استعباد البشر... المرارة التي لا تنضب

قاسم حسين ..
من أكثر القضايا التي يحتفل بها العالم المعاصر، قضية الرق والاستعباد، التي خصصت لها الأمم المتحدة أكثر من يوم عالمي خلال العام، لأنها تتعلق بقضية وجود وكرامة وسعادة الإنسان.
اليوم، (الثلثاء ٢٣ أغسطس/ آب) هو «اليوم العالمي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق»، التي كانت مزدهرة في العالم القديم، الإسلامي والمسيحي، والشرق والغرب، لكنها شهدت طفرةً كبرى بعد اكتشاف القارة الأميركية على يد الأوروبيين، الذين وجدوا فيها كنوزاً من الذهب والفضة، وأنهاراً وأرضاً خصبةً تدر ذهباً، فاستجلبوا لها ملايين الأفارقة، في عمليات نهب وغارات منظمة، أفرغت القارة الإفريقية من جزء كبير من قواها العاملة، وأضعفتها لعدة قرون قادمة.
هذه التجارة استمرت لأكثر من أربعمئة عام، وجرى خلالها اختطاف أكثر من 25 مليون إفريقي، وشحنهم في السفن الشراعية كالحيوانات. وكانت الرحلة تستمر لأكثر من شهرين، يقضون خلالها حاجتهم الطبيعية في أماكن احتجازهم في باطن السفن، ولا يُسمح لهم بالخروج إلى سطحها إلا بعد أسابيع، ليستحموا بماء البحر الذي يزيد آلامهم بسبب ما بهم من جروح والتهابات، ومن كان يقاوم يُرمى به للأسماك. وكان ربع عدد المختطفين يقضون نحبهم بسبب الأمراض التي تفتك بهم في تلك الظروف البائسة.
استمرت هذه التجارة الوضيعة حتى القرن التاسع عشر، أي بعد أكثر من قرن من دخول أوروبا «عصر الأنوار». واحتاجت البشرية للتخلص من هذا العار، إلى حملاتٍ وكتابات، ومظاهرات واحتجاجات، استمرت لأكثر من قرنٍ، حتى تقر مبدأ المساواة بين البشر، وتتجاوز الدعوات العنصرية التي فرضت التمييز بين الناس بسبب لون بشرتهم.
هذا الوباء العقلي والمرض النفسي، لم يقتصر على القارة الجديدة، بل انتقل إلى إفريقيا ذاتها، فالأوروبيون الذين كانوا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم جنساً أعلى، برّروا لأنفسهم استعمار أكثر من خمسين دولة إفريقية، ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها. وظلت هذه القارة تقاوم هذا الوباء حتى تحرّر أغلبها من سيطرته مطلع الثمانينيات. وبقي نظام جنوب إفريقيا يقاوم كآخر القلاع الحصينة للفصل العنصري (الأبارتهايد)، متسلحاً بقوته الاقتصادية والعلمية، وبما امتلكه من سلاحٍ نووي.
في كتاب «مذكرات نلسون مانديلا: حواري مع نفسي»، يذكر زيارته لمصر، «التي ظلت رغم نهب المستعمرين، بلداً زاخراً بالثقافة والفن القديم»، وأمضى الصباح كله في المتحف يدوّن ملاحظات تفصيلية، وقال: «لم يكن همي اكتشاف نوع الأشخاص الذين أسسوا حضارة الزمن الغابر المتقدمة، في وادي النيل قبل 5000 سنة من الميلاد، ولم تكن مجرد اهتمام بالآثار، بل مسألة مهمة جداً بالنسبة للمفكرين الأفارقة، الذين يهمهم جمع الأدلة العلمية لدحض الادعاء الزائف الذي يطلقه الأوروبيون بأن الحضارة بدأت في أوروبا».
الكل يعلم أن مانديلا سُجن 27 عاماً، بتهمة مقاومة نظام الفصل العنصري، وفي أبريل/ نيسان 1966، وجّه رسالةً إلى وزير العدل، ذكّره فيها بالحقوق الطبيعية لجميع الأشخاص المحتجزين بسبب معتقداتهم السياسية، «الذين طالبوا بحقوق سياسية كاملة للأفارقة وأصحاب البشرات الملونة والهنود، ورفض جميع أشكال هيمنة البيض، وبخلو جنوب إفريقيا من جميع شرور الاضطهاد بسبب لون البشرة».
اليوم، ونحن نقرأ مثل هذا الكتاب، نشعر أنه يتحدث عن أحد أنظمة القرون الوسطى، ظل يقاوم رياح التغيير حتى نهاية القرن العشرين. ومع أن «الابارتهايد» اختفى، إلا أن أشكال التمييز والعبودية ظلت تمارسها الطبقات التي ترى نفسها أعلى من سواها، وظهرت أشكال جديدة من الاستعباد، كالاتجار بالبشر، واستغلال النساء والأطفال اقتصادياً وجنسياً، حيث تدير شبكات الدعارة الدولية تجارة الرقيق الأبيض في الكثير من البلدان.
الأسوأ على الإطلاق، بروز تلك القوى التكفيرية التي تم تسليطها على قلب منطقتنا العربية، في الشام والعراق، لتمارس أبشع الفظاعات وأسوأ أشكال العبودية، بسبي واغتصاب وبيع النساء باسم الإسلام.
لصالح صحيفة الوسط
أضيف بتاريخ :2016/08/23