من يسدد فاتورة إعادة تصحيح الصورة؟!
عبدالمنعم مصطفى ..
من يسدد فاتورة إعادة تصحيح الصورة؟! انتظار السلام وحده لا يأتي بالسلام، وإنما يتطلب بلوغ السلام الذهاب إليه بالقوة، هكذا تخبرنا خبرات التاريخ وسوابقه، لكن شعوب العالم الذي يجتاز مخاضاً عسيراً هي من تسدد فاتورة اختبارات القوة، وهي من ينبغي أن يجني حصاد الرفاه.
في منطقتنا، مازال السلام حلماً بعيد المنال، ومازال الصراع هو القاعدة، وإن اتسعت قاعدته لتشمل مدناً في أوروبا لم تشهد الموت ولا الدمار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من سبعين عاماً.
ما يجري في إقليم شرق المتوسط، في الشام وفي تركيا، قد يكون أعنف تجليات الصراع على الإطلاق، أما نتائجه، فسوف تقرر مصير الإقليم كله، ومعه النظام الدولي برمته.
المرهق والمريح في نفس الوقت، أن الأغلبية الكاسحة من شعوب الإقليم ودوله وحكوماته، لا تعرف على وجه الدقة حقيقة صراع يجري، فوق مسرح عمليات يتمدد من مالي إلى أفغانستان، ويتسع بعدها ليشمل بتجلياته، مدناً في أوروبا والولايات المتحدة.
أغلب شعوب المنطقة التي وجدت نفسها فجأة ساحة للصراع أو مسرحاً لعملياته اليومية، يحركها في اللحظة الراهنة هدف وحيد، بليد ، هو مجرد البقاء، وبالنسبة لأغلب دول المنطقة فإن أسمى غاياتها بات مجرد حماية خارطتها القديمة دون تغيير، أما القوى المحركة للصراع، ( داعش والقوى الكبرى) فلديها أهداف أغلبها خفي، تتحين الفرص لتحقيقها، وتترك لنا خيارات التعامل مع تداعياتها، وترف محاولة استقراء تجلياتها.
بعض جرائم الإرهاب في أوروبا، مثل ذبح كاهن كنيسة سانت اتيين في فرنسا، هدفها نقل الصراع من منطقة سباق السيطرة على الأرض، إلى منطقة سباق السيطرة على الروح.
علمانية الغرب الراسخة، قد تكون ضمانة وحيدة ضد تحويل ما يجري إلى صراع بين الإسلام وبين العالم، لكن وقوع المزيد من جرائم الإرهاب في أوروبا يوشك أن ينقل الصراع من منطقة المصالح حيث يمكن حساب المصالح وتوجيهها، إلى منطقة المعتقدات، حيث لا يمكن لجم الصراع ولا السيطرة على تداعياته.
اضطرابات الإقليم من مالي إلى أفغانستان وكل ما بينهما، توشك أن تجعل العالم الإسلامي مسرحاً لحرب عالمية بدأت ولا يعرف أحد متى تنتهي، وجرائم الإرهاب في أوروبا توشك أن تجعل المسلمين هدفاً لإجراءات انتقامية، من قبل قوى غربية، تقول- ومعها الحق- إنها تتحرك للوفاء بالتزاماتها الدستورية بحماية مواطنيها وثقافتها ونمط الحياة على أرضها.
قالت لي ابنتي، وهي شابة يافعة تدرس العلوم السياسية، بعدما شاهدت جريمة نحر الكاهن العجوز لكنيسة سانت اتيين الفرنسية ، إن من حق فرنسا أن تنتقم من قتلة الكاهن، أياً كان موقعهم، ومهما كان انتماؤهم، وإن أحداً في العالم لن يستطيع بعد ذلك، إدانة رد الفعل الغربي باعتباره حرباً» صليبية» ضد الإسلام، لأن ما تفعله داعش في الحقيقة، ليس سوى محاولة استدراج كافة الأطراف إلى صراع يريدونه أن يبدو دينياً، تصبح داعش معه قائدة لفسطاط الإسلام، ضد فسطاط من تصفهم بأنهم أعداؤه.
ما زلت أستبعد نجاح داعش في استدراج العالم إلى حرب دينية، لا تبقي ولا تذر، لكنني أصبحت أكثر خوفاً على الإسلام من أي وقت مضى، فكل ما يجري في الإقليم من حروب على خلفية مذهبية يسيء إلى الإسلام، ويمزق صفوف المسلمين، وكل ما يجري باسم الإسلام في مختلف مدن أوروبا وأمريكا، يجعل مهمة تجييش المشاعر الدينية ضد المسلمين، أمراً ممكناً، رغم ثقافة علمانية استقرت هناك على مدى أكثر من قرنين من الزمان.
أثق في قدرة الإنسانية على هزيمة التطرّف، في حروب من أجل البقاء، لكنني أخشى من فواتير باهظة سوف يسددها الإسلام والمسلمون على مدى عقود طويلة مقبلة.
مهمة المثقفين، والساسة، في العالمين العربي والإسلامي، الآن، هي تقليص الفاتورة، وحماية الإسلام من المسلمين وغير المسلمين.
تقليص الفاتورة، يقتضي وعياً لدى النخبة المثقفة، وإرادة لدى النخبة الحاكمة، يجب أن يقودا في النهاية إلى إصلاح ديني، يجتث جذور التطرّف، وإصلاح سياسي يجتث جذور الاستبداد.
لا مكان للتطرف في بيئة لا تعرف الاستبداد.. ولا مكان للاستبداد في بيئة لا يمكن تسويق التطرّف وتسويغه فيها.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/07/29