خليجية

لقاء المعارضة يصدر تقدير موقف بعنوان (العفو السعودي عن المعارضين: الدوافع، الخلفيات، والمآلات)

أصدر المكتب السياسي في "لقاء" المعارضة في الجزيرة العربية تقدير موقف بعنوان (العفو السعودي عن المعارضين: الدوافع، الخلفيات، والمآلات).

وجاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

تقدير موقف

 “العفو” السعودي عن المعارضين: الدوافع، الخلفيات، والمآلات اللجنة السياسية في "لقاء" المعارضة في الجزيرة العربية

في الثاني من مارس 2025، أعلن عبد العزيز الهويريني، رئيس أمن الدولة السعودية، خلال مقابلة مع قناة "إم بي سي"، عن عفو شامل لمعارضي النظام السعودي في الخارج، مع تأكيده أن العودة ستكون آمنة دون عقاب، باستثناء من ارتكبوا جرائم جنائية كالقتل أو الاعتداء. 

جاء هذا الإعلان في سياق تصريحات متكررة للنظام السعودي تؤكد أن الدولة "تعالج ولا تعاقب" في حالات الأفكار دون أفعال، وأن جزءاً من المعتقلين في الداخل تم اعتقالهم بناءً على طلب أهاليهم.

هذا الإعلان أثار جدلاً واسعاً بين المعارضين للنظام السعودي، حيث رأى البعض فيه محاولة لامتصاص الغضب الداخلي وتحسين صورة النظام دولياً، بينما اعتبره آخرون خطوة تكتيكية لتفكيك المعارضة في الخارج. وفي هذا التقدير، سنحلل دوافع هذا “العفو”، خلفياته السياسية والاجتماعية، والمآلات المحتملة لهذه الخطوة. كما أن الإعلان تضمن تلميحات اتهام للمعارضين، حيث وُصفوا بأنهم "مغرر بهم" أو "مأجورون"، مما يُقلل من شرعية معارضتهم السياسية.

من الملاحظات الملفتة في الإعلان:
1. غياب كلمة "عفو": رغم عدم ذكرها صراحة، فإن الإعلان يُفهم كعفو عن جرائم المعارضة، وهو ما يرفضه المعارضون الذين يرون أن النظام هو المجرم وليسوا هم.

2. اتهامات ضمنية: الإعلان يتهم المعارضين بالاستغلال من قبل أطراف خارجية، مما يُضعف موقفهم السياسي ويُظهرهم كضحايا لسذاجة أو جشع.

3. عدم شمول “العفو” لمعتقلي الداخل: “العفو” لا يشمل معتقلي الداخل، مما يُضعف مصداقية الإعلان ويُظهره كإجراء انتقائي غير مرتبط بإصلاح سياسي حقيقي.

4. جديّة النظام: رغم الجدية الظاهرة في الإعلان، فإن الثقة بالنظام معدومة بسبب تاريخه الدموي، خاصة بعد تجربة "خاشقجي"، وعدم إطلاق سراح معتقلي الداخل، مما يجعل العودة محفوفة بالمخاطر.

 

الخلفية السياسية للنظام السعودي تجاه المعارضة

أولًا: نظرة النظام للمعارضة
تاريخياً، لم يعترف النظام السعودي بوجود معارضة سياسية شرعية، بل اعتبرها نتاج "أجندات خارجية" أو "تأثيرات أيديولوجية مغرر بها". وقد تم تصوير المعارضين على أنهم عملاء لأطراف خارجية أو مأجورين، مما أتاح للنظام تبرير قمعهم دون الاعتراف بشرعية مطالبهم. ومع ذلك، فإن تصاعد نشاط المعارضة في الخارج، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، أجبر النظام على التعامل معها بشكل مختلف، وإن كان ذلك بشكل انتقائي.

ثانيًا: التحول من التجاهل إلى الاعتراف الضمني
في السنوات الأخيرة، شهدت سياسة النظام السعودي تحولاً من تجاهل المعارضة إلى الاعتراف الضمني بوجودها، خاصة بعد أن أصبح صوت المعارضين مسموعاً على نطاق واسع. وقد تجلى ذلك في الحملات الإعلامية المكثفة ضد المعارضين في الخارج، والتي حاولت تسفيههم وتصويرهم كـ"كلبجية" أو "أقذر معارضة عرفها التاريخ"، وفقاً لتعبير كتّاب النظام.

دوافع “العفو” السعودي

1. التهدئة الداخلية
يأتي هذا “العفو” في سياق محاولة النظام تهدئة الأوضاع الداخلية، خاصة بعد سنوات من القمع الشديد الذي طال مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك النخب الدينية والسياسية. فالنظام يدرك أن استمرار القمع قد يؤدي إلى تفاقم السخط الشعبي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.

2. تحسين الصورة الدولية
في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، يسعى النظام إلى تحسين صورته الخارجية عبر إظهار "التسامح" و"الرحمة" تجاه المعارضين. وقد يكون هذا “العفو” محاولة لامتصاص الانتقادات الدولية، خاصة في ظل العلاقات المتوترة مع بعض الحلفاء التقليديين.

3. تفكيك المعارضة في الخارج
يهدف “العفو” إلى استقطاب بعض المعارضين في الخارج، خاصة أولئك الذين لا يشكلون تهديداً كبيراً للنظام، وذلك لإضعاف جبهة المعارضة وتقليل تأثيرها. وقد يكون النظام يأمل في أن تؤدي عودة بعض المعارضين إلى تقليل زخم الحراك المعارض في الخارج.

4. السياق الإقليمي
يأتي هذا “العفو” في ظل تحولات إقليمية كبيرة، بما في ذلك التطورات في اليمن وسوريا وفلسطين، والتي قد تشكل تهديداً للنظام السعودي. فالنظام يدرك أن استمرار المعارضة في الخارج قد يعزز من قدرتها على التأثير على الداخل، خاصة في ظل تواصلها مع قوى إقليمية معادية للنظام.

المآلات المحتملة

1. ردود فعل المعارضة
من غير المتوقع أن يقبل معظم المعارضين في الخارج بهذا “العفو”، خاصة في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية لسلامتهم، وغياب أي إصلاحات سياسية جوهرية. كما أن تجربة مقتل الصحفي جمال خاشقجي لا تزال حاضرة في أذهان المعارضين، مما يجعلهم يشككون في نوايا النظام.

2. تأثيرات داخلية
قد يؤدي “العفو” إلى تخفيف بعض الضغوط الداخلية، خاصة إذا تم توسيعه ليشمل إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين في الداخل. إلا أن استمرار القمع وعدم وجود إصلاحات حقيقية قد يحد من تأثير هذه الخطوة.

3. تداعيات إقليمية ودولية
قد يساهم إعلان “العفو” في تحسين صورة السعودية دولياً، خاصة إذا تم تنفيذه بشكل شفاف. ومع ذلك، فإن عدم وجود تغييرات حقيقية في سياسات النظام قد يجعل هذه الخطوة مجرد "استعراض" دون تأثير دائم.

الخلاصة
إعلان “العفو” عن المعارضين في الخارج يمثل تحولاً في سياسة النظام السعودي، من القمع المطلق إلى محاولة استيعاب بعض المعارضين. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى جدية النظام في تنفيذها، ومدى استجابته للمطالب السياسية والاجتماعية التي تدفع المواطنين إلى المعارضة. في غياب إصلاحات حقيقية، قد يبقى هذا "“العفو”" مجرد خطوة تكتيكية لتحسين صورة النظام دون تغيير جوهري في سياساته القمعية.
الإعلان يُظهر النظام كطرف متسامح، وهو في الواقع يفتقر إلى الإصلاح السياسي الحقيقي، ويُعزز الشكوك حول مصداقيته بسبب تاريخه القمعي وعدم معالجة قضايا معتقلي الرأي، والعديد من الملفات السياسية.

١٢ رمضان ١٤٤٦ هـ
مارس ٢٠٢٥ م/ ١٣ آذار

أضيف بتاريخ :2025/03/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد