خليجية

كيف تحوّلت "عُمان" لواحة التعايش في محيط طائفي ملتهب ؟


لم يزل الإنسان هو ذلك الكائن الضعيف يتأثر بعدد من العوامل المحيطة به، وتتشابك عدد من الظواهر والظروف في تكوين شخصيته وتشكيل مزاجه وهُويته، بل وحتى ربما دينه الذي يدين الله به، هذا التأثر هو نفسه يحدث بين الدول بمالها من علاقات قوية ومصالح متبادلة ، فضلا عن كونها تدين بدين واحد ، وجغرافيا مشتركة ، في بقعة على وجه الأرض، عصفت بها الطائفية في جو ملتهب خانق ، تسمى "شبه الحزيرة العربية"،أو "الخليج العربي"،أو سمها ماشئت من المسميات .. لكن السؤال المحير حيناً والباعث على الأمل حيناً آخر هو: كيف تحوّلت "عٌمان" لواحة التعايش في محيط طائفي ملتهب ؟

عُمان ، كما يراها الكثير بأنها واحةً للاعتدال والتسامح الديني في المنطقة، تتميز عن جاراتها بأنها البلد الوحيد في العالم العربي الذي تعتنق غالبية سكانه مذهب الأباضية، وهو مذهب إسلامي لا سني ولا شيعي، وهي أيضا البلد العربي الوحيد الذي نشأت فيه تقاليد دينية متسامحة بحق، إذ من الشائع في عمان مثلًا أن يصلي ذوو المذاهب الإسلامية المختلفة في مساجد بعضهم.

و استطاعت سلطنة عُمان أن تنقل أجواء التسامح الديني الحقيقية والنقية والصادقة إلى العديد من دول العالم، لا سيما في الدول الغربية التي رحبت بهذه الخطوة عبر سلسلة المعارض التي حملت اسم "معرض التسامح الديني" والتي قارب عددها حتى الآن حوالى 30 معرضاً، يضاف إلى ذلك إشادات من قيادات وأساتذة دراسات الأديان في بعض الدول ، بالتوجه العُماني العام، عرفاناً بالدور الإنساني والقيادة الحكيمة ودعم السلام والعدالة وتشجيع التعايش المشترك، إلى جانب التعريف بالإسلام ونشر ثقافة التفاهم والتعايش السلمي بين الشعوب والاعتدال الشامل، ونقل تجربة سلطنة عمان إلى الأمم والشعوب.

و إلى جانب قيامها بتعزيز ركائز البناء الداخلي الذي يوفر حياة كريمة لأبنائها، فإنها تولي أيضاً اهتماماً كبيراً بعلاقاتها الخارجية على الأصعدة كافة وخاصة في ما يتعلق بالتقارب بين الأديان والتواصل مع الحضارات وانتهاج أسلوب التفاهم والحوار مع الدول كافة، دعماً للتعاون والسلام والاستقرار.

و ما تقوم به من دور يعكس إيمانها العميق بالتعايش الإنساني والتقارب بين الأديان والمعتقدات كافة، يوضح سياسية الاعتدال التي تنتهجها سلطنة عُمان في علاقاتها الخارجية ومدّ يد الصداقة والمودة إلى الشعوب كافة مما كان له أبلغ الأثر في ما تحظى به سلطنة عُمان من احترام وتقدير من الجميع.

وعمان الناجحة داخليا هي نفسها خارجيا بكل علاقاتها ، فقبل عقود على تطبيق سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" التي أعلنها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عمادا لسياسته الخارجية، أتقنت عُمان هذه السياسة، وأقامت علاقات سلمية مع إيران والعراق على السواء خلال الحرب الإيرانية العراقية بين العامين 1980 و1988، ومع إيران والولايات المتحدة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المذكورتين في العام 1979.

في السنوات الأخيرة، نجحت عمان في إجراء مفاوضات حدودية مع السعودية واليمن، وشجعت على التقارب بين إيران والسعودية، وساهمت في نسج علاقات أفضل بين اليمن والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

"مسقط المشاكسة "هكذا يصفها المتخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط في مركز " برينت سكوكروفت" للأمن الدولي بالمجلس الأطلنطي" بلال صعب" في مقالة نشرها بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، العام الماضي.

ويضيف بلال ،توسطت عُمان بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، بعد نزاع سياسي بشأن دعم الدوحة لجماعة "الإخوان المسلمين"، ونجحت في التمهيد لإجراء محادثات سرية بالغة الأهمية بين واشنطن وطهران، في إطار المفاوضات الدولية بشأن برنامج إيران النووي، وقضايا أخرى كالإفراج عن 3 رهائن أميركيين اعتقلتهم إيران على الحدود الإيرانية العراقية.

وعُمان عضو هادئ في "مجلس التعاون الخليجي"، لكنها تلعب دورا مهما، فمسقط، "مشاكسة" بنظر جاراتها الخليجيات، لأنها تغنِّي خارج السرب بسبب علاقتها الودية مع طهران، ومقاومتها العلنية لمحاولات الرياض الهيمنة على "مجلس التعاون الخليجي"،وتحويله أداة لمواجهة إيران، كما قال «صعب».

وبالرغم من إصرارها العلني على عدم الانضمام لمعاهدة العملة الخليجية الموحدة، تهتم عُمان بتعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضاء المجلس أكثر من اهتمامها بمشاريع الوحدة العسكرية أو السياسية.
وفي ظل سياستها الحكيمة حصلت عمان على الإشادات المتواصلة لمعرض التسامح الديني الذي تقيمه في الخارج وثناء على الجهود التي تبذلها في مجال نشر ثقافة التفاهم والاعتدال ونقل تجربة السلطنة إلى الأمم والشعوب وحثهم على احترام المقدسات وتقدير الأنبياء واحترامهم ونبذ الكراهية والعنف والتطرف.
وبحسب المثال العربي المتعارف "من عاشر قوما أربعين يوما فهو منهم"،إلا أن عمان خالفت المتعارف ، ورفضت بأن يُقال في كتب التاريخ ، بأنها ساهمت في نشر الطائفية أو حرضت على الحروب والكراهية .

أضيف بتاريخ :2015/09/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد