لماذا فشلت استراتيجية توظيف السعوديين في القطاع الخاص؟
محمد العوفي ..
في مقال الجمعة الماضي تم التطرق إلى فشل استراتيجية توظيف السعوديين في القطاع الخاص وفقا لمعايير رقمية واضحة وصريحة كشفت فشلها في تحقيق هدفها الأول المتمثل في "السيطرة على البطالة". والسيطرة على البطالة هو المدخل الرئيس لتحقيق هدفها الأخير "ميزة تنافسية اعتمادا على الموارد البشرية المواطنة". ولكي تتضح الصورة فإن السؤال الذي يفترض أن يبنى على مقال الجمعة الماضي هو: لماذا فشلت هذه الاستراتيجية في تحقيق هدفها الأول؟
وقبل الدخول في تحليل أسباب الفشل، حاولت أن أحصي عدد القرارات والبرامج التي صدرت لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص "السعودة" منذ أول حديث عنها في منتصف التسعينات من القرن الماضي، ووجدتها في خانة العشرات أو تزيد قليلا، وكلها تتجه لفرض السعودة بالدعم أحيانا، والتلويح بالعقوبات والغرامات في أحيان أخر، وهو اختزال كبير للواقع ومعالجته، وهذا ينقلنا إلى نقطة أخرى، وهي أن القرارات التي أصدرتها واتخذتها وزارة العمل قفزت إلى مرحلة التطبيق دون المرور بمرحلة التهيئة، رغم أهميتها وارتباطها بالسلوك الاجتماعي والاقتصادي والقانوني، أو ما يسمى بالثقافة الوطنية أو المحلية (National culture)؛ لذلك كانت النتائج متواضعة رغم مضي أكثر من عشرين سنة على أول قرارات السعودة.
وأسباب فشل استراتيجية توظيف السعوديين في القطاع الخاص متعددة، منها ما يتعلق بالتهيئة، ومنها ما يتعلق بالتطبيق، وبعض منها يتعلق بالتشريعات والأنظمة، والبعض الآخر يتعلق بسوق العمل وهيكلتها، وسأوردها تباعا في مقالين وصولا إلى ما يمكن عمله لتدارك هذا الفشل.
السبب الأول في فشلها يعود إلى إهمال الوزارة لمرحلة التهيئة للسعودة.
وبالعودة إلى الوراء قليلا، وإلى الثقافة الوطنية تحديدا، نجد أن نوع الوظيفة، سواء كانت حكومية أو شبه حكومية أو قطاعا خاصا، لا يزال يمثل أهمية كبرى في اختيارات الشباب ارتباطه بالوضع الاجتماعي للشخص، وامتداد تأثيرها على عوامل أخرى كالزواج، والتفاعل الاجتماعي- وفقا لدراسات علمية تناولت سوق العمل والموارد البشرية في السعودية - رغم انخفاض حدة هذا التأثير عما كان عليه في السابق لكنه لا يزال حاضرا بقوة، لذلك لا يرغب السعوديون في بعض الوظائف.
ما كان على وزارة العمل عمله في مرحلة التهيئة هو التركيز على تغيير ثقافة العمل، والنظرة المجتمعية تجاه بعض الوظائف من خلال رفع الوعي المجتمعي نحو قيمة العمل من خلال المدارس، والكليات والجامعات، أو من خلال وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة لرفع وعي المجتمع والأسر بالعمل وقيمته بغض النظر عن نوعه، فالطالب الذي دخل المدرسة في منتصف التسعينات عند إصدار أول قرارات السعودة، اليوم هو خريج جامعي سيدخل سوق العمل، ونظرته لقيمة العمل وبعض الوظائف لا تزال كما هي دون تغيير، مما يعني أننا خلال عشرين عاما لم ننجح في تغيير ثقافة الجيل الصاعد والقادم لسوق العمل نحو قيمة العمل.
السبب الثاني من أسباب الفشل أن وزارة العمل اتجهت مباشرة إلى سعودة وظائف متدنية جدا، بدلا من أن تتجه نحو الوظائف المتوسطة وذات الدخول الجيدة. ومعظم الوظائف التي عمدت الوزارة إلى سعودتها لا يتناسب دخلها مع تكاليف المعيشة، لذلك بلغت أعلى نسبة للمتعطلين السعوديين وفقا للحالة التعليمية للحاصلين على شهادة البكالوريوس بنسبة (54.0%).
وازدادت المشكلة تحديا مع غياب تحديد الحد الأدنى لأجرة ساعة العمل كما هو معمول به في جميع دول العالم، فعلى سبيل المثال يبلغ الحد الأدنى لأجرة الساعة في بريطانيا 7 جنيهات إسترلينية (11 دولارا) بعد رفعها في أكتوبر الماضي، وفي الولايات المتحدة من ضمن مشاريع المرشحة للرئاسة هيلاري كلينتون رفعها من 8.75 دولارات إلى 12 دولارا أمريكيا، وفي كندا، يبلغ الحد الأدنى حوالي 11 دولارا كنديا في الساعة، ويختلف تبعا للمقاطعات ويزيد تبعا لمستوى المعيشة.
والحد الأدنى للأجور يعني أن أي عامل أو موظف يجب إلا يقل أجره في الساعة عن هذا المبلغ بغض النظر عن المستوى التعليمي أو المهارات التي يتقنها العامل أو الموظف، وليس هناك سقف أعلى لهذه الأجور، بل ترتفع وفقا للمستويات التعليمية والمهارات التي يتقنها.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/08/30