تقرير خاص - رفض مصري لـ ’الحرب على سوريا’ رغم الهبات السعودية
محاولة جمع الحلفاء، التي قامت بها المملكة السعودية، للحرب على سوريا، عبر الإعلان المتكرر عن عزمها إرسال قوات برية، أو الزيارات، والوعود بالمساعدات، والهبات، لم تفلح في استمالة الجانب المصري للدخول في الحرب ضد سوريا.
لم ترفض مصر أن ترسل قوات برية إلى سوريا فحسب، لكنها رفضت أي تدخل بري في سوريا. وزير الخارجية المصري "سامح شكري" اعتبر في مقابلة مع "ديتشه فيلله" أن الحلَّ العسكري في سوريا أثبت خلال السنوات الماضية عدم جدواه، وأن الحلول السلمية هي الوسيلة المثلى لتحقيق وحدة سوريا.
ومع بدء الضربات الروسية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا، كانت مصر أول المرحبين بالدور الروسي، ما دفع بمستشارة الرئيس السوري "بثينة شعبان" إلى الإعراب عن شكرها لـ"تأييد مصر للقدوم الروسي إلى سوريا"، ورأت أنّه "بفضل دعم هذه الدول وصمود الشعب السوري والجيش السوري لم يتمكن الغرب من تحقيق أهدافه في سوريا".
"أمن سوريا من أمن مصر"
العلاقة بين مصر وسوريا عميقة بعمق تاريخ البلدين، تربو على اختلاف السياسات والمواقف، وتعاقب الحكومات، ورغم محاولة "جماعة الإخوان"، في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، قطع العلاقات مع سوريا، فقد ظلّت خيوط العلاقة ممتدة وعصيةً على القطع.
ينقل الصحفي والكاتب المصري الراحل "محمد حسنين هيكل" أن الرئيس المصري السابق محمد مرسي أبلغ المشير عبدالفتاح السيسي بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية قبل ساعات من إلقاء الخطاب، وهو ما لاقى اعتراضاً من الأخير، فلفت نظر مرسي إلى ضرورة الإبقاء على العلاقات بين الشعبين السوري والمصري، وقال له: "من الأفضل أن يبقى العلم المصري يرفرف في سوريا والعلم السوري في مصر"، وفق ما نقل هيكل. "لكن مرسي أصر وقال له أنا اتخذت القرار واتصلت بك لأبلغك فقط".
في إحدى مقابلاته في "يونيو ٢٠١٣" ميلادي، انتقد هيكل كلام الرئيس مرسي عن قطلع العلاقات بين البلدين، موضحاً كيف ينظر المصريون إلى سوريا. وقال هيكل إن أمن سوريا واستقرارها هو من أمن مصر واستقرارها، كما أن سوريا تشكل الرابط الجغرافي لمصر بقارة آسيا، مضيفاً أن الأمن القومي المصري يستند إلى الوجود في سوريا، وأن خروج مصر من سوريا يعني خروجها عملياً من آسيا بالكامل.
يفّسر كلام هيكل، ما كشف عنه الرئيس السوري بشار الأسد قبل أشهر، من أنّ العلاقات مع مصر لم تنقطع، رغم إعلان محمد مرسي قطعها، موضحًا أنّ النخب السياسية في مصر حافظت على العلاقة، والتواصل مع سوريا.
مصر وسوريا… تهديدات مشتركة منها: تركيا
ما الذي يجعل مصر اليوم أكثر حرصاً على عدم سقوط النظام السوري؟
القصة تكمن في التهديدات المشتركة المتمثلة بتنيظم "الإخوان المسلمين" المحظور في البلدين، وبالجماعات الإرهابية التي تحسب نفسها على الإسلام، ولا تتوانى عن تبني التفجيرات التي تحصد مدنيين وعسكريين سواء في مصر أو سوريا، تحدٍ آخر يتمثل بتركيا العدو اللدود لكل من مصر وسوريا. تمثل تركيا رأس التيار الإخواني في المنطقة، وتتهم بإمداد الجماعات بدعم ليس أقله تسهيل مرور مقاتليهم عبر أراضيها.
اليوم يبدو واضحاً أنّ الحليف الأساسي للسعودية في تدخلها العسكري بسوريا هي تركيا، وتذهب الأخيرة للتلويح بعزمها على دخول الميدان السوري بجيشها أيضاً تارة تحت عنوان إنشاء منطقة عازلة، وتارة أخرى تحت عنوان محاربة الأكراد، الذين ترى فيهم تهديداً وجودياً للأتراك.
أمام هذا المشهد يبدو الموقف المصري المعارض لأي تدخل بري في سورية مفهوماً. يعتقد المصريون أن أي تدخل بري لن يكون في صالح الجيش السوري، بل إنه سيأتي لصالح تعزيز قوة الجماعات الإرهابية، التي لطالما تلقت الدعم من تركيا ودول الخليج تحت عنوان "دعم المعارضة المعتدلة لاسقاط نظام الأسد". ما يعني أن أي تدخل بري في سوريا، سيمنح خصوم مصر مزيداً من النفوذ في المنطقة، وسيقضي على امتداداها الجغرافي في آسيا، وسيضعضع أمنها القومي المتمثل بسوريا الموحدة تحت حكم الرئيس الأسد.
التمايز المصري-السعودي لم ينحصر في الإطار النظري لناحية الموقف غير المعلن من سوريا، بل هناك عدد من المؤشرات العلنية التي يمكن أن يُبنى عليها، آخرها ما جرى اليوم لناحية السماح لوفد رسمي لحزب الله اللبناني بدخول مصر، لنقل تعازي أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وقيادة الحزب إلى أسرة الراحل محمد حسنين هيكل، في العزاء الذي أقيم له بمسجد عمر مكرم في القاهرة. ففي الوقت الذي تخوض فيه المملكة حرباً سياسية معلنة مع حزب الله، وتعاقب الحكومة اللبنانية تحت عنوان "مصادرة الحزب للقرار اللبناني"، تفتح مصر أبوابها أمام وفد الحزب!
وبالعودة إلى الموقف الرسمي المصري من التدخل البري في سورية، يحيلنا هذا الكلام إلى ما كتبه مدير عام قناة الجزيرة السابق الأردني "ياسر أبو هلالة"، كاشفاً أنه "منذ الأيام الأولى للانقلاب، سرّب العسكريون (المصريون) لوكالة رويترز أخباراً أن من دوافع انقلابهم موقف الرئيس محمد مرسي تجاه سورية."
إذن فالرفض المصري للحرب في سوريا، جاء لحماية مصر أولاً، التي لن تكون بمأمن من تسلط وخطر الجماعات الإرهابية، إن حدثت هذه الحرب. فهل تدفع الحرب، إن وقعت، مصر للدخول في تحالف علني مع سوريا وحلفائها؟
أضيف بتاريخ :2016/02/23