظومات «إس ـ 400» و«إس ـ 300» للدفاع الجوي المنشورة في قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين لصد الهجمات.

 

تبيّن ان جناح الصقور في البنتاغون الأميركي وبعض داعميه من اللوبيات والسياسيين، ما عادوا يعيرون إدارة باراك أوباما كثيراً من الجدية لناحية إيجاد حل سياسي. هؤلاء يعتبرون روسيا بحد ذاتها خطرا، ويرون أن خطرها يزداد كثيرا لو عززت وجودها في سوريا. ثمة من يقول إن إبعاد رئيس الاستخبارات العسكرية مايكل فلين، وإحالة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي على التقاعد كان في سياق تعزيز سياسية التشدد، ذلك أن الرجلين كانا ضد خطط التصعيد العسكري لإسقاط قيادة الرئيس بشار الأسد.

 

تبين كذلك من تعليقات معظم الصحف الإسرائيلية أن إسرائيل تعتبر أن «وجود صورايخ اس اي 23 الروسية في سوريا يقوّض الردع الإسرائيلي مقابل قوة الجيش السوري و«حزب الله» ويعزز قوة إيران تعزيزا غير مباشر»، وفق «يديعوت احرونوت»، وأن قرار موسكو: «نشر صواريخ اس 300 الحديثة في قواعد بحرية في سوريا سيغيّر قواعد اللعبة في سوريا»، على حد تعبير موقع «والا» الإسرائيلي، وأن «معركة حلب قد ترسم صورة العالم الجديد»، على حد تعبير صحيفة «إسرائيل اليوم»، ناهيك طبعا عن القلق الواضح الذي عبّر عنه السياسيون الإسرائيليون مباشرة أو من خلال لقاءاتهم مع نظرائهم الروس في الآونة الأخيرة.

 

أما روسيا والقيادة السورية وإيران و«حزب الله»، فهم يعتبرون أن الفرصة أكثر من مناسبة الآن لإكمال المعركة في حلب والسيطرة الكاملة على شرق المدينة. كأنما في الأمر سباق حقيقي مع الزمن المتبقي قبل الإدارة الأميركية الجديدة. لا شك بأن دماء المجزرة في صنعاء، تزيد هذا الاحتمال.

 

الواقع أن ما يحصل منذ أيام حيال حلب، يعيد الملف السوري الى خانته الأولى. حلف شمال الأطلسي وإسرائيل ليسا بوارد السماح لروسيا وسوريا وإيران بالحسم العسكري، لأن ما قد يترتب على مثل هذا الإنجاز يقلب التوازنات الدولية والإقليمية في المنطقة. ازداد القلق العسكري الأميركي والأطلسي بعد الاندفاعة الأخيرة للجيش السوري والطيران الروسي وحلفائهما في حلب، وبعدما ظهر أن تركيا التي تستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الاثنين، ضاعفت التنسيق مع الروس بقدر ما ضاعفت التنافر مع أميركا بسبب الكرد وفتح الله غولن.

 

صحيح أن فرنسا هي رأس الحربة في مشروع المواجهة مع الروس لحسابات كثيرة يرتبط بعضها بعلاقاتها وصفقاتها مع السعودية والخليج. لكن من السذاجة التفكير بأن الخطوة الفرنسية منفصلة عن مروحة أوسع تم وضع أسسها في الاجتماعات الدولية في برلين قبل أيام والتي ضمت ممثلي وزارات الخارجية في أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا. هذه الدول هي التي تقود أبرز مجريات الحرب السورية بقيادة أميركا من مركز «الموك» في الأردن وقبلها من على الأراضي التركية.

 

ما المنتظر بعد المجزرة؟

 

مع وقوع مجزرة صنعاء، ينقلب المشهد. هذا ليس أمرا عابرا. إذا كانت باريس وحلفاؤها يبنون فكرة مشروع القرار الفرنسي على أساس ما يصفونها بـ «المجازر» التي تُرتكب في حلب، فماذا سيفعلون الآن وقد ارتكبت مجزرة في وضح النهار وفي مناسبة دينية لها رمزيتها الكبيرة؟ ثم ماذا ستفعل إيران التي تجمع في ملفاتها الآن مجموعة من الاتهامات للسعودية وحلفائها وبينها تفجير السفارة الإيرانية في بيروت ومقتل الحجاج الإيرانيين في مكة وإعدام الشيخ نمر النمر في السعودية وصولا إلى مجزرة ضد الحسينية الشيعية في العاصمة اليمنية؟ إن لم تفعل شيئا فهي قد توحي بالعجز، وإن أرادت أن تفعل، فهل عندها أفضل من التحرك مع روسيا على نحو أوسع وأسرع في حلب؟

 

نحن أمام طرفين دوليين يعيشان وضعاً معقداً وهما سيدا القرار العسكري والسياسي أي روسيا والولايات المتحدة الأميركية. فروسيا التي أعاقت بالفيتو القرار الفرنسي لم تكن في موقع قوي في المجلس، خصوصا ان الصين امتنعت عن التصويت خلافا لمواقفها السابقة حيال سوريا حيث كانت تقف مع روسيا في كل مرة ليفرضا فيتو مزدوجا. والهجوم الغربي على موسكو في المجلس كان لافتا بحدته ليس فقط من فرنسا ولكن أيضا من بريطانيا وغيرها، وإدخال صواريخ مضادة للطائرات وأسلحة جديدة إلى المسلحين في سوريا يزيد الضغط على روسيا. أما أميركا، فهي ليست أبداً في وضع تُحسد عليه. إدارة أوباما تودع الحرب السورية وهي في أسوأ مراحلها. تنزلق إلى ما يشبه الحرب الباردة مع روسيا. تكاد تفقد أبرز حليفين لها في الحرب السورية أي تركيا والسعودية. ليست مصادفة أن يأتي التنصل الأميركي من السعودية بعد قانون «جاستا»، وفي أعقاب اتهامات أوباما نفسه للسعودية ودول الخليج عبر مجلة «اتلانتيك» ومع استمرار النقاشات في الكونغرس الأميركي حول الإرهاب والوهابية والسعودية.

 

لا شك بأن زيارة بوتين ابتداء من اليوم إلى تركيا قد تشي ببعض ما سيكون. فالرئيس الروسي الذي يشعر بشراسة عودة الأطلسي إلى محاولة تطويق روسيا في سوريا، يريد ضمانة أخيرة من الرئيس رجب طيب أردوغان قبل اتخاذ القرار النهائي باستكمال الحسم في حلب. سيكون أردوغان أمام خيار من اثنين، فإما أن يستمر في التقارب مع موسكو والقبول بالتخلي عن الجبهة الحلبية، أو يناور بانتظار الإدارة الأميركية المقبلة التي يعتقد أنها ستعود إلى احتضانه فيرفع الثمن. أما السعودية التي وضعتها مجزرة صنعاء أمام وضع دولي وإقليمي ويمني محرج جدا بالرغم من نفيها التورط المباشر، فهي ستحاول مع حلفائها تحويل الأنظار عن الدماء اليمنية باتجاه الجبهة الشمالية في سوريا لأن كل خطوة باتجاه اليمن من الآن فصاعدا هي ناقصة وتزيد الانزلاق إلى هذا المأزق الأمني والسياسي والمالي الكبير.

 

كل ما تقدم يشير إلى أن حلب ستكون العنوان الوحيد في ما بقي من أسابيع قبل الإدارة الأميركية الجديدة، فإما تنزلق الأمور نحو مغامرات عسكرية أميركية ـ روسية (وهذا لا يريده أي منهما) وإما يُحسم الوضع العسكري في ثاني المدن السورية لمصلحة استعادتها من قبل الجيش السوري وحلفائه بغطاء روسي...

 

حلب هي الرد الوحيد في الأيام المقبلة على ما حصل في صنعاء. هذا يثبت مرة أخرى أن الجبهات متداخلة، وان الصراع الحقيقي في المنطقة ليس صراعا سورياً ـ سورياً، ولا يمنيا ـ يمنيا، ولا إيرانيا سعوديا، ولا تركياً ـ إيرانياً، بل هو عودة وأكثر من أي وقت مضى إلى صراع أميركي ـ روسي بامتياز. لا شك بأن أميركا غاضبة على السعودية لشعورها بأن ما حصل في صنعاء ضربة مباشرة لها وهي على حلبة الصراع حاليا مع موسكو. هذا على الأرجح ما برر سرعة التنصل من التحالف بقيادة السعودية وتوجيه ما يشبه الاتهام الأميركي إلى الرياض.

 

إذا أراد أوباما مخرجا سريعا له من المأزقين السوري واليمني، فقد يجد في مجزرة صنعاء ذريعة لتبرير تفاهم أخير وسريع مع بوتين حيال سوريا. هذا ممكن حتى ولو صار بالغ الصعوبة بعدما عاد صقور البنتاغون إلى الواجهة في المنافسة الدولية الشرسة مع روسيا.

 

صحيفة السفير اللبنانية

أضيف بتاريخ :2016/10/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد