تقرير خاص - خبير’ في قاعة عزاء شهداء المحاسن: كلامنا موجه لـ ’الدولة’.. المناهج أولاً!
المكان محاط بدوريات الأمن، وقوات المهمات الخاصة مجهزة بأسلحة رشاشة تقف جنباً إلى جنب مع عناصر من لجان الحماية الأهلية . كانت القاعة مكتظة بالحضور... المواكب الحسينية والشخصيات العلمائية والثقافية تتوافد من مختلف المناطق لتقديم التعازي والتبريكات لأهالي الشهداء. على إحدى الأريكات الرئيسية جلس أطفال لتقبل التعازي بآبائهم الشهداء. وفي زاوية مخصصة عُرضت صور أظهرت آثار الجريمة الإرهابية على المصاحف الشريفة وسجاد المسجد، وصور أخرى للمتفجرات التي نزعها المصليين من الإرهابي… هكذا بدا مشهد قاعة الأحساء للأفراح والمناسبات بمدينة المبرز، المخصصة لعوائل الشهداء الأربعة الذين سقطوا في الهجوم الذي نفذه ثلاثة إرهابيين على مسجد الإمام الرضا "ع" بحي محاسن.
صحيفة "خبير" قامت بزيارة لقاعة العزاء، والتقى طاقمها ببعض أهالي الشهداء وبعض الجرحى الذين خرجوا من المستشفى وحضروا مراسم العزاء، للوقوف على مشاعر الناس ومواقفهم الرافضة للتكفير والتحريض الطائفي وإلغاء الآخر.
هكذا وقع التفجير
يروي المصاب هلال السيافي، وهو من أهالي حي محاسن أرامكو، ما جرى يوم الجمعة الماضية: أثناء التكبير لصلاة العصر سمعنا صوت انفجار. كسر الإرهابي الأول الباب وقال لمن معه: "لقد تمت العملية بنجاح أدخلوا". لحظتها اختفت الكهرباء، دخل أحدهما المسجد وهو يطلق الرصاص على المصلين. أصابت شظايا رصاصه العشوائية عدداً من المصلين، قبل أن يمسك به بعضهم وينتزعوا منه الحزام الناسف.
"الحمدلله، تمكن الأهالي من الحؤول دون وقوع تفجير ثانٍ كان بمقدوره أن يحول المكان بأكمله إلى رماد. أما الإرهابي الثالث لاذ بالفرار"، قال السيافي.
"لقد تعرضت لإصابة في رأسي. سقطت على الأرض حملني أحد أفراد عائلتي ونقلوني للمستشفى".
ينظر المصاب هلال السيافي إلى أيتام الشهداء متسائلاً: أي ذنب ارتكبه المصلون في دار عبادة وصلاة لله؟ وما هي المصلحة من قتل الناس وترهيبهم… " شيء مؤلم حقيقة وغير متوقع أن يحصل، لا نعلم كيف دخلوا علينا مع العلم أن سيارة الأمن كانت موجودة بالخارج!"
والتقت "خبير" سجاد يعقوب يوسف العويض الذي أُصيب بشظايا زجاج في قدميه أثناء قيامه بكسر الباب الزجاجي للمسجد بعد الانفجار، في محاولة منه لمساعدة المصلين للخروج. يتحسر العويض على الإرهابيين لكونهم شبّان"متخلفين" لا يملكون عقلاً!
في القاعة كان إمام مسجد الإمام الرضا (ع) من بين الحضور. السيد ناصر بن الياسين السلمان لازال يستذكر ما جرى على المصلين يومها، ويحمد الله أن الكارثة لم تقع وفق ما خطط لها الإرهابيون… إلا أنه رغم ذلك يصف ما جرى بأنه "مسلسل دامٍ لايقبله أي عاقل".
تواصل "خبير" مقابلاتها، تلتقي هذه المرة بعوائل شهداء، كانوا يقصدون الله فباغتهم الحقد، الذي لم يعد يقيم حرمة لبيوت الله.
السلطات مطالبة بتوفير الحماية
الشهيد حسين عبدالله البدر( 48 عاماً)، متزوج ولديه خمسة من الأبناء " ثلاثة أولاد وبنتان"، يصفه من يعرفه بالصفاء القلب ونقاء السريرة. إبن أخت الشهيد يستذكره في حوار مع "خبير": "قبل استشهاده بأيام وبالتحديد في يوم الأربعاء اتصل بوالدتي... كان يرغب في زيارتها ولكن لم يكتب الله لقائهما". " خبر فقده كان صادماً للجميع".
لم تتخيل العائلة أنها ستفجع بالشهيد.. يعبر ابن أخت الشهيد البدر عن حالة عائلة آلمها الفقد، وإن تعتز بأنها قدمت شهيداً، وتطالب السلطات بتشديد الحماية للمساجد بشكل أكبر، في بلدة تعتز بتعايشها المشترك وبوجود وحدة بين أهاليها السنة والشيعة، وفق قوله.
وفي حوار آخر، يستذكر أخ الشهيد فؤاد الممتن، وعم الشهيد محمد الممتن، سمات شقيقه الشهيد الذي كان مميزاً عن جميع إخوانه، وفق قوله."كان صاحب قلب حنون. دائم الاتصال والسؤال عن الآخرين. آخر اتصال أجراه معي كان ليلة الجمعة. عاتبني وطلب مني الحضور للعشاء في بيت العائلة".
كان يُعرف بحرصه على "صلة الرحم بشكل كبير جداً، وكان يداوم على الصلاة في المسجد، لا يفوت فريضة. وكان ابنه الشهيد محمد متعلقاً به إلى حد كبير، يلازمه أينما ذهب، حتى في الشهادة، لازم والده".
يحن الأخ لشقيقه وابن شقيقه، يقول إن الجريمة هزت المجتمع الأحسائي بأكمله، وارتدت على كل الوطن. "الجريمة التي وقعت يستنكرها الصغير والكبير... ندعو الله أن يبعدهم عنا. وأن ينالوا جزائهم من الله". ولا يفوته أن يتوجه إلى الدولة بالقول: نطالبكم بحقنا من هؤلاء المجرمين".
في القاعة أيضاً وقف شقيق الشهيد ماهر العبدالله، يتلقى التعازي بشقيق افتقدته العائلة دونما جُرم ارتكبه، وبابتسامة خجولة يقابل تبريكات الشهادة التي نالها الشقيق في محراب.
"كان نموذجا في المثالية ليس فقط مستوى العائلة بل على مستوى المنطقة. كان أفضل أخوته براً بوالديه. يفوق أقارنه في الجهد والاجتهاد في العمل والمثابرة في المهمات الإلهية والحياتية. يعد قدوة لنا في جميع المجالات الأخلاقية الدينية المعرفية. كان يقيم مآتم أهل البيت عليهم السلام ويقيم صلاة الجماعة في منزله. ينظم كذلك فعاليات مختلفة في استراحات المنطقة. يعرفه من حوله بأنه شعلة في النشاط".
الشهيد العبدالله "خريج جامعة الملك فهد في البترول والمعادن، عمل ما يقارب 14 سنة في البنك العربي الوطني. بفضل جهوده كان يصعد ويترقى بمناصب وأقسام عدة. انتقل بعدها للعمل في البنك السعودي للاستثمار، حيث أمضى ما يقارب سنتين كان يثنى على جهوده. وهو في خضم عمله كان يحضر الماجستير عن بعد في إحدى الجامعات البريطانية".
"لم نخسره نحن فقط بل خسره مجتمعه ووطنه. نأمل الآن محاكمة الإرهابي حسب ماهو منصوص في شريعة القانون".
لتجفيف منابع الإرهاب… المناهج أولاً!
الجريمة الإرهابية التي لم تكن الأولى، سواء في استهدافها لبيوت الله أو حتى لوقوعها في الأحساء، لن تكون الأخيرة، يقتنع بذلك أهالي الشهداء وسكان المنطقة.
ليس لدى هؤلاء ما يقولونه للإرهابيين، لأنهم يرددون أن الإرهابي القاتل فاقد للعقل وانتزعت منه الانسانية. كلام الأهالي يوجهونه لـ "الدولة": المطلوب اليوم تدابير جدية لمعالجة موضوع الإرهاب، ولتجفيف منابعه الفكرية التي ترعاها المناهج الرسمية.
يأمل شقيق الشهيد العبدالله "من المسؤولين أن يتخذوا خطوات جدية في تجفيف منابع هذه الفئة الضالة. نحن كمجتمع مسالم ومتعاضد يجب أن... نتحمل مسؤولة في معالجة كل دخيل يكون خطابه طائفياً ولا يقتصر على جانب دون جانب. حينما نتكلم "لا للطائفية " لابد أن تكون عند جميع الأطياف. المنطقة الشرقية والأحساء خاصة تضم عدد من الطوائف الدينية المتعايشة المتداخلة بين بعضها ، لابد أن نسعى إلى تغذية هذه اللحمة ونجفف ونقطع كل من يسع للتفكيك المجتمع".
يتابع: "نطالب بنشر الوعي بين الأمة الواحدة، من خلال تنقية المناهج التعليمية المليئة بالعبارات التحريضية ورفض الآخر وعدم اعتبار الأخر كمسلم يجب النظرة لها بنظرة جدية. فالمناهج هي الغذاء المعرفي الذي يتغذى عليه الطفل. فعندما يتربى طفلك على رفض الآخر فمن الطبيعي أن نحصد أجيال تتبنى الأفكار المتطرفة".
يضيف العبدالله: "يجب التركيز في المناهج على المعارف الإسلامية والآيات التي تدعو للتعايش مع البشرية من الأمم الأخرى حتى مع غير المسلمين. ونشر ثقافة التسامح مع الأديان الأخرى".
أضيف بتاريخ :2016/02/06