تقرير خاص - التدخل السعودي المباشر في سوريا.. خطوة بعد فشل الوكيل؟
أعلنت المملكة السعودية يوم الخميس عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم "داعش" في حال موافقة "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن. الإعلان السعودي، سرعان ما باركه البيت الأبيض.
إعلان الرياض الذي جاء على لسان العميد الركن "أحمد عسيري"، أحدث موجهة من ردود الفعل التي غلب عليها طابع التهكم والاستهجان، سواء في المواقف السياسية لبعض الدول، او حتى في التعليقات الصحافية على الموضوع.
هل غلبتم في اليمن؟
أولى المواقف خرجت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا"، فعلقت على إعلان المملكة، متسائلة عن وضع العمليات التي تقوم بها الرياض في اليمن، بالقول: "أخاف أن أسأل.. هل غلبتم الجميع في اليمن؟".
ومن إيران، أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء "محمد علي جعفري" أنّ "المملكة لا تملك الشجاعة لإرسال قوات برية إلى سوريا .. وحتى إذا أرسلوا قوات فإنها ستهزم حتما … سيكون انتحاراً". وسخر معاونه العميد "حسين سلامي" من الأمر واصفاً الإعلان السعودي بأنّه "ليس أكثر من نكتة سياسية"!
أما سوريا، وهي الطرف المعني مباشرة، فقد حذّر وزير خارجيتها "وليد المعلم" من أن أي تدخل بري في سوريا وبدون موافقة حكومته، سيتم التعامل معه على أنه "عدوان"، مؤكداً أن "أي معتد سيعود بصناديق خشبية إلى بلاده".
ورأى وزير الخارجية السوري أن الإعلان السعودي هو تنفيذ للأجندة الأميركية، مضيفاً: "بعد انتصارات الجيش العربي السوري يئس المتآمرون والممولون من أدواتهم في الميدان وقرروا أن يدخلوا بأنفسهم… أستبعدُ مشاركتهم بقوات برية ولكن في ذات الوقت أراجع قراراتهم المجنونة التي اتخذت ليس ضد اليمن فقط بل في مناطق أخرى ولذلك لا شيء مستبعد."
وكرر المعلم السؤال الروسي: "ماذا فعلت السعودية في اليمن وهل أفلحت؟".
أزمات داخلية وخارجية
التهكم السياسي، استتبعه استهجان في التعاطي الصحفي مع الخبر. فوصف محللون الحرب التي تزمع السعودية خوضها بشكل مباشر في سورية بأنها "انتحار"، في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها النظام الحاكم. تتوقف التحليلات عند الأزمة الاقتصادية التي تواجه دول الخليج وعلى رأسهم السعودية، التي شهدت عجزاً قياسياً قُدّر بثمانين مليار دولار، في الموازنة الأخيرة التي أُعلنت في "ديسمبر" الماضي، وذلك على خلفية الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية، وسياسة الإنفاق السعودي.
وسبق لصحيفة "الاندبندنت" البريطانية، أن أشارت في تقرير إلى أن المملكة تحرق المليارات من مخزونها المالي بشكل غير مسبوق للحفاظ على سعر النفط المتدني "٥٠ دولاراً للبرميل"، وفي نفس الوقت تلبي الاحتياجات الخاصة بالعدوان الذي تشنه ضد اليمن وحربها في سورية.
وهنا، ينقل المغرد "مجتهد": "كما يتساءل الضباط عن سبب اتخاذ قرار بالمحاربة في ميدان صعب مثل سوريا رغم استمرار المواجهة مع الحوثيين والتي لا تجري لصالح الجيش السعودي".
فالرياض لا تزال غارقة في المستنقع اليمني أكثر بلدان العالم فقراً. فخلال ما يقارب عام منذ شن الحرب، تكبّد الجيش السعودي أكثر من 2000 قتيل و4850 جريحاً في هذه الحرب المفتوحة، بالإضافة إلى ذلك فقد خسر 450 دبابة ومدرعة و4 طائرات أباتشي وطائرة ف-15 وتدمير 3 زوارق وإصابة 2، وفق ما أعلن المغرد "مجتهد" في ديسمبر الماضي.
ورغم التكاليف الباهظة التي أُنفقت على حرب اليمن، لم تستطع القوات السعودية البرية والجوية معاً من تحقيق أي هدف مُعلن، أو كسب أي إنجاز ميداني أو إستراتيجي في حرب جهدت المملكة للتحشيد لها.
تداعيات دخول قوات سعودية إلى سوريا
وبحسب الدكتورة المصرية "نهى بكر"، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن السياسات الخارجية السعودية تفتقر للحكمة السياسية، لاسيما فيما يتعلق بسوريا. وقد تساءلت "بكر" في حديث مع صحيفة "المصري اليوم": "بأي قوات ستشارك السعودية في سوريا"؟ مشيرة في الوقت نفسه أن "الكثير من الإعلانات مع عدم فعل شيء يؤثر على مصداقيتها".
وترى "بكر" أن "هذا الإعلان جاء لرغبة السعودية في تكوين دور إقليمي داخل المنطقة بجانب الفزع من الاتفاق النووي الإيراني".
ودعت السعودية إلى التعامل مع الأمر بعمق أكثر، مؤكدة بأن: "المشكلة لن تحل بإنزال قوات برية، وفي حال هزيمتها ستصب لمصلحة "داعش".
"مواجهة داعش تتطلب صدق نوايا دول العالم حول هدف واحد هو القضاء على التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، وليس التخلص من بشار الأسد أو القيام بدور أكبر أو التخلص من المد الشيعي، إضافة إلى ضرورة التنسيق بين القوى الدولية، لاسيما روسيا والولايات المتحدة، فاختلاف المصالح يصب في صالح داعش"، تقول "بكر".
وفي تصريح لصحيفة "خبير"، يقول أحد المهتمين بالشأن الاقليمي إن المملكة تنتهج خيارات تقود إلى المجهول، في ظل عدم وجود انجازات وإخفاقات دائمة، وعجز اقتصادي. يضيف: "السعودية فشلت في تحقيق أي هدف في اليمن في وقت كانت تواجه به طرفاً واحداً، فكيف ستحقق انتصارات في ميدان معقد ومشتعل كما في سوريا".
في تقرير آخر، علقت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، على قرار المملكة، فكتب محرر شؤون الدفاع "كيم سينغوبتا": "يتوجب التحذير من أن القوات التي سترسلها السعودية إلى سوريا قد تجد أنها في مواجهة مع قوات إيرانية أو قوات شيعية أخرى موالية لنظام بشار الأسد". ورأى "سينغوبتا" أن ذلك سيمثل موقفاً ملتهباً، وأن تداعيات إرسال القوات "لن تقتصر على الحرب في سوريا، بل ستمتد للمنطقة بأسرها".
تحذيرات "الاندبندنت" تبدو واقعية بالفعل، في ظل المشهد الطائفي المشحون في المنطقة. النار السعودية لن تقتصر على سورية، التي لا تجمعها حدود مشتركة بالمملكة، لأن الحرب التي يُحشد لها طائفياً، ستمتد إلى الداخل الخليجي، في مشهد قد يستدعي حقبة الثمانينات إبان الحرب التي رعتها الخليج ضد إيران. ولن يكون الانفجار الخليجي صعباً، في ظل التأزم الداخلي الذي تغذيه الممارسات الرسمية.
بعد شهر، تكمل السعودية أعواماً خمس في حربها بالوكالة في سوريا، تخوضها بتنظيمات برية مسلحة من مختلف الجنسيات أنفقت عليها ميزانيات ضخمة دونما نتيجة… فهل حان الوقت لتدخل السعودية مباشرة في المواجهة؟
أضيف بتاريخ :2016/02/07