عبده خال ..

نحن كأمة عربية لم نسلك طريق البحث العلمي، ولهذا ظللنا نستهلك كل شيء، ولم يقف استهلاكنا على الأكل أو الشرب أو المنتجات الصناعية أو التقنية.

الشيء العظيم الذي كنا فيه أكثر إنتاجا عن بقية العالم هو الكلام.. والكلام هنا فعل كان بالإمكان أن يتحول إلى فعل إيجابي من خلال تثقيف أنفسنا بأن ديننا يحث على العمل.. والكارثة الكلامية أوصلتنا إلى إنتاج ثمار الإرهاب فشبابنا التحقوا بجماعات الإرهاب بسبب زيادة الكلام عن نصرة الإسلام.

ولأن ميزة العرب تجسدت في الكلام فقد تحول العقل لدينا إلى جهاز تسجيل يعيد ما قاله الأسلاف، إعادة أزمنة غابرة لتحل معضلات زمن أحدث في كل شيء.

وحين تحذر (الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في دولة الإمارات العربية المتحدة من إمكانية استغلال بعض المجموعات الإجرامية التي تعتنق الفكر الهدام، ميزة الدردشة الإلكترونية في بعض الألعاب الإلكترونية، بهدف نشر فكر وثقافة الإرهاب والقتل بين الشباب والمراهقين، والتأثير في مشاعرهم)، يكون التحذير قد فاتت إمكانية استدراكه..

لنعد إلى أزماننا الماضية القريبة التي كنا نعيش فيها على الدعة وعدم التفكير بالمعضلات المتوقع أن تجابهنا، في تلك الفترة لم يكن البحث العلمي إحدى الوسائل المهمة لمعرفة معطيات الزمن، ففقدنا بوصلة الاتجاه، وكانت هذه هي أكبر مأزق وضع العقل العربي نفسه فيه، ولأننا فقدنا البوصلة..اتسعت الأفواه في قول ما لا يقال عن حماية الدين من الأعداء، فأكثرنا الكلام عن حماية ديننا من كل شيء.. وأثناء الكلام تم تمرير وشرعنة القتل، وكانت هذه هي محصلة كل الأقاويل التي قيلت في بيوتنا ومساجدنا وجامعاتنا..

الآن ونحن في ثورة التقنية والمصانع والاتصالات ليس لنا منها شيء سوى الاستهلاك، فهل توجد دولة عربية واحدة قادرة على إنتاج أي شيء له فائدة للأمة؟ لا شيء يصنع في أي رقعة جغرافية عربية، وحين يصبح أطفالنا مهددين من خلال الألعاب الإلكترونية لا ينفع الكلام الذي احتزمنا به طويلا، فلو كنا قادرين على صناعة شيء منذ البدء لربما استطعنا إعادة هيكلة عقول شبابنا من الكلام (الفارغ) وأعدنا لهم رشدهم...هذا لو كنا..

والآن أيضا ما الذي يجب فعله إزاء تدمير عقول شبابنا في كل مكان.. تدميرهم من خلال الخطب، ومن خلال المخدرات ومن خلال الألعاب الإلكترونية...

صحيفة عكاظ