آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. يوسف مكي
عن الكاتب :
دكتوراه في السياسة المقارنة - جامعة دينفر كولورادو. - رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الأسبوعية، ورئيس التجديد العربي ومشارك في مجلة المستقبل العربي أستاذ محكم بمركز دراسات الوحدة العربية. - عضو في العديد من اللجان والمؤتمرات. - صدر له مؤلفات منها ولا يزال البعض تحت الطبع.

تركيا... مراجعة سياسات أو غرق في الأزمات؟

 

يوسف مكي ..

يمكن القول، إن انطلاق ما بات معروفاً بالربيع العربي، قد شكل نقطة البداية في التغير الجوهري بالسياسة التركية، من مشاكل صفر، وتحسين العلاقات مع جميع جيرانها جنوباً وشرقاً، إلى الانخراط بقوة في الحراك الإخواني بالدول العربية، على أمل القطف السريع لثمار هذا الحراك.

 

لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فقد سقط نظام الإخوان المسلمين في مصر برئاسة محمد مرسي، مضافاً إليها هيمنة الإخوان على البرلمان، بثورة 30 يونيو/ حزيران 2013م، وفي تونس فشلت حركة النهضة في حصد غالبية المقاعد، في الانتخابات الثانية بعد الثورة، والأغرب أن من نجح كان الجناح التجديدي في البورقيبية، ممثلاً في النداء التونسية بقيادة القايد السيبسي، وفي اليمن تعثر المشروع السياسي، وتعطل الحوار الوطني، ولاتزال الأوضاع مرتبكة.

 

وفي سورية هناك ما يشبه الحرب العالمية، حيث الجميع متواجد في الخنادق، والبلد يتجه نحو المجهول، ورهانات تركيا على حسم سريع، يوصل الإخوان إلى السلطة باتت أقرب إلى المستحيل، وفي ليبيا تحولت البلاد، إلى مركز للفوضى، وملاذ للإرهاب والإرهابيين.

 

والنتيجة أن تركيا التي راهنت على الجنوب، وأدارت ظهرها للغرب، وجدت نفسها في مأزق حقيقي، فعلاقة الحكومة التركية بالغرب لم تعد في وضع جيد، والصحف الأميركية، والغربية على العموم تحمل كل يوم اتهامات جديدة لأردوغان.

 

ومن جهة أخرى، فإن محاولته التقرب من روسيا، بوتين وتوقيع اتفاقات اقتصادية وإستراتيجية معها، اصطدمت بالخلاف بشأن الموقف من سورية، وانتهت بأزمة حادة وقطيعة بين البلدين، إثر إسقاط تركيا طائرة مقاتلة روسية قرب حدودها الجنوبية.

 

والاقتصاد التركي، الذي نهض به أردوغان في مراحله الأولى حين تبنى سياسة صفر مشاكل، يعاني مشاكل حادة بعد أحداث سورية، التي تشكل محطة ترانزيت رئيسية للصادرات التركية، المتجهة نحو الجنوب إلى الأردن والسعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.

 

والأزمة الكردية، التي خبت بفعل التنسيق الأمني السوري- التركي- الإيراني، عادت بقوة للبروز، مهددة من خلال عملياتها الكثيفة، أمن تركيا واستقرارها.

 

لقد أدرك رجب طيب أردوغان صعوبة الأوضاع التي تمر بها بلاده، وقام قبل أيام قليلة من الانقلاب باستدارة مفاجئة؛ طبّع العلاقات مع «إسرائيل»، واعتذر لبوتين عن إسقاط الطائرة الروسية، وطالب بإعادة العلاقات الطبيعية مع روسيا، وأصدر تصريحات إيجابية تجاه طهران.

 

كما أبان عن الرغبة في تطبيع العلاقة مع مصر، والرئيس عبدالفتاح السيسي، وأبدى مرونة غير مسبوقة تجاه نظام الحل السياسي في سورية، وبدا أنّ تحولاً دراماتيكياً قد أخذ مكانه في السياسة التركية، وجاءت عاصفة الانقلاب في محطة مصيرية من محطات الانتقال في السياسة التركية الخارجية.

 

فشل الانقلاب العسكري الذي وقع في تركيا قد يكون مؤشراً، على اختلالات فعلية في توازنات القوة بالمشهد السياسي التركي، بشقيه العسكري والمدني. فقد بدا واضحاً تراجع نفوذ المؤسسة العسكرية، التي أنيط بها حماية النظام العلماني، ولم يعد بمقدور هذه المؤسسة أن تفرض أمراً واقعاً، مغايراً لحقائق القوة على الأرض، صحيح أن مدبري الانقلاب ارتكبوا أخطاء كارثية كبيرة، غير أن هذه الأخطاء لا تفسر وحدها مجمل الأسباب التي أدت إلى فشل الانقلاب، فلولا رفض المجتمع التركي بمختلف فئاته الانقلاب لما تمكن أردوغان أن يجتاز هذا الاختبار الصعب.

 

أمام أردوغان الآن تحدٍّ صعب؛ إمّا أن يقوم بمراجعة دقيقة لسياساته، ويضيق دائرة خصومه، أو يغرق كثيراً في مزيد من الأزمات. أمامه على سبيل المثال، مشكلة الأكراد، الذين يطالبون بحكم ذاتي، ويضاف إلى ذلك أنه دخل في مواجهة مع العسكر والقضاء ومعظم مؤسسات الدولة، وأوضاعه الاقتصادية ليست في أحسن حال.

 

وعلى صعيد الخارج، أخذ أردوغان يكيل الاتهامات يمنة ويسرة. ومنذ الوهلة الأولى اتهم الولايات المتحدة الأميركية، بالوقوف خلف الانقلاب، فكيف وعلى من ستكون مراهناته؟

 

المؤشرات السياسية لما بعد الانقلاب تشي بأن أردوغان سيواصل ما بدأ به حديثا، فيعمّق علاقته مع روسيا وإيران و»إسرائيل»، ويحسن علاقته مع مصر، ويتراجع عن موقفه المتشدد في سورية، ولكل من هذه الخطوات مبرراتها وأسبابها.

 

فمعالجة الأزمة السورية سلمياً، ستتيح لتركيا مدّ عمقها الاقتصادي جنوباً، والاتفاق مع سورية وإيران، سيسهم في تقهقر الجماعات الكردية، وتأمين أوضاعه على الحدود الشرقية والجنوبية، أما مع روسيا فيتوقع أن يجني عشرات المليارات من الدولارات، في حال موافقة الروس على استئناف الاتفاق الاستراتيجي الذي جرى توقيعه من قبلهم من الحكومة التركية.

 

ويدرك الأتراك أن تحسين العلاقة مع مصر، وتطوير العلاقة مع السعودية ودول الخليج سيوجد بدائل اقتصادية وسياسية، تسهم في إضعاف الحصار السياسي الغربي عليهم. وربما يسهم ذلك في فتح صفحة جديدة مع الغرب، بما يسهم في خروج تركيا من الأزمة السياسية الحالية.

 

والخلاصة أن تركيا الآن تتجه نحو عاصفة مجهولة، لن يستطيع كبحها إلا ربان ماهر، قادر على قيادة السفينة، وسط الأمواج المتلاطمة، على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد