تشيلكوت عربيا ودوليا
معن بشور ..
لم يكن العراقيون وشرفاء الأمة وأحرار العالم بحاجة إلى تقرير لجنة التحقيق البريطانية المستقلة برئاسة مستر تشيلكوت لكي يدركوا أن الحرب على العراق عام 2003 كانت تفتقر إلى مبررات شرعية وقانونية ومعلومات إستخبارتية صحيحة، وأنها أدت إلى نتائج كارثية، فهم منذ اليوم الأول لتلك الحرب الإرهابية الكبرى كانوا يدركون مخاطرها على العراق بأسره، وعلى الأمة كلها، بل على الكون أجمع.
لذلك تظاهر الملايين في عواصم المنطقة والعالم و وارتفعت أصواتهم محذرين من هذه الكارثة دون أن تحرك كل هذه المسيرات والمبادرات ساكنا لدى من أدعى أن الحرب ضرورية لنشر الديمقراطية في العراق وأقطار الأمة ،فيما أهل الحرب أنفسهم يتجاهلون صرخات شعوبهم، ويمعنون استهتارا بإرادة مواطنيهم والكثير من قادتهم.
تقرير تشيلكوت، على أهميته كوثيقة رسمية تقر أن الحرب كانت جريمة كبرى، لن يمسح دمعة واحدة من عيون ملايين العراقيين والعراقيات الذين عانوا ،وما يزالون ،حروب قتل وإبادة وتفجيرات إرهابية وتحريضا طائفيا ومذهبيا وعرقيا بغيضا، ولن يعيد الحياة إلى شهيد واحد ،طفلا أو شيخا، امرأة أو رجلا، مواطنا أو قائدا ولا إلى مدن هدمت،وبيوت أزيلت، وأرزاق قطعت.
تقرير تشيلكوت الذي صدر في لندن لن يمنع المطالبة بقرير مماثل في واشنطن وفي كل عاصمة شارك مسؤولوها في هذه الحرب، مثلهم مثل بوش الصغير ،وطوني بلير الذي كوفئ بعد جريمته في العراق بترؤس اللجنة الرباعية لإنهاء القضية الفلسطينية.
إن هذا التقرير لن يمنعنا كذلك من المطالبة بتقرير مماثل في عدد من عواصمنا العربية والإسلامية خصوصا من حرض مسؤولوها على هذه الحرب،وسهلوا لها البر والجو والبحر،وسعوا للاستثمار سياسيا في نتائجها والاحتلال، وكرسوا أثارها ومفاعيلها منذ الأسابيع الأولى، حتى بات الجميع اليوم رهينة نتائج تلك الحرب التي أخذت شظاياها تملأ المنطقة بأسرها.
لكن لتقرير تشيلكوت إيجابية وحيدة تضاف إلى إيجابية تحميله مسؤولية تلك الحرب لمجرمي الحرب وعلى رأسهم طوني بلير، وهي أنه أعاد الاعتبار لكل من ناهض تلك الحرب قبيل اندلاعها، ورفض الاحتلال وكل إفرازاته، وتحمل، بسبب موقفه الجامع بين الوطنية وبعد النظر،الكثير من الافتراءات والاتهامات والإساءات والملاحظات ولوائح المطلوبين، بل إلى حروب كونية كما حال سوريا وليبيا واليمن ، واغتيالات بالسم لقائد شعبه في فلسطين ،وإلى حروب علنية وخفية ،كما في لبنان ،الذي خرجت منه في وقت مبكر الدعوة إلى إطلاق الحملات القانونية الدولية لملاحقة مجرمي الحرب على العراق، أينما كانوا، وأيّاَ كانوا.
المطلوب اليوم ،أذن ،تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في المسؤولية عن الحرب في العراق تشمل مسؤولي كل دولة من الدول الأربعين التي شاركت في الحرب ،كما تشمل مسؤولي كل دولة من دول المنطقة الذين حرضوا وسهلوا واستثمروا في نتائج الحرب و الاحتلال، وسيأتي اليوم الذي يعضون فيه أصابع الندم على ما فعلت أيديهم ، وأن بقوا مستمرين في غيهم في تدمير دول عربية وإسلامية أخرى.وفي صرف الأنظار عن العدو الصهيوني، بل والتطبيع معه،وهو الذي لعب دورا كبيرا في التحريض والتحضير لهذه الحرب المستمرة ضد العراق، وضد كل بلد عربي أو إسلامي يشكل خطرا على المشروع الصهيوني والمصالح الاستعمارية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/07/08