آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سامي كليب
عن الكاتب :
إعلامي لبناني يحمل الجنسية الفرنسية، مدير الأخبار في قناة الميادين الفضائية

السعودية تطوّق إيران.. ماذا عن سوريا؟

 

سامي كليب ..

وقّعت السعودية وتركمانستان قبل يومين 9 اتفاقيات تعاون لمناسبة زيارة الرئيس التركمانستاني قربان محمدوف. هذه خطوة سعودية إضافية في محاولة تطويق إيران، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم.

 

في هذا الهجوم، جرى عرض القوة الأول في البحرين عبر إدخال قوات درع الجزيرة في العام 2011. ثم كان انخراط السعودية ضد الرئيس بشار الأسد، ثم «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين، وصولا إلى سلسلة من التحالفات العسكرية والسياسية الخليجية والعربية والإسلامية التي سبقت أو أعقبت الحرب اليمنية. في كل هذا، تبدو إيران المستهدف الأكبر.

 

التطويق الديبلوماسي

 

يوماً بعد آخر، يتضح أن لدى العرش الحالي «رؤية» سياسية وديبلوماسية وعسكرية، سبقت «الرؤية السعودية 2030» الاقتصادية والاجتماعية التي أعلنها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل أيام. ليس في الأمر ردة فعل عابرة، بل هي خطة ممنهجة يراد لها إحداثُ استنهاضٍ عربي وإسلامي وسنّي ضد الجار المُقلق.

 

لنبدأ بأوزباكستان وآسيا الوسطى:

 

تركمانستان دولة بمساحة أسبانيا. فيها خامس احتياطي غاز في العالم. كانت إيران في طليعة من اعترفت باستقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991. باتت ثاني شريك اقتصادي لها بعد روسيا. تقاربت وتنافرت معها بشأن بحر قزوين المحاذي للبلدين. ها هو الآن رئيس أوزباكستان يدعو أثرياء السعودية للاستثمار في تنفيذ مشروع خط أنابيب غاز هائل ينطلق من بلاده ويمر في أفغانستان وباكستان والهند، وها هو يحصد في الرياض 9 اتفاقيات تعاونية.

 

لو نظرنا إلى الخريطة الجغرافية، فإن تركمانستان هي من أكبر الدول المجاورة لإيران تليها أفغانستان وباكستان وأذربيجان (التي تستخدمها إسرائيل قاعدة ضد إيران حاليا) وبحر قزوين شمالا وبحر عُمان جنوبا. ولو ابتعدنا أكثر نجد أوزباكستان وكازاخستان والهند وغيرها.

 

كثّقت السعودية مع جميع هذه الدول علاقاتها في الفترة القصيرة الماضية. قبل يومين مثلا عرضت الحكومة الأوزبكية على السعودية أسهماً استثمارية للمشاركة في اثنتين من أكبر شركاتها: Qizilqumsement و Investroy Navoiyazot.

 

والى تركمانستان وأوزباكستان، فإن وزير خارجية كازاخستان يقول بعد لقائه نظيره السعودي عادل الجبير في آخر الشهر الماضي «إن إستراتيجية كازاخستان لعام 2050 ورؤية السعودية لعام 2030 ترسيان أسساً قوية لتطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين»، وتنتظر الرياض في الخريف زيارة الرئيس الكازاخستاني.

 

نعود قليلا إلى الوراء، فنجد أنه في مطلع العام الماضي بدأت سلسلة لقاءات بين الرياض ودول آسيا الوسطى تحت عنوان «العلاقات السعودية مع دول آسيا الوسطى وبحر قزوين». شارك فيها ممثلو خمس دول هي: أذربيجان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغستان، طاجيكستان. جميع هذه الدول تقريبا مهمة لإيران.

منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، تضاعفت أعداد المساجد مرات كثيرة، وتضاعفت أيضا الحركات والجمعيات والمنظمات الإسلامية. كثير منها تلقى أموالاً من الخليج أو تركيا في إطار نشر الدعوة الإسلامية. لكن قليلها انحرف عن الدعوة لينحو صوب التكفير والإرهاب فيهدد روسيا والجوار الإيراني. بعضها الآخر راح يطالب بقلب الأنظمة في آسيا الوسطى وإقامة الخلافة الإسلامية.

 

كشف جهاز الأمن القومي الأوزباكستاني مثلا عن 5 آلاف من أعضاء «حركة أوزبكستان الإسلامية» يقاتلون في صفوف «داعش». وهناك حركات متشددة وتكفيرية أخرى ستسعدها مقاتلة إيران في سوريا والعراق، حتى ولو أن السعودية نفسها باتت مهددة بالإرهاب «الداعشي» و «القاعدي» على أراضيها.

نبقى في آسيا، لنجد تحولات لافتة في باكستان: البرلمان الباكستاني يعلن قبل أسابيع أن «أمن السعودية وسيادتها من أمننا». في اليوم التالي لهذا الإعلان، أعلنت إسلام أباد والرياض رفع التعاون الاقتصادي إلى «المستوى السياسي والعسكري المميز». بعدها قرر الرئيس الباكستاني منح المستثمرين السعودية أولوية الاستفادة من التسهيلات الاقتصادية. أما الأخطر من هذا فهو تحرك الإسلاميين ضد طهران، فهذا رئيس جمعية مجلس علماء باكستان الشيخ طاهر محمود الأشرفي يحذر «من المخططات الهدامة لإيران في المنطقة»، خصوصا في سوريا والعراق واليمن.

 

تمدد الطوق السعودي

 

الطوق السعودي يتمدد صوب دول أخرى. هذه اندونيسيا مثلا قررت مؤخرا إعفاء السعوديين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها. كثَّفت المشاريع المشتركة مع الرياض وأعلنت وكيلة وزارة تجارتها: «السعي لرفع حجم التبادل إلى 10 مليارات دولار». علما أن السعودية تحظى بنسبة 20 في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في إندونيسيا (نحو 6 مليارات دولار).

 

نجحت السعودية كذلك في سحب بعض الدول من الفلك الإيراني. فجزر القمر التي كان زائرها يجد أسماء إيرانية كثيرة في شوارعها: «مستشفى الإمام الخميني»، «المركز الثقافي الإيراني»... أعلنت قبل أسابيع قطع العلاقات مع طهران، تماماً كالصومال والسودان (ذي العلاقات القوية سابقا مع إيران). وها هي جيبوتي تعلن عن قرب إنشاء قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها. هذه الدول مهمة جدا للأمن في البحر الأحمر وفي الحركة السعودية لتطويق الدور الإيراني.

 

لو أضفنا إلى ذلك أن مصر تعتبر أن السعودية تخوض الحرب عنها ضد «التمدد الإيراني».. (ليس من قبيل الصدفة هذا الاتفاق حول جزيرتي تيران وصنافير).. ولو أضفنا أن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمملكة المغربية (التي أهداها الخليجيون اعترافهم بمغربية الصحراء ضد الجزائر وتؤيدهم تركيا) والأردن (الذي تتحرك فيه القوانين لمصلحة تعزيز الوجود الفلسطيني وتنظر إليه إسرائيل كوطن بديل لإنهاء الصراع) ومجلس التعاون الخليجي يسيرون جميعا، في الوقت الراهن، خلف الطموح السعودي، نفهم أن الأمر أكثر من مجرد ردة فعل أو صراع عابر.

 

أين الخطر على السعودية؟

 

ثمة 4 أخطار كبيرة في الوقت الراهن:

أولها داخلي. فالرؤية التي طرحها الأمير محمد بن سلمان تم النظر إليها على أنها «بيريسترويكا» تيمناً بما قام به ميخائيل غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي السابق. لا تقتصر هذه الرؤية على اقتصاد ما بعد النفط وعلى حركة إصلاحية تنموية واقتصادية لافتة للانتباه، وإنما مسّت بمحرّمات وهابية تتعلق بالتربية والفن والمسرح والمرأة وغيرها. يمكن رصد بعض الامتعاض في عدد من ردود الفعل الدينية في الداخل. لكن الردود قد تكبر أكثر وتصبح أخطر بعد حين، خصوصاً إذا ما تم التضييق أكثر على «المطاوعين» وعلى حركات النهي عن المنكر وغيرها من التفرعات الوهابية المتشددة. كما أن البعض (ليس فقط بين المشتددين الإسلاميين وإنما في السلطة نفسها) قد لا يريد للأمير الشاب النجاح، لأنه بدأ فعلياً يخطف الضوء من الجميع.

 

 

ثانيها إيراني: فطهران ليست جالسة تنتظر استكمال مشاريع التطويق السعودية. هي موجودة بنسب متفاوتة في ثلاث جبهات مشتعلة ومحيطة بالمملكة أو قريبة منها، أي العراق وسوريا واليمن. ثم ان طهران تنسج هي الأخرى علاقات قوية مع دول تسعى الرياض لجذبها (مثلا مناورات عسكرية مشتركة إيرانية ـ باكستانية، وقمة شنغهاي وقمة الدول المشاطئة لبحر قزوين، وعلاقات مع أرمينيا ودول في آسيا الوسطى، إضافة إلى العلاقة الإستراتيجية حاليا مع روسيا... الخ). ماذا ستفعل طهران لو اشتد الهجوم السعودي؟ هذا سؤال كبير.

 

 

ثالثها سوري: فالمعركة حامية الوطيس حاليا في الشمال السوري تنذر بكل الاحتمالات. ماذا لو خسرت السعودية المعركة في سوريا ضد المحور السوري الروسي الإيراني و «حزب الله»، في ظل غض طرف أميركي؟ هذا سؤال أيضا كبير ومفصلي.

 

 

رابعاً إسرائيلي: واضح أن إسرائيل تسعى لدفع الرياض لفتح علاقات علنية معها. واضح أيضا أن ضغوط اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأميركي على الرياض قد تهدف أيضا إلى دفع الحكومة السعودية صوب إسرائيل على أساس أنها خلاصها ضد إيران ولرفع الضغوط الغربية والأميركية. لو حصل هذا فإن السعودية ستقدم أكبر هدية لإيران ومحور المقاومة وتزيد المخاطر الداخلية والخارجية ضد نفسها.

 

 

خامساً دولي: ذلك أن قرار البرلمان الأوروبي وقف تصدير السلاح إلى السعودية بسبب اليمن، وارتفاع الانتقادات الغربية حيال الإرهاب وحقوق الإنسان، مقابل الترحيب بإيران، يضع المملكة أمام وضع دفاعي. نلاحظ مثلا في الفترة الأخيرة، تزايد الدعوات في الكونغرس وخارجه لرفع السرية عن ملفات هجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية على أميركا، وتسريب معلومات عن أميرين ربما كانا متورطين بتمويل أسامة بن لادن.

 

سعت الرياض (وخصوصاً الأمير محمد بن سلمان)، إلى تقديم «رؤية السعودية 2030» على نحو طموح ومغر للشركات الغربية الكبيرة التي يتقاطر الكثير منها حاليا صوب الأسواق الإيرانية. سعت أيضا الى إقناع الغرب بأن المملكة مقبلة على ثورة داخلية اقتصادية وإنمائية وثقافية وتربوية ونسوية وفنية... هذا مهم، لكن الأهم، يبقى في الجبهات المشتعلة وفي الصراع العالمي على المنطقة. وفي طليعة الجبهات سوريا.

 

هذه الصين مثلا وقفت إلى جانب روسيا في ثلاثة «فيتوات» لمصلحة دمشق والرئيس بشار الأسد. هذه سابقة في تاريخ بكين التي تربطها بالسعودية أهم علاقات تجارية مع دولة عربية (70 مليار دولار تقريبا).

 

وما دام العالم مستفيداً من الصراع السعودي الإيراني (أسواق السلاح وطلب الحماية والاقتصاد)، فمن الصعب السماح لأي منهما بالانتصار على الآخر، على الأقل لفترة غير قصيرة.

 

يبقى أن السعودية طرحت رؤيتها للأعوام الـ14 المقبلة، وإيران بدأت بتغيير بعض مناخاتها الداخلية صوب تعزيز التيارات المعتدلة والإصلاحية، فتساوت بذلك الاثنتان في تقديم نماذج «تغري» الغرب.

 

لكن السؤال الأهم: ماذا سيفعل المحافظون والمتشددون في الدولتين؟ هذا أيضا سؤال كبير وخطير وربما ينتظر الإدارة الأميركية المقبلة. وبانتظار ذلك فعمليات التطويق المتبادلة بين السعودية وإيران مستمرة، ويستمر معها النزف العربي. ليس من قبيل الصدفة تزامن انهيار الوضع في حلب، وانهيار المفاوضات اليمنية في الكويت، وتدهور الوضع في العراق بعد تصعيد تيار مقتدى الصدر الذي هتف بعض أنصاره ضد طهران و «الحشد الشعبي»، قبل أن يُستدعى إلى إيران. لكن سوريا تبقى هي الفيصل.

 

صحيفة السفير اللبنانية

أضيف بتاريخ :2016/05/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد