«الشرق الأوسط انتهى إلى غير رجعة»
الأسبوع الماضي شهد تطوراً جديداً عندما قامت قوات خاصة أميركية وكردية في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 بتحرير رهائن في قضاء الحويجة بمنطقة كركوك العراقية، وأسفرت عملية الإنزال عن تحرير نحو 70 رهينة من يد تنظيم «داعش»، كما قُتل أميركيٌّ خلال العملية. بعدها، انتشر مقطع فيديو يظهر فيه بعض الرهائن الذين تم تحريرهم وخلفهم صورة كبيرة للزعيم الكردي مسعود بارازاني، ولم ينسَ كلُّ واحدٍ ممن تحدَّث أمام الكاميرا أن يشكر بارازاني، بصفته «والد» الجميع، وأن فضله عليهم لا يمكن أن يُنسى. العامل المشترك في المشهد هو اختفاء بلد اسمه العراق، ولا يأتي ذكره إلا من جانبٍ عرَضيّ.
وقد حاول المتحدّث باسم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن العقيد ستيف وارن أن يُعطيَ صورةً أخرى بعد العملية في الحويجة، عندما قال «إن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق تعمل بناءً على دعوة من حكومة العراق»، ولكن سواء كانت هناك دعوة من بغداد أم لم تكُنْ، فإنَّ الواقع على الأرض تغيّر وتحكمه معادلات عملياتية.
هذا التطور ليس مُستغرَباً؛ فالأكراد حالياً يتحرّكون وهم يعتبرون أنفسهم جسداً منفصلاً، وليست لهم علاقة مصيرية ببلد اسمه العراق، اللهم إلا بعض الرسميّات التي يمكن إسقاطها في أيِّ وقت شاءوا. هذا الوضع يتكرر حالياً في شمال سورية، وقريباً سيكون الشمال السوري مماثلاً للشمال العراقي، سواء رضيَت بذلك دولٌ مثل تركيا أم لم ترضَ.
القصة لعلّها تكتمل مع تصريح مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه أمس الأول (الثلثاء 27 أكتوبر 2015) خلال مؤتمر في واشنطن، قال فيه إن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، مؤكداً أن دولاً مثل العراق أو سورية لن تستعيد أبداً حدودها السابقة. وأضاف «نحن نرى أن سورية مُقسَّمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها داعش».
الأنموذج الذي تتجه له عدد من دول المنطقة ربما لن يكون أفضل من ما حدث في فلسطين؛ إذ تأسست دولة لجماعة تنتمي للدين اليهودي، وهؤلاء هم المواطنون الإسرائيليون الذين يتمتعون بكامل الحقوق... أمّا الآخرون الذين يعيشون معهم، مثل «عرب إسرائيل»، فهم مواطنون من الدرجة الثانية، أي أن لهم حقوقاً مدنية ولكنهم محرومون من الحقوق السياسية.
بمعنى آخر، فإنّ عدداً غير قليل من دول المنطقة قد تتحوّل إلى بلدان خاصة بأتباع طائفة أو إثنية معيّنة، ومن يتواجد هنا أو هناك (وهو ليس من الطائفة أو الإثنية الأساسية) فإنّ عليه أن يقبل بمستوى دون المواطنة، أو يرحل إلى بلد آخر يتواجد فيه من يشبهونه في الطائفة أو الإثنية. نأمل أن لا يكون هذا هو الأنموذج الذي يُحتذى بعد كلِّ ما تمُرُّ به المنطقة حالياً.
الكاتب: منصور الجمري
المقال لصالح صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/29