انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي .. الأسباب والتداعيات
محمد العقلا ..
يعد الاتحاد الأوروبي أنجح مشروع تكاملي ووحدوي على الإطلاق، وقد اقترب من الستين عاما، حيث أعلن عن قيام السوق الأوروبية المشتركة عام 1957، وكانت في ذلك الوقت تعد حلما على مستوى القارة الأوروبية التي عانت دولها كثيرا من جراء الحربين العالميتين الأولى والثانية، نظرا لأن دولها كانت مسرحا لأحداثها ولحقها من القتل والدمار الشيء الكثير.
ومن ثم كان الإصرار على الاستفادة من سلبيات المرحلة الماضية وتجاوزها من خلال اتحاد هذه الدول في مواجهة كل من أمريكا والاتحاد السوفييتي الذي انهار عام 1992، وتفكك إلى دويلات انضم معظمها فيما بعد إلى الاتحاد الأوروبي لوقوعها في شرق أوروبا، وهذه الدول المنضمة كانت تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة بسبب تطبيقها لنظام اقتصادي اشتراكي قضى على الحوافز ونجم عنه اقتصاد مترهل.
وأسفر هذا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عن تزاوج بين اقتصادين أحدهما متقدم للغاية وهي دول أوروبا الغربية والآخر متأخر وهي دول أوروبا الشرقية، واستفاد بالتالي سكان تلك الدول من هذا القرار ونزح كثير منهم إلى دول أوروبا الغربية، وكان حماس قادة أوروبا الغربية لانضمام دول أوروبا الشرقية لأسباب سياسية في المقام الأول، ولذلك ينبغي أن يؤخذ بالحسبان أن قرار بريطانيا بالانسحاب كان خيارا شعبيا في المقام الأول، حيث كشفت نتائج التصويت في المملكة المتحدة عن الانقسامات في هذا البلد، فقد صوتت لندن التي تتسم بالتنوع للبقاء في الاتحاد بينما اختار الخروج الشمال الصناعي وجنوب شرق البلاد حيث تغلب الخطاب المعادي للهجرة.
كما أشارت الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي الفرنسية نيكول فونتين (1999-2002) إلى أنها لم تفاجأ بتصويت هؤلاء السكان الذين يعانون من أوضاع هشة، وكانت نتيجة الاستفتاء 51.9 % للخروج مقابل 48.1 % للبقاء، وكان من أبرز تداعيات هذا الاستفتاء استقالة رئيس الوزراء البريطاني كاميرون، وتراجع الجنيه الإسترليني لأدنى مستوياته منذ عام 1985، وأيضا تراجعت أسعار الأسهم في الأسواق العالمية بنسب كبيرة، وكذلك هبطت أسعار النفط كما خفضت وكالة موديز توقعات التصنيف الائتماني في بريطانيا من مستقر إلى سلبي، وذلك لأول مرة منذ نصف قرن.
كما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أن تداعيات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي لا تقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بل سوف تنعكس أيضا على الجانب التعليمي وعلى الجامعات بشكل جذري، وخصوصا فيما يتعلق بالدعم المالي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للبحث العلمي ويقدر بحوالي 16 % من ميزانية البحث العلمي لدى الجامعات، وأيضا فيما يخص الحرية التي كانت متاحة للطلبة البريطانيين في الالتحاق بالجامعات الأوروبية، كما سيؤثر القرار على كوادر أعضاء هيئات التدريس القادمين من أوروبا للعمل في الجامعات البريطانية، وكذلك سيمتد أثر هذا الانسحاب على القطاع السياحي والنقل بأنواعه وشبكة الاتصالات الهاتفية وغيرها، حيث ستشهد ارتفاعا ملموسا سوف ينعكس سلبا على مستوى رفاهية المواطن البريطاني، وهذه التداعيات والآثار السلبية للانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي يقابلها بعض الإيجابيات المتوقعة على المدى البعيد، من حيث توقع انخفاض مستوى البطالة وتعزيز مستوى النمو الاقتصادي لا سيما أن هبوط الجنيه الإسترليني سيدعم الصادرات، رغم أن معدلات الطلب العالمية ما زالت في أدنى مستوياتها في بلدان العالم.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/08/09