العراب الفلسطيني والتحالف السعودي الإسرائيلي
صابر عارف ..
عندما كنا نحذر من خطورة ومستقبل العلاقات الإسرائيلية الخليجية السعودية طيلة السنوات الماضية وخاصة منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز العام 2006 م ، حيث تضامنت السعودية ودول الخليج العربي مع العدوان وأعلنت رغبتها باستمرار الحرب على لبنان وعلى حزب الله المقاوم حتى القضاء عليه ، وجعلت من أدواتها اللبنانية رأس حربة للإعلان الصريح عن ذلك … عندما كنا ندعوا للحذر واليقظة ولا سيما خلال العامين الأخيرين كان الكثيرون يتهموننا بالتجني والمغالاة والتطرف ونكران الجميل السعودي الدولة العربية الأولى بالوفاء بتسديد الالتزامات المالية العربية لقيادة الأمر الواقع ، متجاهلين أن هذا أمر وقرار أمريكي إسرائيلي أساسا لإعالة وإعاشة السلطة الأمنية الفلسطينية التي أوجدتها لحماية الاحتلال ، ويتهموننا بالعدمية والجهل السياسي الذي يفترض العمل لزيادة الأصدقاء وتقليص دائرة الأعداء ، ويزايدون علينا بعدم الوعي لحقيقة وعمق التناقضات والصراعات الدينية ، فالسعودية مهد الإسلام وعاصمته لا يمكن أن تبيع أرض وقف إسلامية لبني يهود ، ولا يمكن أن تتصالح معهم منذ خيبر وإلى يوم الدين . وباختصار ها قد حصل يا سادة القوم ويا عباقرة زمانكم ما كنا نحذر منه ونخشاه ، فماذا أنتم فاعلون ؟!
فقد زار وقضى عراب العلاقات السعودية الإسرائيلية الجنرال المتقاعد من القوات المسلحة السعودية أنور عشقي على رأس وفد سعودي يضم رجال أعمال وأكاديميين عدة أيام في مدينة القدس الغربية ، والتقى عددا من المسؤولين في الدولة العبرية، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأحد الماضي بشكل رسمي وبوضوح تام لا لبس فيه ، ،، إن الجنرال عشقي الذي ترأس وفدا سعوديا، عقد اجتماعا مع المدير العام للخارجية الإسرائيلية دوري غولد المقرب من نتانياهو في فندق الملك داوود الفخم في القدس الغربية ،، وكان الأصرار على ذكر المكان مقصودا !! . وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة الإسرائيلية إيمانويل نحشون إن هذا اللقاء لم يكن الأول بين الرجلين، إذ أنهما التقيا في واشنطن في السابق قبل أن يتولى غولد منصبه الحالي.
والتقى عشقي أيضا على غير المتوقع ودون معرفة الأسباب الحقيقية وراء اللقاء الميجور جنرال يواف مردخاي رئيس الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية والمسؤولة عن تنسيق أنشطة الجيش في الأراضي الفلسطينية ، والمسؤولة استطرادا عن سلطة محمود عباس. كما تتواصل الاستعدادات والتحضيرات على قدم وساق لترتيب زيارة لنواب إسرائيليين إلى المملكة العربية السعودية قريبا .
وكانت قد أكدت صحيفة جيروسلم بوست الإسرائيلية بأن عشقي جاء في مهمة “للترويج” لمبادرة السلام العربية. ولم تنف أو تتنصل أية مصادر أو جهات سعودية من هذه الزيارة ، ويقول مراقبون ووسائل إعلام إسرائيلية إن زيارة الجنرال عشقي إلى القدس لم تكن ممكنة من دون موافقة السلطات السعودية التي لم تصدر بدورها أي تعليق على الزيارة حتى الآن. الأمر الذي يؤكد الطابع الإسرائيلي للزيارة ويدحض تأويلات وتحريفات العشقي من أنه ” لم يقم بزيارة إسرائيل، بل ذهبت لرام الله بدعوة من الفلسطينيين، واجتمعنا مع أسر الشهداء وواسيناهم، وحضرنا زفاف ابن مروان البرغوثي، أحد المعتقلين ورمز القضية الفلسطينية”. !! . وأقسم بأن الشهداء لو علموا بأن أنور عشقي سيزور أهاليهم لما استشهدوا في سبيل أنبل قضية بشرية يمتطيها أكذب وأرذل بني البشر . وما أظن أن المناضل الكبير مروان البرغوثي كان سعيدا بتهنئة ابنه التي جاءت للتغطية على الأهداف الحقيقية للزيارة .
بدون مقدمات وبدون لف أو دوران قالها العشقي وبصريح العبارة ،، أنه إذا أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه يقبل المبادرة العربية، فالمملكة سوف تبدأ على الفور في إنشاء سفارة لها في تل أبيب . لاحظ كلمة على الفور ! ! فالدفع سلفا ومقدما وليس بعد انجاز وإتمام التسوية والحل الذي يدعون السعي لتحقيقه ، قالها وهو يعلم علم اليقين كضابط مخابرات وكمدير لمركز أبحاث يقدم نفسه على أنه مفكر ملهم ، يعلم علم اليقين بثقافة وتاريخ المفاوض اليهودي منذ أن فاوض ربه على البقرة !!!! ، ويعرف جيدا أنهم لا يتنازلون عن نقير تمرة .
صرح بهذا الموقف الذي لا يستطيع أن يعلنه أحد دون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المملكة السعودية ، ولا يستطيع أن يدلي بتصريح كهذا وبهذه الثقة واللغة الواضحة القاطعة رجل وزائر عادي ، يحمل صفة الدراسات والأبحاث فقط !! ليؤكد للقاصي والداني بأن الزيارة فتح جديد في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الصهيونية ، وستفتح الطريق واسعا لإقامة تحالف سعودي إسرائيلي وطيد لمواجهة إيران وأي تيار عربي تحرري تنويري أو مقاوم . تحت شعارات وتضليل زائفين مفضوحين ، بان الخطر الرئيسي المنتظر الذي يهدد الأمتين العربية والإسلامية هو خطر التشيع الإيراني ، لصرف الأنظار عن الخطر الحقيقي الصهيوني القائم والمتحقق فعلا على الأرض .!! أنه الجنون بعينه ، بل أنها الإرادة والتعليمات الأمريكية الصهيونية .
بهذه المزايدات والسخافات والاستهتار بعقولنا ، وبادعاء مواساة أسر الشهداء ، تمرر كل التفاهات العربية ، وما يدمي القلب ويثير الأسى والشجن أن يكون العراب الحقيقي الذي يغطى على هذه المهازل والجرائم هو الفلسطيني الذي يمثل قيادة الأمر الواقع ، وللتضليل فقد التقى الوفد السّعوديّ بالرّئيس الفلسطينيّ، محمود عبّاس، ومع شخصيّات من القيادات الفلسطينيّة. وخاصة جبريل الرجوب التي أصرت وسائل الإعلام الإسرائيلي على إنزال صورة خاصة له تجمعه والوفد الإسرائيلي السعودي المشترك . وكما هو معلوم ومعروف بأن الرجوب طامع بالرئاسة وبأن يكون خليفة محمود عباس ، ويتنافس في ذلك على كسب ود ومال دول الخليج مع محمد دحلان المقيم في الأمارات كمستشار امني وسياسي لها ، وعراب متعدد الاتجاهات والأهداف !! . فالمشكلة الأساسية عندنا نحن الفلسطينيين الذين نوفر الغطاء لهذه السياسات والمواقف المتخاذلة .
صحيح أن دول وحكام الخليج والسعودية لا يتآمرون على فلسطين فحسب ، بل وعلى كل بلاد الشام التي يدمرون ، بحقد أعمى مستوحى من حقد الجمل المشهود الذي يشكل موروثهم الثقافي والحضاري ، حيث يعانون من عقدة نقص أمام الحضارة المدنية الشامية مقابل حضارة البادية وثقافة الجمل الحقود ، ولكنهم ما كانوا ليفعلوا ما يفعلون لو أن الوضع الفلسطيني في حال غير هذا الحال الذي أوصلنا إليه محمود عباس ونظامه السياسي وأدواته القيادية .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/07/28